فيما بدأ البرلمان العراقي اليوم استجواب قادة أمنيين حول العنف المتصاعد في البلاد، فقد أبلغ رئيسه النجيفي السفير الأميركي أن الأزمة الحالية في العراق خطيرة ومتفاقمة وذات طابع مذهبي، بينما أعلنت وزارة الداخلية عن ضبطها منشورات وأقراصاً مدمجة تحرّض على التهجير والعنف الطائفي.. في حين باشر الرئيس الجديد لبعثة الأمم المتحدة في العراق البلغاري نيكولاي ملادينوف مسؤولياته في بغداد.


أسامة مهدي: أعلن الناطق باسم عمليات بغداد العميد سعد معن أن القوات الأمنية في العاصمة عثرت خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية على منشورات وأقراص مدمجة تحرّض على العنف الطائفي، حيث عادة ما تلقى هذه المنشورات في حدائق المنازل أو تعلق على أبوابها، وهي تهدد ساكنيها بالقتل، في حال عدم مغادرتهم مناطق سكناهم إلى أخرى في عمليات تغيير سكاني تجري على أساس الهوية الطائفية في مناطق من بغداد ومحافظات جنوبية.

تهجير سكاني على أساس طائفي
وأشار المسؤول الأمني في تصريح صحافي مكتوب تلقته quot;إيلافquot; اليوم الخميس إلى أن القوات قد عثرت خلال الساعات الأخيرة أيضًا على كميات كبيرة من الأسلحة والأعتدة ومواد شديدة الانفجار.. كما ضبطت خلال تنفيذ عمليات مختلفة 27 عبوة ناسفة و24 قنبلة هاون و122 قنبلة يديوية و7 قواعد لإطلاق الصواريخ محلية الصنع.

من جهتها، فقد أعربت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عن quot;قلقها المتزايد إزاء الأوضاع rlm;بسبب موجة الهجمات الأخيرة من العنف الطائفي، التي تهدد بوقوع شرارة تهجير داخلي للعراقيين rlm;الفارّين من التفجيرات والهجمات الأخرىquot;.

وقالت مفوضية اللاجئين إن عام 2003 الحالي شهد نزوح quot;حوالي خمسة آلاف عراقي، بسبب التفجيرات rlm;وتصاعد التوترات الطائفية، ومعظم هؤلاء فرّوا من بغداد باتجاه محافظتي الأنبار وصلاح الدينquot; غرب بغداد، rlm;بحسب متحدثة باسم المنظمة. وأشارت أيضًا إلى أن هناك أكثر من مليون و130 ألف نازح داخل العراق من الذين تركوا منازلهم هربًا rlm;من العنف الطائفي، الذي اجتاح البلاد، وبلغ ذروته بين عامي 2006 و2008.rlm;

بغداد تبلغ واشنطن بخطورة الأزمة
إزاء ذلك، فقد أبلغت بغداد واشنطن أن الأزمة الحالية في العراق خطيرة ومتفاقمة وذات طابع مذهبي. جاء ذلك خلال اجتماع مع السفير الأميركي لدى العراق ستيفن بيكروفت، عقده رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، والذي أبلغه خطورة الوضع المتفاقم طائفيًا في البلاد.

جرى خلال اللقاء بحث تطورات الأوضاع على الساحة العراقية، إذ أكد النجيفي أن الأزمة في البلد متفاقمة وخطيرة، ولها طابع طائفي واضح، يراد منه تحويل العراق إلى نقطة اشتعال مذهبي، كما نقل عنه بيان صحافي لمكتب إعلام البرلمان تسلمته quot;إيلافquot;، لافتًا إلى أن تنظيم القاعدة والميليشيات المسلحة مشتركة في هذا الموضوع. كما تناول البحث قانون الانتخابات في العراق وسبل تعزيز التعاون الثنائي في ضوء العلاقات الاستراتيجية التي تربط البلدين.

وأمس، دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مواطنيه إلى مواجهة مَن أسماهم بالقتلة وأمراء الحرب القادمين من وراء الحدود، ويستهدفون أرواح العراقيين على الهوية الطائفية والقومية. وقال إن العراق قد ابتلى بثقافة لم يعرفها من قبل هي ثقافة العنف والكره، والتي ليست من شأن العراقيين، الذين اعتادوا الألفة والمحبة بينهم، بعربهم وكردهم وتركمانهم، بشيعتهم وسنييهم ومسيحييهم، بصابئتهم بيزيدييهم، وبكل قومياتهم ومذاهبهم.

وأضاف: quot;جاءنا الإرهاب والإرهابيون ودعاة الطائفية من الخارج، والذين تعاونوا معهم في الداخل، فوضعوا بين أبناء البلد الواحد والجسد الواحد هذه الحواجز والقواطع، التي أصبحت تصنّف الناس، وأحيانًا يمارس القتل على الهوية وعلى الاسم، نريد ثقافة بديلة ترفض الطائفية رفضًا مطلقًا وتحذر منها، ونحن نحذر من الطائفية والطائفيين، ونقول لهم: مهما سفكتم دمًا شيعيًا، ومهما سفكتم من دم سني، ومهما سفكتم دمًا كرديًا أو مسيحيًا أو يزيديًا، فإن هذا لن يعطيكم يومًا فرصة لكي تكونوا حاكمين لهذا البلد، وأن تعيدوا عجلة الحياة إلى الوراء، أقتلوا من شئتم، ولكنكم ستواجهون غضبة الشعبquot;.

واليوم قتل 19 شخصًا على الأقل، وأصيب 50 بجروح في سلسلة تفجيرات ضربت بغداد، واستهدفت أسواقًا شعبية فيها، وبذلك يرتفع عدد العراقيين الذين قتلوا منذ بداية الشهر الحالي إلى 700 شخص في أعمال العنف اليومية، التي تشهدها البلاد، قضى عدد كبير منهم في هجمات استهدفت مجالس عزاء سنية وشيعية.

ويواجه العراق حاليًا، وبعد حرب المساجد والحسينيات التي بدأت قبلأشهر لتفتح واحدة من أخطر الجبهات في ساحة العنف في البلاد، يواجه على نطاق واسع مواجهة من نوع آخر هي حرب quot;مجالس العزاءquot;. فخلال الشهرين الأخيرين تم استهداف الكثير من مجالس العزاء، سواء تلك التي تقام في المناطق والمحافظات ذات الغالبية الشيعية أو ذات الغالبية السنية، حيث شهد الأسبوع الماضي استهداف ثلاثة مجالس عزاء في بغداد، هي: مجلس عزاء كبير في مدينة الصدر ذات الكثافة السكانية الكبيرة والغالبية الشيعية، راح ضحيته أكثر من 90 قتيلًا وخلف 300 جريح، أعقبه بيومين تفجير انتحاري في مجلس عزاء في مدينة الدورة جنوب بغداد ذات الغالبية السنية، ثم تلاه الاثنين الماضي تفجير انتحاري هو الآخر في مجلس عزاء في حي الأعظمية السني في شمال غرب بغداد.

الرئيس الجديد لبعثة الأمم المتحدة في العراق يباشر أعماله
هذا وباشر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، والذي عيّن أخيرًا، نيكولاي ملادينوف مهامه في مقر البعثة في بغداد بصفته رئيسًا لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق quot;يوناميquot; ومبعوث الأمم المتحدة في البلاد.

وقد تم تعيين ملادينوف البلغاري الجنسية من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ممثلًا خاصًا له في العراق في الثاني من الشهر الماضي خلفًا لسلفه مارتن كوبلر، الذي واجه عاصفة من الاتهامات من قبل بعض القوى السياسية والقومية بالانحياز إلى الحكومة، الأمر الذي دفع كي مون إلى نقله إلى الكونغو.

وقال ملادينوف في بيان الخميس لدى تسلمه مسؤولياته: quot;إنني أتطلع قدمًا إلى العمل مع حكومة العراق وشعبه لدعم التنمية السلمية والديمقراطية والاستقرار في البلادquot;. وأضاف: quot;تقف بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق ووكالات الأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها على أهبة الإستعداد للعمل مع جميع الأطراف في العراق دعمًا لجهود المصالحة، ومن أجل بناء دولة تشمل الجميع، وتحترم سيادة القانون وحقوق الإنسان والأقليات، وتوفر الفرص لجميع أبنائها. لقد مرّ الشعب العراقي لأكثر من عقدين في مصاعب جمة، ومع ذلك تمكن من تحقيق الكثير من الإنجازات، التي هي مدعاة لفخره. وسأواصل والفريق العامل معي العمل من دون كلل مع السلطات العراقية ومنظمات المجتمع المدني، لكي نضمن أن يتمكن العراق وهو يمضي قدمًا من الاعتماد على المشورة المحايدة والصادقة، التي تقدمها إليه الأمم المتحدة، فضلًا عمّا لديها من خبرات ومعرفةquot;.

من جانبه أكد رئيس الوزراء نوري المالكي الحاجة إلى استمرار التعاون بين العراق والأمم المتحدة في مختلف المجالات التي يتسع لها القرار الدولي لبعثة الأمم المتحدة في العراق.

وخلال اجتماعه مع ملادينوف أكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على ضرورة استكمال الملفات التي لم تكتمل على عهد الممثل السابق مارتن كوبلر، مثنيًا على جهوده وما قام به من أعمال أثناء توليه لمهمته في العراق. وقال quot;إن العراق جزء من المنطقة ويتأثر بما يحدث فيها، خصوصًا بالنسبة إلى الأزمة السوريةquot;، مبينًا quot;أن جهودنا لا تزال تبذل لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية وتجنيب سوريا والمنطقة المزيد من الكوارث في حال استمرار الأزمة وذهابها في اتجاهات التطرفquot;، كما نقل عنه مكتبه الإعلامي.

وأكد ملادينوف أن مهمته تقتضي تقديم الدعم والمساندة للعراق في بناء مؤسساته ومواجهة التحديات الأمنية وتطوير الكوادر العراقية، مشيرًا إلى أن الحل في سوريا يجب أن يكون سياسيًا، وأنه لا يوجد حل عسكري، ودعا إلى تضافر الجهود من أجل الوصول إلى هذا الحل.

عمل ملادينوف قبل تعيينه في العراق وزيرًا للشؤون الخارجية في بلغاريا من عام 2010 إلى 2013. وقاد الجهود الدبلوماسية التي انخرطت فيها بلاده مع عدد كبير من الشركاء، بما فيهم شركاء في منطقة الشرق الأوسط . كما عمل وزيرًا للدفاع في بلغاريا، إضافة إلى عضويته في البرلمان الأوروبي، بما في ذلك لجنة الشؤون الخارجية التابعة للبرلمان واللجنة المعنية بالعلاقات مع العراق. كما تقلد ملادينوف مناصب عدة في القطاعات الحكومية وغير الحكومية، بما في ذلك البنك الدولي والمعهد الديمقراطي القومي والمعهد الجمهوري الدولي.

وكان كوبلر قد تسلم مهام منصبه في العراق في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) عام 2011 خلفًا للهولندي آد ملكيرت، الذي عمل في العراق من تموز(يوليو) عام 2009 إلى آب (أغسطس) عام 2011.

وخلال الفترة الأخيرة، طالبت كتل سياسية عراقية عدة بتغيير كوبلر، متهمة إياه بالتحيّز غير المقبول لمصلحة أطراف سياسية على حساب حقوق وحريات العراقيين، وانتقدت تصريحات له يمتدح فيها التقدم في حقوق الإنسان في العراق، معتبرة ذلك دعمًا لحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي.

وقبل بدء مهمته في العراق، عمل كوبلر نائبًا للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية في أفغانستان منذ عام 2010، وسفيرًا لألمانيا في العراق، وكان قد أمضى نحو 25 عامًا في العمل لدى وزارة خارجية بلاده ألمانيا، وأيضًا عمل في السابق مديرًا عامًا للثقافة والاتصالات في وزارة الخارجية الألمانية، كما شغل منصب السفير الألماني في مصر.

وشغل كوبلر كذلك منصب رئيس ديوان وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر بين العامين 2000 و2003، ونائب رئيس الديوان من عام 1998 إلى عام 2000. كما كان نائبًا لرئيس فريق عمل البلقان التابع لوزارة الخارجية من عام 1997 إلى عام 1998، وقبل ذلك قام بتأسيس الممثلية الألمانية لدى السلطة الفلسطينية في أريحا.