يعيش طاقم الغواصات الحربية في إسرائيل ظروفًا غير تقليدية، فيُحظر حلق لحيّة الرجال إلا الطاهي، ولا يستحم أفراد الطاقم إلا بإذن من القائد ولمدة 3 دقائق. التدخين مسموح في غرفة خاصة، ولا تزيد ساعات النوم عن 4 ساعات، كما يرتدي الجميع ملابس مدنيّة لتوفير مياه الغسيل.

القاهرة: يستقبل سلاح البحرية الإسرائيلي خلال الأشهر القليلة المقبلة غوّاصة ألمانية جديدة متطورة. وحتى العام 2017، ستنضم للخدمة في السلاح عينه غواصتان إضافيتان، ليبلغ عدد الغواصات الحربية الإسرائيلية ست غواصات.
بارتفاع بُرجين
في الوقت الذي تتوافر فيه معلومات عن التدريبات العسكرية التي تُجرى في معظم أسلحة الجيش الإسرائيلي، تخيّم حالة من الغموض على سلاح الغواصات المرابط في ميناء حيفا الحربي، لتظل حياة الجنود والقادة داخل تلك الغواصات بعيدة عن الأضواء وعيون الكاميرات، بحسب وصف صحيفة يديعوت احرونوت العبرية، بينما ينتظر قائد سلاح البحرية الإسرائيلي الجنرال رام روتنبرغ لأشهر طويلة عودة الغواصات بطواقمها من عمليات عسكرية هجومية أو استخبارية.
وفي جولة غير تقليدية، رافق الصحافي الإسرائيلي يوآف زيتون، من صحيفة يديعوت احرونوت، إحدى هذه الغواصات خلال تدريبات عسكرية على عمق يربو عن ارتفاع برجين شاهقين تحت سطح الماء. وخلال المهمة الصحافية، تمكن زيتون من الإجابة عن عدد ليس بالقليل من الأسئلة، حول كيف يدخن الجنود والقادة التبغ داخل الغوّاصة؟ وماذا يفعلون إذا احتاج احدهم للرعاية الطبية في ظروف صحية طارئة، لا سيما أن عودة الغواصة للبر من دون انجاز مهمتها تكلف الجيش الإسرائيلي مبالغ طائلة؟
بحسب يديعوت احرونوت، لم يكن العديد من القادة في الجيش الإسرائيلي على قناعة بأن منظومتهم العسكرية بحاجة إلى الغواصات، فالأدوات العسكرية التي حسمت الحربين العالميتين الأولى والثانية خلال القرن الفائت، وهي الأدوات عينها التي استوعبتها إسرائيل في العام 1956، لم تحرض أي من دوائر اتخاذ القرار في الدولة العبرية على اعتماد الغوّاصة في القتال. وحتى الآن، يرى العسكريون في تل أبيب انه بوجود طائرات من دون طيار يمكنها الوصول إلى إيران والسودان، لا ينبغي التعويل على الغوّاصات، لا سيما أن سعر الواحدة منها يربو على نصف مليار دولار، فيمكن توفير أموال الغواصات الإسرائيلية لشراء الدبابات أو الطائرات الحربية المتطورة.
حرب مرتقبة
انطلاقًا من هذا الانطباع، لا يزال الجدل دائرًا داخل الأوساط العسكرية الإسرائيلية، وربما يصل أحيانًا لدرجة الخلاف. يرى الضابط جال، احد الضباط المُعلمين في إحدى الغواصات: quot;لا ينبغي الاستخفاف بهدوء الغواصات، فتلك الآلية العسكرية ستعتمد عليها إسرائيل في حربها المرتقبة التي نجري من أجلها المناورات والتدريبات، وسر الانتصار في تلك الحرب يعتمد في المقام الأول على السرية التي تكتنف مهام الغواصات الإسرائيليةquot;.
أما في ما يتعلق بأكثر مراحل تدريبات الغواصات حساسية، فهي بحسب يديعوت احرونوت عملية الغوص في عمق البحر بعد الإبحار من الميناء، يرافقها عدد ليس بالقليل من الأوامر والايعازات العسكرية المرتبة، يرددها كل جندي وضابط من طاقم الغواصة بصوت مرتفع، وفقًا للدور والمهام المنوطة بكل منهم، فأي خطأ في تلاوة كل شخص لمهمته تُجبره على إعادة تلاوة مهمته مجددًا أمام القائد. وبعد أن تمتلئ المخازن العملاقة فوق سطح الغواصة خلال دقائق معدودة بأطنان من المياه، تهوي الغواصة كجسم هائل وبسرعة فائقة مئات الأمتار في عمق المياه. عندئذ، تبدأ ساعة الصفر للقيام بهدف المهمة التدريبية، وهي تعقُب وتدمير سفينتين متطورتين للعدو.
الصمت المطبق
في حين يسود داخل الغواصة ظلام نسبي، يقوم أحد جنودها كل دقيقتين تقريبًا بفحص لوائح الأسلاك المتشعبة في سقف الغواصة مستخدمًا مصباحًا كهربائيًا في يده، بالإضافة إلى فحص الساعات والصمامات للتأكد من عدم تسرب مياه إلى داخل الغواصة. وإلى جانب أجهزة الرادار، فإن عيون الغواصة تعتبر آذانًا لمشغليها، إذ بمقدورها فك شفرة أية موجة صوتية في المياه وفقًا لبُعدها أو مداها أو نوعها.
وبحسب الصحيفة العبرية، فإن إمكانيات عيون الغواصة بالغة التعقيد، لا تختلف عن إمكانيات أي شخص حينما يستمع لصوت محرك أية وسيلة مواصلات، إذ يمكنه حينئذ تحديد هويتها ونوعها، إن كانت جرّارًا أو درّاجة بخارية أو حتى قطار.
حينما يرصد الهدف وتحدد هويته، تتوقف الغواصة عن الحركة تمامًا، بينما يتبادل طاقمها الأوامر العسكرية والتقارير الضرورية فقط، لدرجة أن مكيّف الهواء داخل الغواصة يتوقف عن العمل، ويبدأ قائد الغواصة في التعامل مع الهدف، وتحديد القذيفة التي تناسب عملية تدميره من خلال ضابط مكلف بأسلحة الغواصة. وحينئذ، تكون صواريخ التوربيد القاتلة والهادئة على استعداد لتصيب الهدف خلال عملية التدريب في الوقت المحدد لها.
لا نعود
يشير تقرير الصحيفة العبرية إلى أن الجزء المشار إليه آنفًا من التدريبات، أو خلال العملية العسكرية داخل الغواصة، هو جزء ضئيل من نشاط جنود وضباط الغواصة. فالطريق للمهمة طويلة وموجعة ومفعمة بالمفاجآت ومليئة بالمُعضلات. فبحسب النقيب بن، نائب قائد الغواصة: quot;نحن نعتمد على أنفسنا دائمًا، ففي معظم الأوقات ينقطع اتصالنا بالقيادة على البر، ويفرض علينا ذلك اتخاذ القرارات أحادية الجانب، فأحيانًا ونحن في مهمة طويلة، تُبتر أصابع احد ضبّاط الغواصة جرّاء غلق احد الأبواب عليها، أو يمرض جندي، حتى إذا توفى والد احد الجنود وتلقينا خبرًا بذلك، فإننا نقنعه بأن فكرة العودة إلى البر لحضور الجنازة ستكون مكلفة كثيرًا، فضلًا عن توقف عملية التدريب، فنضطر جميعًا في ظل هذه الظروف لأداء المهمةquot;.
يضيف النقيب الإسرائيلي: quot;حصل العديد من الحوادث مثل اكتشاف عُطل فني كبير في الغواصة، إلا أن ذلك لم يمنع القائد من المضي في مهمته وتنفيذها على أكمل وجه، وفي المهام الطويلة نصطحب معنا طبيبًا جراحًا، ونخصص له غرفة عمليات جراحية صغيرة في الغواصة، كما أن الطبيب هو الوحيد الممنوح صلاحيات إخلاء أي جندي مصاب من عدمه. مرة واحدة التي عدنا فيها إلى الشاطئ دون استكمال التدريبات، وجرت حينما أصيب احد طواقم الغوّاصة بالزائدة الدوديةquot;.
الطاهي يحلق
لا تغادر الغواصة الميناء قبل أن يخضع طاقمها لفحوصات طبية على كامل أعضاء الجسم بما في ذلك الأسنان، للحيلولة دون وقوع أية مشاكل صحية خلال قيام الغواصة بمهمتها.
وتوفير الطاقة وتلاشي السقوط في الأخطاء يجسد كل حركة داخل الغواصة. على سبيل المثال، الطاهي وحده صاحب الحق في حلاقة لحيته كل يوم لدواع صحيّة، أما عملية طهي الطعام فتُجرى على أفران كهربائية للحيلولة دون تسرب غاز ثاني أكسيد الكربون داخل الغواصة محكمة الغلق. وفي ما يتعلق باستحمام أفراد طاقم الغواصة، فلا تتم إلا بأوامر من قائد الغواصة، ولا تستغرق العملية أكثر من ثلاثة دقائق.
ويقول نائب قائد الغواصة النقيب بن: quot;نرتدي داخل الغواصة ملابس مدنية، بنطال قصير وقميص خفيف وحذاء صيفي، لكي لا نحتاج للاستحمام أكثر من مرة، وكي لا نضطر لغسل ملابسنا، كما يساعدنا هذا المظهر على خفة الحركة وسرعة تنفيذ الأوامر، أما خلال التدريبات فنرتدي الملابس العسكرية بغرض توفير المياه التي تستخدم في الغسيل.
غير مسموح
جدول الأعمال داخل الغواصة خلال عملية التدريب ليس بسيطًا للطاقم، فلا يستطيعون الخلود للنوم إلا لفترة تتراوح ما بين ثلاثة إلى أربع ساعات خلال الأربع والعشرين ساعة.
أما في وقت المهام العسكرية الحقيقية، فغير مسموح بالنوم قبل مرور 48 ساعة. كما يُسمح للجنود خلال المهام الطويلة بإجراء محادثات حميمة طويلة مع أصدقائهم وذويهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن من دون إزعاج أو استخدام للصوت.
وفي ما يتعلق بالمدخنين، فلهم غرفة صغيرة مغلقة يدخنون فيها السجائر، لكن بعد الحصول على تصريح من قائد الغواصة في الأوقات العصيبة. بالإضافة إلى ذلك، توجد داخل الغواصة شاشة بلازما لمشاهدة الأفلام.