تشعبت الحرب الأهلية السورية، مع خروج الجماعات الإسلامية المسلحة عن طوع الائتلاف، ونشوء مثلث صراع دامٍ، أضلاعه الأكراد والجيش الحر والكتائب الجهادية، التي يهدد تقاتلها مصير الثورة.


اندلعت الثورة في سوريا ضد نظام الرئيس بشار الأسد، لكنها تحوّلت بعد عامين ونصف عام إلى حرب أهلية متشعبة، حوّلت البلاد ساحة لجبهات عدة متشابكة، تجعل الموت مصيرًا لا مفرّ منه، في كل الاتجاهات.

على عتبة الناتو
يوم الأربعاء الماضي دُقّ ناقوس الخطر في أنقرة وبروكسل وواشنطن، بعدما سيطر جهاديون إسلاميون من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على بلدة أعزاز القريبة من الحدود التركية، فتنظيم القاعدة صار على عتبة حلف الناتو. لكن ذلك لم يكن نقطة الاشتعال الأولى على طول الحدود بين تركيا وسوريا. فقد فرض الجهاديون حصارًا على معبر رأس العين الحدودي الرئيس، دام أشهرًا عدة.

ووفقًا للسكان ولمصادر في المعارضة، حاول مقاتلو جبهة النصرة والدولة الإسلامية والجماعات المتطرفة الأخرى، التي تسيطر على المناطق الواقعة إلى الغرب والجنوب من رأس العين، حاولوا تشديد قبضتهم على البلدة، فاشتبكوا مع المجموعات الكردية المعروفة باسم وحدات الدفاع الشعبية. وبعد أيام قاسية، تراجع الأكراد مخلّفين وراءهم 39 قتيلًا على الأقل.

وكيل الأسد
بنظر الجهاديين، رأس العين جائزة استراتيجية كبرى. ويقول صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، إن جبهة النصرة تسعى إلى إقامة إمارة إسلامية في أجزاء من سوريا، quot;لكن للقيام بذلك فهي بحاجة إلى طريق وصلٍ مع تركيا لجلب الناس والإمدادات من الخارج إلى سوريا، وبالتالي رأس العين هي أفضل الطرقquot;.

ظلّ الأكراد على هامش الحرب الأهلية في سوريا، لكن وحدات الدفاع الشعبية، المجموعة الكردية الأقوى على الأرض، اشتبكت مرارًا مع الجيش السوري الحر ومع الجهاديين من أجل السيطرة على بلدات حدودية وعلى أجزاء من حلب. وأوضحت هذه المجموعة أنها تفضّل تعزيز مكاسبها الأخيرة في المناطق ذات الغالبية الكردية، بدلًا من مواجهة الجيش السوري النظامي، فأطلق عليها الثوار والحكومة التركية لقب quot;وكيل الأسدquot; في المنطقة.

وتحاول الجماعات المتطرفة انتزاع السيطرة من بلدة رأس العين منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. ويقول عبد الحليم سليمان عبد الحليم، وهو صحافي محلي، إن القتال جعل رأس العين تجثو على ركبتيها، quot;فلطالما كانت هذه البلدة فقيرة، لكن الوضع صار أسوأ منذ بدء الاشتباكات في العام الماضي، فكل شيء صار أغلى أربع أو خمس مرات، وهذه البلدة كانت موطنًا لنحو 60 ألف كردي وعربي ومسيحي قبل الحرب. أما اليوم فليس هناك أكثر من 10 آلاف شخصquot;.

تركيا مسؤولة
تضررت تركيا أيضًا من هذه المعارك الجانبية. ففي بلدة سيلان بينار التركية، قتل أربعة مدنيين على الأقل، وأصيب العشرات برصاص طائش منذ تموز (يوليو) الماضي. وقالت صحيفة تايم الأميركية إن تركيا، التي تشدد دعوتها إلى تغيير النظام في سوريا، تتحمّل جزئيًا مسؤولية إراقة الدماء داخل صفوف المعارضة.

ونقلت تايم عن أحد السكان قوله إن مقاتلي جبهة النصرة يتنقلون عبر الحدود من دون عراقيل، ويحملون أوراقًا ثبوتية تركية بشهادة تسجيلات مصوّرة بثت على مواقع التواصل الاجتماعي. ويقول صالح مسلم إن تركيا أعطت جبهة النصرة الضوء الأخضر لمهاجمة المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الكردية في شمال شرق سوريا، quot;لاحتواء صعود الحكم الذاتي الكردي في المنطقةquot;.

وفي ظل وجود المئات من الجماعات المقاتلة مع أجندات متعارضة وولاءات مختلفة، تفرّعت المعارك، ما جعل من الصعب معرفة عدد الجبهات في البلاد. وفي الأسبوع الماضي، هاجم مقاتلون إسلاميون فصائل متمرّدة أكثر اعتدالًا، في قتال يؤكد الائتلاف الوطني المعارض إنه لا يصبّ في مصلحة أحد، سوى بشار الأسد ونظامه.