يسلط الكاتب الأميركي الإيراني الأصل رضا أصلان الضوء على خمس أساطير، كي لا يقول مغالطات، تراود المعروف من سيرة المسيح، فيصححها بمنطقه التاريخي، بما يمكن أن يعيد النظر في الكثير من أركان العقيدة المسيحية.


بيروت: ما تزال شخصية المسيح الناصري من أكثر الشخصيات المثيرة للجدال، حتى بعد ألفيتين ميلاديتين من ظهوره وموته مصلوبًا، بحسب الروايات الدينية.

رضا أصلان، الكاتب الأميركي من أصل إيراني في صحيفة واشنطن بوست، يغوص أكثر في هذا الجدال، من خمس زوايا، يسميها خمس أساطير تواكب الناصري، ما تزال عالقة في الذهن البشري المسيحي حتى يومنا هذا، وذلك في مقالة له بالصحيفة نشرت اليوم الجمعة، تحت عنوان quot;خمس أساطير عن حياة الناصريquot;. وهو، أي أصلان، يحاول الخروج من الأناجيل، وليس عليها، لأنها كما يقول روايات غير واقعية عن هذا الرجل، بل هي مجموعة نقاشات تتناول المعاني التي تحملها ديانته، quot;فلا ذكر له أبدًا إلا في هذه الروايات التي حملها تلاميذهquot;.

ناصري المولد

الأسطورة الأولى التي يتناولها أصلان هي: quot;الناصري ولد في بيت لحمquot;، أي حيث كنيسة المهد اليوم. يقول في مقالته: quot;ارتفاع منسوب الاهتمام بشخص الناصري دفع المجتمع المسيحي الوليد إلى ملء الثغرات في الروايات المتواترة عنه، لمواءمة حياته ورسالته السماوية مع النبوءات عن المسيح في العهد القديم، على الرغم من تضاربها في كثير من الأحيانquot;.

ففي واحدة من هذه النبوءات، ينبغي أن يرجع المسيح في نسله إلى الملك داوود، أي أن يكون مولودًا في مدينة داوود، أي في بيت لحم. لكنه يُنادى بالناصري، نسبة إلى الناصرة، المدينة التي يعتقد معظم العلماء أنه ولد بين ظهرانيها. وقد احتاج المسيحيون الأوائل إلى ابتكار نسبه إلى داوود، فكان المهد في بيت لحم هو الحل.

وعلى الرغم من أن لوقا يقول في إنجيله إن الرومان دعوا الجميع إلى العودة لقراهم لتعدادهم في السنة الميلادية السادسة، وإن يوسف ومريم غادرا الناصرة إلى بيت لحم، مسقط رأسهما، ليولد فيها المسيح محققًا النبوءة، إلا أن اصلان يذكّر بأن التعداد الروماني اقتصر حينها على ما يعرف بيهودا والسامرة وأدوم، وليس الجليل حيث عاشت عائلة الناصري.

له أخوة وأخوات

الثانية: quot;كان الناصري ولدًا وحيدًاquot;. وهذا ما يرفضه أصلان، قائلًا إن الوقائع التاريخية تتجاوز مسألة الحبل بلا دنس، وتؤكد أن للناصري أربعة إخوة وردت أسماؤهم في الأناجيل، وهم جيمس ويوسف وسمعان ويهوذا، وعدد غير معروف من الأخوات، وهذا ما يرد في العديد من رسائل بولس، وما كتب عنه المؤرخ اليهودي يوسيفوس في القرن الأول الميلادي مشيرًا إلى جيمس شقيق يسوع، الذي ترأس أول كنيسة مسيحية بعد موت المسيح.

وإذ يقول بعض اللاهوتيين إن كلمة adelphos اليونانية المستخدمة في الأناجيل تعني أقارب أو أخوة غير أشقاء، رامين إلى أولادٍ ليوسف النجار من زواح سابق، يرد أصلان بالقول إن هذه الكلمة لم ترد في العهد الجديد إلا بمعنى الأخ، فللناصري إخوة إذن.

أما الأسطورة الثالثة فهي: quot;كان للناصري 12 تلميذًاquot;. وبحسب أصلان، تنبع هذه الأسطورة من سوء فهم لفئات ثلاث توزع فيها تلاميذ الناصري، quot;الأولى مؤلفة ممن جاؤوا لسماعه أو ليبرأوا من مرض ما، وتسميها الأناجيل باسم الحشود، والثانية ممن تبعوا الناصري من بلدة إلى أخرى، وهم 70 أو 72 شخصًا سموا بالتلاميذ، والثالثة هي فئة الرسل، وعددهم 12 لم يكونوا مجرد اتباع له، بل تفرقوا في الأرض للتبشير برسالته، فكانوا العمود الفقري للتمدد المسيحي كما نعرفه اليومquot;.

لا حوكم ولا دفن

الأسطورة الرابعة كما يقول أصلان في واشنطن بوست هي: quot;حوكم الناصري أمام بيلاطس البنطيquot;. فالروايات تصور البنطي ذلك الحاكم الرؤوف الذي، مجبر أخوك لا بطل، انصاع لليهود وأمر بصلب الناصري. لكن الوقائع التاريخية تجمع على أنه كان جزارًا، يقتل الناس في الشوارع بلا رأفة، ويرسل الرجال إلى الصلب بلا شفقة، quot;ومن المستبعد تمامًا أن يكون قد أقام محاكمة للناصري كما تصورها الأفلام الحديثةquot;، بحسب أصلان. يضيف: quot;لو حصلت هذه المحاكمة فكانت ستكون موجزة وسطحية، الغرض الوحيد منها تسجيل التهم التي أدين بها من حكم بالاعدام، ليس إلاquot;.

أما الاسطورة الخامسة والأخيرة، فمفادها أن quot;الناصري دفن في قبرquot;. يشكك أصلان في هذه الرواية أي تشكيك. ففي تحليل المحللين للوقائع التاريخية، ثمة إجماع على أن الرومان كانوا يصلبون الناس لهدفين، الأول إذلال المصلوب، والثاني ترويع أنصاره، خصوصًا أن الصلب كان عادتهم في من يعادي سياستهم.

وبعد الصلب، ما كان المصلوب ليدفن أبدًا، بل يترك ايامًا على الصليب، ثم يرمى أرضًا لتنهش لحمه الكلاب والطيور الجارحة، فإذا استحال عظامًا يرمى في القمامة، quot;ومن هنا، كان يطلق على الجلجلة، أي مكان صلب الناصري، اسم محلة الجماجمquot;، وفقًا لأصلان.

يضيف: quot;أما إذا صح أن الناصري أنزل عن الخشبة، ووري الثرى في قبر محفور في الصخر، فذلك قد يكون دليلًا على أنه كان من أغنياء اليهود ليس أكثر، مع أنني أشكك في الرواية جملةً وتفصيلًاquot;.