هدفت السعودية من خلال دعم الجيش اللبناني إلى دعم كل لبنان الطامح للسيادة والاستقرار وتمكين الجيش من الدفاع عن البلاد في وجه الأخطار الخارجية، وليس دعم جهة دون غيرها.

كانت مبادرة الدعم السعودية للجيش اللبناني بقيمة ثلاثة مليارات، وهي الأكبر في تاريخه، الحدث الأبرز غداة العام الجديد 2014 .
مثل هذه المبادرة التي تلقاها المجتمع اللبناني بغالبية شرائحه ومكوناته بكثير من الترحيب والأمل، كونها تعيد الاعتبار للجيش الذي من المفترض انه يمثل مختلف فئات هذا المجتمع على اختلاف مذاهبه وطوائفه وكان دائما quot;العامل الموحدquot; لهم رغم التناقضات السياسية الدائمة.
مراقبون قالوا أمام (إيلاف) إن الرياض بمبادرتها لدعم الجيش، إنما تقدم دعماً للبنان الواحد وليس لفئة دون أخرى، خصوصاً وأن الدعوات ظلت ترتفع بصوت عال لسنين طوال خلصت بضرورة دعم المؤسسة العسكرية ليكون لها اليد الطولى في توفير أسباب الأمن للجميع وليس لفئة دون أخرى.
ويشار إلى أن الجيش اللبناني ظل مشلولاً لعقود ولم يكن بوسعه فعل الكثير لمواجهة حزب الله، الذي يوجد لديه تسليح كبير كما أن له نفوذا في الجيش.

رد على تقوّلات
كما أن مثل هذه الخطوة تأتي رداً صريحاً على quot;التقولاتquot; والمزاعم التي تصدرها أطراف لبنانية بين حين وآخر وكلّما اشتدّ سعير التنافس الطائفي بأن المملكة تدعم فئة طائفية ضد أخرى وquot;تأجيج الفتنةquot;.
فدعم الجيش اللبناني وهو مطلب شعبي عام باعتباره ممثلاً للجميع في لبنان لا لفئة دون أخرى هو دعم لكل لبنان الطامح للسيادة والاستقرار وتمكينه من الدفاع عن البلاد في وجه الأخطار الخارجية لا أن تظل مثل هذه المهمة الصعبة كـ(حصان طراودة) ظل يستخدمها طرف رئيس كحزب الله على اعتبار أنه quot;الوحيد القادرquot; على مهمات الحماية أمام شلل المؤسسة العسكرية.
على أنه وبالتأكيد، فإن المملكة حين تقوم بمثل هذه الخطوة وهي الأهم عملياً منذ سنين على الساحة اللبنانية فإنها تقدم لجميع مكونات الشعب اللبناني وفئاته مسوِّغاً للالتفاف حول مؤسستهم العسكرية الجامعة، فقوة هذه المؤسسة هي قوة للجميع quot;ولا مجال بعد ذلك لتفرد جهة أو حزب أو منظمة أو تيار ادعاءها لوحده لتنفيذ مشاريعه ومخططاته.
ولذلك كان الرئيس اللبناني ميشال سليمان واضحاً وصريحاً في وضع النقاط على الحروف في تعليقه على المبادرة السعودية لدعم الجيش، حيث تحدث بصورة غير مباشرة quot;عن أمر يعد نقاشه من الممنوعات في لبنان، وهو سلطة حزب الله الواسعة في لبنان والتي لا رادع لهاquot;.
كلام محلل بريطاني
وعلى هذا الصعيد، لا يخفي محلل سياسي بريطاني في تعليق أمام (إيلاف) رأيه بالقول: واضح أن الأمر طفا الى السطح بسب الصراع في سوريا المجاورة التي يقاتل فيها حزب الله لدعم الرئيس السوري بشار الاسد.
ويتابع قائلاً: لهذا فإن منح السعودية في شكل علني وصريح مساعدات للجيش اللبناني ما هي إلا محاولة واضحة لمواجهة نفوذ ايران في لبنان، والذي تمارسه عبر سلطة وقوة حزب الله (الشيعي).
وينبه المحلل البريطاني إلى الحرب في سوريا وامتداد تأثيرها في لبنان ما هي إلا جزء من حرب بالوكالة بين الرياض وطهران، التي تشعر الرياض فيها أن الولايات المتحدة خذلتها بدعمها الضعيف للمعارضة المسلحة السورية.
ومن جهته، قال مراقب خليجي أمام (إيلاف): صحيح أن السعوديين عازمون على توسيع نفوذهم في المنطقة وهذا من حقهم، وهو حق مشروع سواء بسواء quot;إذا كان يهدف لمواجهة مشروع التوسع الإيراني في الإقليمquot; وهو مشروع قديم جديد لا تتوانى طهران عن الإعلان عنه والعمل على تنفيذه بتأجيج الصراعات الطائفية في المناطق الحساسة الاستراتيجية عبر quot;منتجاتها الطائفيةquot; حول المملكة العربية السعودية ابتداء من البحرين فالعراق وسوريا وصولا إلى لبنان.
ويضيف المراقب الخليجي: نعم، وأكيد أن المملكة كانت تدعم الجانب الاخر، وهو المعارضة المسلحة ذات الاغلبية السنية في سوريا. وهي تدعم أيضا قوى 14 آذار الموالية للغرب في لبنان quot;لكن دعمها الكبير للجيش اللبناني يأتي بمثابة دعم للجميعquot;.
مع السّنة جميعاً
واضح، كما تسربت معلومات لـquot;خزنة إيلافquot; أن الرياض عازمة على التعاطي مع السنّة في لبنان جميعاً على قدم المساواة ولا مفاضلة في التعامل بعد دعم الجيش بين هذا التيار أو ذاك، وهذا الأمر يشمل بالتأكيد وهي رسالة له كذلك quot;تيار المستقبل بزعامة سعد الحريريquot; الذي ظل الأقرب على الدوام من المملكة التي quot;ظلت تُتهم دائماً بأنها حاضنته الشرعيةquot;.
ما توفر من معلومات رشحت من مصادر قريبة من القرار السعودي تشير أيضاً إلى أن هناك اتصالات قائمة ومتواصلة عبر قنوات كثيرة مع أطراف شيعية نافذة في لبنان وquot;غير لبنانquot; مع الرياض التي تهدف من وراء ذلك الى تحييد لا بل quot;تقزيمquot; دور حزب الله وحمله على تعديل مساراته الاستراتيجية والشروع في تفكيك ارتباطاته مع الحليف الإيراني ليركز جهوده مع مختلف المكونات الأخرى على بناء لبنان السيّد الحر المستقل في قراره أولاً .
الشقيق المدلل
ويشار إلى أن علاقات لبنان الموصوف بأنه quot;الشقيق المدللquot; عند السعوديين، مع القادة السعوديين تاريخية منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، مروراً بالملوك الراحلين فيصل، وخالد، وفهد إلى أن آل القرار للملك عبد الله المعروف بمواقفه القومية والنأي بالإقليم عن quot;الطائفيةquot;، وكانت المملكة حاضرة في المراحل الصعبة والتاريخية لإنقاذ لبنان وإنهاء الانقسامات اللبنانية واللبنانية ـ الفلسطينيةquot;.
وهنا يستذكر سياسي لبناني معروف، واحدا من المواقف السعودية حول لبنان بالقول: quot;لقد كانت أهم المبادرات السعودية في التاريخ الحديث ما حصل العام 1976، حين انعقد مؤتمر القمة العربية السداسية في الرياض، برعاية المملكة وحضور رؤساء مصر، سوريا، لبنان، الكويت والملك خالد، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، حيث تم الاتفاق على وقف نزف الدم في لبنان، وقيام الحوار للحفاظ على أمن لبنان وسلامته واستقلاله والحفاظ على المقاومة الفلسطينية. كما كان من هذه المبادرات المهمة، انعقاد مؤتمر الطائف لحل المشكلة اللبنانية والوصول الى إنجاز وثيقة الوفاق الوطني واتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب لمصلحة لبنانquot;.
موقف السفير عسيري
وهنا لا بد من التذكير بما كان صرح به سفير خادم الحرمين الشريفين لدى لبنان علي عواض العسيري مسجلا بذلك موقفاً في هذا الاتجاه حيث يقول: quot;إن الدور السعودي في لبنان يأتي في سياقه الطبيعي وينبع من علاقات الأخوّة القائمة بين البلدين والشعبين الشقيقين ومن حرص المملكة على أمن لبنان واستقراره ورخاء شعبه بكل فئاته وطوائفهquot;.
والسفير العسيري يضيف: quot;لا أحد يستطيع أن يزايد على المملكة في هذا الأمر وأن يشوّه حقيقة دورها أو يسيء الى علاقتها بلبنان لمصلحة أي طرف خارجيquot; معرباً عن الأسف quot;للتعبئة التي انساق اليها بعضهم في لبنان في محاولة لجعلها بديلاً من الواقع الذي عجزوا عن التعايش فيه مع بلدهم وشعبهمquot;.
والسفير يرى أن quot;حملات التجني هذه تحاول صرف الأنظار عن الارتباك الذي ساد مواقف أصحابها والانقسام الذي نشأ في صفوفهم، خصوصاً أننا نعرف أن بعضهم شارك في الحملة تزلفاً لحلفائهquot;.
وينصح العسيري الجميع بـ quot;أن يتجنبوا الحرج الذي وضعوا أنفسهم لدى التعرض لدور المملكة في لبنان... إذ لا حاجة لاستعراض مسيرة المملكة المتمسكة بضوابط دينها الحنيف ومقتضيات الشرعية الدوليةquot;.
ويختم السفير عسيري متمنياً أن يتذكر quot;المبتدئون في مجال إدانة الإرهاب ان المملكة عانت الإرهاب في مرحلة من المراحل وتعي خطورته، وهي في طليعة الدول التي تسعى الى مكافحته وتعزيز منطق الحكمة والحوار والتعقلquot;.