خرج السوريون في تظاهرات ثورتهم الثانية على تمادي داعش في ظلمهم في المناطق المحررة، فكان تماديًا دفع التنظيم ثمنه غاليًا، عندما تقهقر سريعًا أمام هجوم منسق من كتائب المعارضة السورية.


قبل اسبوع لا أكثر، كان مقاتلو الجماعات التي ترتبط بتنظيم القاعدة في سوريا يسيطرون على قوس من الأراضي يغطي شمال البلاد وشرقها، حكموها بأساليب شديدة القسوة. لكن سلسلة من الانكسارات التي مُني بها تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) خلال الأيام الماضية أظهرت أن الجهاديين أضعف مما كانوا يبدون أو يوحون به، لأسباب منها أن اعمال الخطف التي يرتكبونها واعتداءاتهم على مقاتلي المعارضة من الفصائل الوطنية والاسلامية المعتدلة لم تكسبهم أصدقاء أو حلفاء بين السوريين.

تقهقر بعد سيطرة

بحلول 7 كانون الثاني (يناير) الجاري، بدت داعش في وضع يائس، بعد أن طُرد مقاتلوها من عدة بلدات فلجأت إلى التفجيرات الانتحارية في محاولة للاحتفاظ ببعض الجيوب في مدينة الرقة، التي كانت مقر الجماعة. وبلغت استماتة داعش إلى حد تحريض عناصرها على قطع رأس كل من يرتبط بالائتلاف الوطني للمعارضة السورية.

وكان تعاظم سطوة الجماعات الجهادية وفي مقدمتها داعش أثار قلق الغرب، وكلف المعارضة الوطنية السورية ثمنًا باهظًا من المساعدات التي كان من الممكن أن تقلب موازين القوى مع نظام الرئيس بشار الأسد لصالحها بصورة حاسمة.

ويُلاحظ أن هزائم داعش تأتي على نقيض صارخ مع نجاحاتها الجديدة في العراق، حيث اصبحت تشكل تحديًا خطيرًا لحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، بلغ حد السيطرة على رقعة شاسعة من محافظة الأنبار المتاخمة لسوريا، ومحاولتها السيطرة على مدن مهمة في المحافظة. لكن داعش تواجه الآن في العراق ايضًا ضغط القوات الحكومية التي استخدمت الطيران الحربي لطرد مسلحيها.

تخطيط مسبق

قال المحلل السويدي آرون لوند: quot;استَعْدَت داعش الجميع في سوريا، وفي ساعة الضيق لم يهب أحد للدفاع عنهاquot;. وفي سوريا، تشارك في الحملة ضد داعش فصائل متعددة من المعارضة، لها مصالح محلية مختلفة. لكن محللين اشاروا إلى أن الحملة اتسمت بقدر من التخطيط أكبر مما اعترفت به قيادات المعارضة السورية في العلن. ويلفت المحللون إلى أن الحملة المنسقة ضد داعش تأتي قبل اسبوعين على الموعد المقرر لانعقاد مؤتمر جنيف-2، من أجل التوصل إلى حل سياسي للحرب السورية.

ومن بين المشاركين في الحملة ضد داعش في سوريا فصائل تقاتل تحت راية الجيش السوري الحر، واحد التنظيمات الرئيسية في الحملة جيش المجاهدين، وهو ائتلاف أُعلن أخيرًا يضم ثمانية من فصائل الجيش السوري الحر. واصدرت داعش بيانا ناريًا الثلاثاء وصفت فيه خصومها بالمرتدين واتهمتهم بإشعال النزاع. واعلنت تقديم مكافأة لكل من يقطع رأسًا من رؤوسهم وقياداتهم، داعية إلى قتلهم حيثما وجدوا.

تظاهرات ضدها

ظهرت داعش على الساحة السورية في ربيع العام الماضي، وسرعان ما تمددت لتسيطر على بلدات في شمال سوريا وشرقها. وبدأت أعلامها ترتفع على المباني العامة في هذه البلدات، من المحاكم إلى المدارس.

لكن محاولات داعش لكسب قلوب السوريين وعقولهم بفعاليات مثل تنظيم مسابقات في أكل الآيس كريم وشد الحبل لم تجدِ نفعًا في التستر على همجيتها، بما ترتكبه من اعدامات في الساحات العامة وأعمال خطف لم توفر الثوار السوريين أنفسهم.

وتصاعدت مشاعر الاستياء مع محاولات داعش فرض فهمها المتزمت لأحكام الشريعة على المسلمين في المناطق التي تسيطر عليها حيث خرجت تظاهرات شعبية تندد بهذه الممارسات التي أعلن المحتجون انها لا تمت إلى الدين الاسلامي الحنيف بصلة.

كما عزلت داعش نفسها عن فصائل المعارضة الأخرى، وظلت تعمل منفردة متعالية على الآخرين، بعكس جبهة النصرة، الجماعة الجهادية الأخرى التي ترتبط بتنظيم القاعدة، التي نجحت في استمالة فصائل معارضة بسمعة عناصرها كمقاتلين أشداء على أرض المعركة.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن ايمن جواد التميمي، الخبير المختص بالجماعات الجهادية في منتدى الشرق الأوسط في الولايات المتحدة، قوله: quot;ان قبضة داعش على مدن مثل الرقة كانت دائما قبضة مهددة بالتفكك، رغم حملة العلاقات العامة التي نظمتها الجماعة لترسيخ هيمنتهاquot;.

مواطن ضعفها

اضاف التميمي أن الخطأ الذي ارتكبته داعش هو تمددها أبعد من قدراتها، مؤكدًا أن من يشن هجومًا على محاور متعددة في وقت واحد لا يستطيع الدفاع عن نفسه. وذهب التميمي إلى أن حملة الجيش السوري الحر وفصائل المعارضة الوطنية الأخرى على داعش لا تنبئ بنهايتها، لكنها كشفت موطن الضعف الأساسي في استراتيجية داعش.

في هذه الأثناء، امتنعت فصائل معارضة أخرى، بينها جبهة النصرة عن الدخول في مواجهة مباشرة مع داعش. واطلق زعيم جبهة النصرة ابو محمد الجولاني مبادرة دعا فيها إلى انهاء القتال. لكن الجولاني نفسه انتقد داعش على انتهاجها سياسات خاطئة، قال إنها قامت بدور كبير في اشعال النزاع.

ولاحظ المحلل السويدي آرون لوند أن التلاحم الذي ابدته فصائل المعارضة السورية ضد داعش يشير إلى قدر من التنسيق المسبق بينها. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن لوند قوله: quot;إن بعض فصائل المعارضة ضاقت ذرعًا بجماعة داعش في كل الأحوال، والتوتر معها توتر حقيقي، لكن هناك ايضًا عدة دول كانت منذ البداية تعمل على عزل الجهاديينquot;، مشيرا إلى جهود الولايات المتحدة وحلفائها لتهميش المتطرفين في سوريا.