لم يعرف المصريون طوال تاريخهم مع الإستفتاءات سوى كلمة واحدة، وهي quot;نعمquot;، فقد اعتادوا منذ ثورة 23 تموز (يوليو) 1952، على الموافقة على جميع الإستفتاءات، التي طرحت عليهم، ووصلت النسبة المشاركة في بعضها إلى 99.9%. ولم يكن الإعتياد فقط هو سبب الموافقة وكلمة quot;نعمquot;، بل كان ثمة دافع آخر، يتمثل في الأمل في الحصول على الإستقرار والتنمية والتقدم، لذلك لم تعرف كلمة quot;لاquot; طريقاً إلى إستفتاءاتهم أبداً.


القاهرة: يتوجه المصريون إلى صناديق الإقتراع للتصويت على الإستفتاء على الدستور المعدل، وهم لا يعرفون سوى كلمة quot;نعمquot;، التي اعتادوا عليها منذ ثورة 23 يوليو 1952، وكانت البداية بالإستفتاء الذي أجراه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 16 كانون الثاني (يناير) 1956، وتضمن الإستفتاء الشعبي على موضوعين، الأول: إلغاء الملكية، وإلغاء الأحزاب، وإعلان الجمهورية المصرية.

والآخر: اختيار جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية، وجاءت الموافقة في هذا الإستفتاء بنسبة 99.9%. كما أجرى عبد الناصر إستفتاء آخر على مشروع الوحدة بين مصر وسوريا، في العام 1958، وجاءت الموافقة عليه بنسبة 99.5%.

نعم للديكتاتورية

في عهد الرئيس الراحل أنور السادات لم يتخلَّ المصريون عن كلمة quot;نعمquot;، فوافقوا في 11 أيلول (سبتمبر) 1971، على دستور 1971، الذي ظلت مصر تعمل به حتى إندلاع ثورة 25 يناير، والإطاحة بنظام حكم حسني مبارك، وبلغت نسبة الموافقة على هذا الدستور، 98.99%، رغم أنه جعل من الرئيس ديكتاتوراً، ووسع سلطاته وصلاحياته بشكل غير مبسوق. ويعتبر الإستفتاء معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، أشهر الإستفتاءات في تاريخ المصريين، ووافقوا عليه بنسبة 95.99%.

نعم لتعديلات فايدة كامل

وفي العام 1980، أجرى مجلس الشعب المصري تعديلاً على الدستور، بما يسمح بتولي الرئيس منصبه من دون حد أقصى للمدد الرئاسية فجرى تعديل نص المادة 77 من quot;يجوز إعادة انتخاب الرئيس مدة تاليةquot;، إلى quot;يجوز إعادة انتخاب الرئيس لمدد أخرىquot;، وهو التعديل المعروف بين المصريين باسم quot;دستور فايدة كاملquot; نسبة إلى فايدة كامل، المطربة والبرلمانية وزوجة وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل.

وجاءت نتيجة الاستفتاء بالموافقة بنسبة 96.98%. غير أن القدر لم يمهل السادات للإستمتاع بـquot;مدد أخرىquot; رئاسية، وتعرض للإغتيال في العام التالي أثناء إحتفالات نصر أكتوبر من العام 1981، وإستفاد منها خلفه حسني مبارك، الذي استمر في الحكم لنحو ثلاثين عاماً.

نعم لتعديلات التوريث

وتميزت الإستفتاءات على تجديد ولايات الرئيس السابق حسني مبارك، بإنها لم تقل نسبة الموافقة فيها، عن 99%، لكنها أخذت في الإنخفاض مع بداية العام 2005، وفي 25 آيار (مايو) من هذا العام، أجرى مبارك تعديلاً على الدستور بما يسمح بإختيار الرئيس عن طريق الإقتراع السري المباشر، وإلغاء الإستفتاء على الرئيس.

وصوت المصريون بـ quot;نعمquot; بنسبة 86.82%، وفي 2007، أجرى تعديلات على الدستور، قيل إنها تمهد لتوريث نجله الأصغر جمال الحكم، وألغى الإشراف القضائي على الإنتخابات، وقال المصريون quot;نعمquot; أيضاً بنسبة 75.9%.

نعم لتعديلات العسكر ودستور الإخوان

وعقب نجاح ثورة 25 يناير في اسقاط نظام حكم حسني مبارك، أجرى المجلس العسكري بقيادة المشير حسين طنطاوي، تعديلاً على دستور 1971، ووافق المصريون بنسبة 77%، على تلك التعديلات في 19 آذار (مارس) ، 2011، وهي ما أطلق عليها الإسلاميون quot;غزوة الصناديقquot;، لاسيما أن التيار الليبرالي والثوار كانوا يريدون وضع دستور جديد، ويعارضون تعديل دستور 1971.

وفي العام 2012، وضعت جماعة الإخوان المسلمين دستوراً جديداً، وشهد معارضة شديدة من التيارات المدنية والثورية، ورغم ذلك وافق عليه المصريون بنسبة هي الأقل في تاريخهم 63.83%.


نعم للإستقرار

اندلعت ثورة 30 يونيو ضد حكم الإخوان، وتدخل الجيش وعزل الرئيس السابق محمد مرسي، وأدخلت لجنة الخمسين برئاسة عمرو موسى تعديلات على دستور الإخوان، ويذهب المصريون إلى صناديق الإقتراع اليوم وغداً 14 و15 كانون الثاني (يناير) الجاري، ومن المتوقع أن يصوتوا بـquot;نعمquot; للدستور كما هي عادتهم، آملين أن يحقق الدستور الجديد لهم ما فقدوه منذ الإطاحة بنظام حكم مبارك، ولاسيما إنهاء حالة الفوضى والإنفلات الأمني، وتحقيق آمال جديدة، منها التنمية الإقتصادية، وتحقيق الديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان.

تأثير الإستبدادين وتجار الدين

ووفقاً لطارق عبد السيد، مهندس كمبيوتر، فإن الشعب أخطأ كثيراً في الاختيار، لاسيما في الموافقة على دستور الإخوان من أجل الإستقرار، ولم يتحقق. وقال لـquot;إيلافquot; إن المصريين إعتادوا على التصويت بـ quot;نعمquot; طوال تاريخهم، لأنهم كانوا تحت رحمة دولة الإستبداد والقمع، ولم يكن أمامهم سوى تحقيق رغبات الحكام، ويأملون في الاستقرار.

ولفت إلى أن المصريين بعد ثورة 25 يناير، وقعوا فريسة لتجار الدين من جماعة الإخوان والتيار الإسلامي، الذين سوقوا لهم التعديلات الدستورية في 2011، ثم دستور 2012، على أنها من عند الله، وأن التصويت بquot;نعمquot; يدخل صاحبه الجنة، ويحقق الإستقرار والرخاء لمصر، ولكن لم يحدث. واعتبر أن المصريين هذه المرة صاروا أكثر نضجاً ووعياً، سوف يختارون الأصلح.

ووصفت علا سعيد، ربة منزل، الدستور الجديد بأنه quot;يلبي طموحات المصريين في الحقوق والحريات وإنهاء الدولة الإستبدادية، وقالت لـquot;إيلافquot; إن الشعب المصري يميل للسلم وخرج ليوافق على الدستور من أجل الاستقرار، ولكن بوعي تام هذه المرة، وأضافت: quot;كفانا فوضى في البلاد وحان الوقت أن نملك دستوراً حقيقيًا يضمن أهداف الثورة ويحمي المواطن البسيط الذي عانى كثيرًا حتى تسير العجلةquot;.


طمعاً في الجنة

وحسب وجهة نظر، المواطن المصري، وليد عبد العزيز، ويعمل معلماً بمدرسة ابتدائية، فإن الشعب المصري يميل للحب والسلام وكان يخرج دائماً متأثراً بقول الاسلاميين، ووعودهم بالجنة، لذلك كانت تأتي النتيجة كما وجدناها في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والاستفتاء على دستور 2012.

وأضاف لـquot;إيلافquot; أن الاخوان فقدوا شعبيتهم في الشارع وبين المواطنين البسطاء بعد فشلهم في تحقيق رغبات الشعب، الذي تأكد أنهم لم يكونوا سوى تجار دين. ولفت إلى أن الوضع الآن اختلف تمامًا فقط استوعب الشعب المصري الدرس جيداً وعرف من الذي يسعى الى مصلحته ومصلحة الوطن، كما عرف من الذي يتآمر ضد المواطنين وسيظهر ذلك في الاستفتاء والانتخابات القادمة طبقًا لقوله.

الشعب أفاق

ووفقاً لعبد الغفار شكر، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق اﻹنسان، فإن جموع الشعب المصرى يظنون أن كلمة quot;نعمquot; هي التي تهدئ الاوضاع وتساعد على عودة عجلة الانتاج وتحسين الاقتصاد، مشيراً إلى أن كلمة quot;نعمquot; كانت دائماً سبب الازمات السياسية التي تشهدها مصر بعد ثورة يناير المجيدة. وأضاف لـquot;إيلافquot; أن الشعب المصري طيب بطبيعته ومن السهل التأثير عليه باستخدام الدعاية الاعلامية، وهذا ما انجح الدستور الاخواني رغم رفض النشطاء له.

وذكر أن المصريين سرعان ما افاقوا مما سماه quot;التنويم الاخواني المغناطيسيquot;، الذي جرى لهم، ولفت إلى أن الشعب الذي انتخب مرسي والإخوان في مجلسي الشعب والشورى ووافق على دستورهم، هو نفسه الذي ثار ضدهم، وأسقط حكمهم بعد عام واحد.

أكثر وعياً

وقال الدكتور محمد عبد السلام، الخبير السياسي، إن المصريين، وإن اعتادوا التصويت بـquot;نعمquot;، من أجل الإستقرار، لكنهم في الوقت نفسه قاموا بثورتين خلال أقل من ثلاثة أعوام، ما يؤكد أنهم صاروا شعباً واعياً لديه القدرة على التمييز الجيد، وأنه لا يسير مغمض العينين وراء أي حاكم أو حزب أو جماعة.

ولفت إلى أن حالة الوعي التي انتابت المصريين بسبب تجربة الإخوان، تؤشر على أن الخطأ الذي قد يكون المصريون وقعوا فيه بالسابق، غير قابل للتكرار بسبب اﻷزمات التي تعرض لها الشعب المصري نتيجة هذا السلوك، معبراً عن ثقته في حسن اختيار المصريين هذه المرة، وفي أنهم سيصوتون بنعم لاقتناعهم باﻹنجاز الذي تحقق في تعديل دستور 2012 المعطل.