كشف تقرير إسرائيلي أن رئيس الوزراء الراحل ارييل شارون كان يعتزم التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين والتنازل عن أجزاء من القدس وخطوات إيجابية أخرى.


يقول تقرير إسرائيلي إنه كان أحد الاسئلة المركزية التي سئلت منذ غرق رئيس الوزراء الراحل ارييل شارون في رقاده قبل ثماني سنوات هو: هل كان ينوي رئيس الوزراء السابق أن يتجه إلى اجراءات سياسية اخرى مع الفلسطينيين بعد الانسحاب من قطاع غزة 2004.

وحسب صحيفة (هآرتس) فقد كشفت برقيات لوزارة الخارجية الأميركية ووثائق داخلية لقسم التفاوض من منظمة التحرير الفلسطينية، سُربت في السنوات الاخيرة، عن أن شارون وعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس quot;بتنفيذ خطوات أخرى في المستقبلquot;، بل عبّر على مسامع مسؤولين أميركيين كبار عن استعداده لنقل أحياء عربية في القدس إلى سيادة فلسطينية.

وتُبين سلسلة برقيات أرسلتها سفارة الولايات المتحدة في تل ابيب إلى وزارة الخارجية في واشنطن وسُربت إلى موقع (ويكيليكس) أن شارون خطط للاجراء السياسي الكبير التالي قبل الانسحاب من غزة بأشهر.

الانسحاب من غزة

ويقول التقرير إنه في 26 تشرين الاول (أكتوبر) 2004 أُجيزت خطة الانسحاب من غزة بعد جلسة عاصفة في الكنيست، وبعد ذلك بأشهر التقى رئيس الوزراء شارون مع سلسلة طويلة من اعضاء مجلس النواب الأميركي وشيوخ أميركيين وعرض عليهم خطته السياسية.

وكان من بين الذين التقاهم شارون آنذاك، تشيك هيغل وزير الدفاع الأميركي حالياً، وكان الثاني جو بايدن الذي هو اليوم نائب الرئيس اوباما. وأكد شارون للاثنين بحسب البرقية الأميركية أنه ملتزم بالسلام مع الفلسطينيين رغم الصراع الداخلي في اسرائيل.

وقال لهما شارون: quot;ليس لليسار قوة (سياسية) واليمين يعارض مبادرتي كليًاquot;. وبين أنه على إثر موت عرفات قبل ذلك بأسابيع معدودة نشأت فرصة جديدة لتنفيذ الانفصال بتنسيق مع السلطة الفلسطينية.

لقاء هاغل وبايدن

واضاف شارون في حديثه لهاغل وبايدن: إذا نفذ الانفصال من غزة بنجاح، فسيمكن تحقيق خريطة الطريق على مراحل، وقال تقرير (هآرتس) إن قصد رئيس الوزراء آنذاك بكلامه خطة رئيس الولايات المتحدة في تلك الايام جورج بوش، التي تقول أن تتم مرحلة ثانية بعد المرحلة الاولى التي هي احراز هدوء أمني، تنشأ فيها دولة فلسطينية في حدود موقتة استعدادًا للتوقيع على تسوية دائمة في المرحلة الثالثة.

ويتابع التقرير انه في 27 كانون الاول (ديسمبر) 2004 زار ديوان رئيس الوزراء في القدس السناتور جو ليبرمان، وقال شارون إنه معني بعد الانسحاب من غزة بالعودة إلى تنفيذ خريطة الطريق. لكن شارون أكد لمحادثه السيناتور الأميركي أن شرط التقدم السياسي هو محاربة الفلسطينيين للارهاب quot;لا أتوقع من أبو مازن أن يكون صهيونيًا لكن يجب عليه أن يخطو خطوات مضادة للارهابquot;rsquo;.

خطوات في الضفة

ويقول التقرير ان كلام شارون في ذلك اللقاء كما وثقه السفير الأميركي آنذاك دانييل كيرتسر، بيّن بصورة أوضح أنه لم يقصد أن يقف عند الانسحاب من غزة بل أن ينفذ خطوات بعيدة المدى في الضفة الغربية بل في القدس.

وحينها كتب السفير الأميركي: عرض شارون المواضيع المهمة له (في التسوية الدائمة) وquot;لن يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى دولة اسرائيل، وتبقى الكتل الاستيطانية متصلة باسرائيل بحسب الاتفاق مع الرئيس بوش. ولن تُجري اسرائيل تفاوضًا في القدس عاصمتها الأبدية على نحو يفضي إلى تقسيم القدسquot;

ووقتها، قال شارون إنه قد يدرس نقل بضعة أحياء عربية سُكنت بعد حرب 1967 لكنه أكد أنه لن يُسلم جبل الهيكل وجبل الزيتون ومدينة داود أبدا.

وهنا يقول التقرير الصحفي: quot;يمكن أن نُخمن أن كيرتسر قصد أحياء أطراف شرقي القدس التي ليست جزءًا من الحوض التاريخي مثل شعفاط وأبوديس وبيت حنينا التي كانت قائمة قبل حرب الايام الستة لكنها كبرت كثيراً بعدهاquot;.

لقاء بايدن

ويستطرد التقرير: بعد ذلك باسبوعين، أي في 10 كانون الثاني (يناير) 2005، التقى شارون مرة اخرى وفدًا من مجلس الشيوخ برئاسة بايدن. وقال بحسب برقية السفير كيرتسر: quot;اذا قام الفلسطينيون بما يجب عليهم في موضوع الامن فيمكن العودة إلى خريطة الطريق. قد يستغرق ذلك بضع سنوات لكن التسوية الدائمة قابلة للاحراز. اذا خطا الفلسطينيون الخطوات المطلوبة فانهم يستطيعون احراز دولة في حدود موقتة وسنبدأ في موازاة ذلك تفاوضاً في التسوية الدائمةquot;.

وينوه التقرير إلى انه في كل مرة حدثت فيها عمليات تفجيرية عاد مستوى غضب شارون إلى الارتفاع. ففي 14 كانون الثاني (يناير) 2005 بعد هجوم على مستوطنة موراغ وعملية تفجيرية في معبر كارني اتصل كيرتسر برئيس ديوان شارون، دوف فايسغلاس للاطلاع على آخر الاخبار.

ويقول إنه في مرحلة ما اختطف شارون السماعة من فايسغلاس وبدأ يخرج ما استكان من كلام غاضب على السفير الأميركي، حينها قال للسفير بحسب برقية السفير نفسه للخارجية في واشنطن: quot;لست أرى أية محاولة من السلطة الفلسطينية لفعل شيء ماquot;.

وقال شارون بحسب البرقية التي ارسلها كيرتسر في ذلك اليوم إلى وزارة الخارجية في واشنطن: quot;ضقت ذرعاً بأن أقول لكم إنني لن أهادن في الامنhellip; لا تقولوا لي إنه يجب علي أن آخذ في الحسبان مشكلات الفلسطينيين، فلاسرائيل مشكلات ايضًا وتوجد الآن جنازات في كل يوم تقريباًquot;.

وتكشف وثائق لقسم التفاوض من منظمة التحرير الفلسطينية سُربت في يناير 2011 إلى شبكة (الجزيرة) القطرية عن أنه بعد وفاة ياسر عرفات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2004 وبقدر أكبر بعد فوز عباس في انتخابات الرئاسة في كانون الثاني 2005، سعى شارون إلى تنسيق الانسحاب من غزة مع السلطة الفلسطينية.

قمة شرم الشيخ

وفي 8 شباط (فبراير) 2005 التقى شارون وعباس في شرم الشيخ. كان مؤتمر القمة حدثًا سياسيًا مهمًا كان يرمي إلى الاشارة إلى نهاية الانتفاضة وفتح صفحة جديدة بين اسرائيل والفلسطينيين. وسُرب محضر اللقاء لكنه لم يحظَ بنشر.

وتظهر الوثيقة وهي ست صفحات مكتوبة باللغة العربية أن اللقاء تم في جو ايجابي بل احتفالي، حينما كان الطرفان يضاحك بعضهما بعضاً. وأكد الرئيس الفلسطيني لشارون أنه يلتزم بالسيطرة على الوضع الامني، وأن يكافح الأنفاق في قطاع غزة وأن يوقف التحريض على اسرائيل في وسائل الاعلام.

وطلب عباس إلى شارون أن يفرج عن السجناء الفلسطينيين المسجونين في اسرائيل قبل اتفاقات اوسلو، وهم اولئك السجناء الذين أفرج عنهم بنيامين نتنياهو بعد ذلك بتسع سنوات، وبعد أن عرض الرئيس الفلسطيني سلسلة طلبات طويلة أثار اقتراحا يثير الاهتمام، قال شارون: quot;اذا أردت أن تستغل الوقت فيمكن انشاء قناة خلفية سرية للتفاوض في التسوية الدائمةquot;.

كما عرض شارون سلسلة بوادر حسن نية اسرائيل مستعدة لتنفيذها كانسحاب من عدة مدن فلسطينية في الضفة وازالة حواجز. لكن شارون لم يوافق على الافراج عن السجناء الذين طلبهم عباس لكنه وافق على الافراج عن 900 سجين آخر.

الابتسامات تختفي

ويقول تقرير (هآرتس): بيد أن الابتسامات اختفت بعد ذلك بثلاثة اشهر، وبدأ شارون يظهر عدم الصبر على عجز السلطة الفلسطينية في حربها للارهاب في غزة. وفي 30 أيار (مايو) 2005 التقى شارون عضو مجلس النواب الأميركي جيم كولبي وتنبأ بصورة دقيقة بالمزاج العام الذي سيغلب على الجمهور الاسرائيلي بعد ذلك ببضع سنوات نحو المسيرة السلمية.

وقال شارون للزائر الأميركي: quot;سيكون استعدادي واستعداد الاسرائيليين للتقدم في مسيرة السلام بعد الانفصال مشروطا بحرب الفلسطينيين للارهابquot;، وأكد أن اطلاق القذائف من غزة يجعل الجمهور الاسرائيلي يفقد الثقة بسياسته. وأضاف شارن: quot;كل عملية ارهاب تزيد في سوء وضعي الداخلي. انخفض تأييدي في استطلاعات الرأي من 70 بالمئة إلى 54 بالمئةquot;.

لقاء جديد مع عباس

وبعد ذلك بثلاثة اسابيع في 22 من حزيران (يونيو) 2005، التقى شارون وعباس مرة أخرى، وكان ذلك في بيت رئيس الوزراء في القدس هذه المرة. وكان اللقاء الذي تم قبل الانسحاب من غزة بشهرين أقل بهجة من اللقاء في شباط (فبراير). وقد جاء في وثيقة تلخيص اللقاء التي كتبها قسم التفاوض من م.ت.ف أن عباس ومستشاريه خرجوا خائبين وعرفوا الوعود التي حصلوا عليها من شارون بأنها quot;مكررةquot;.

ويشير التقرير إلى أن شارون تخلى في هذه المرة عن النكات وبدأ اللقاء بحديث ذاتي وشخصي لمدة ربع ساعة وقال لعباس: quot;وعدتَ بأن تبدأ نقض البنى التحتية للارهاب لكن ذلك لم يحدثquot;. وسأل شارون عباس: quot;ما الذي تنوي فعله لوقف العمليات؟ أنا أعلم أنك مصمم على وقف العملياتhellip; طلبت استخباراتنا أن توقفوا مطلوبين وتفضلنا عليكم بزيادات لكن لم يحدث شيءquot;.

وأشار شارون لعباس اشارة خفية إلى أنه ينوي تنفيذ اجراءات سياسية اخرى بعد الانفصال لكنها متعلقة بالوضع الامني: quot;نطلب أن يكون الوضع في غزة هادئًا في اثناء الانسحاب وسيزيد التنسيق بيننا في احتمال حدوث ذلك. فاذا كانت السلطة الفلسطينية مستعدة للتنسيق فستكون اسرائيل قادرة على تنفيذ خطوات اخرى في المستقبل، لكن اذا وقعت هجمات ارهابية فسنوقف الانسحاب كلهquot;.

حوار شارون - عباس

وحسب التقرير، حاول الرئيس الفلسطيني أن يدافع عن نفسه وأجاب مازجًا بين الدفاع والهجوم المضاد قائلاً: quot;كل رصاصة تطلق عليكم توجه إلينا ايضا فثمة أناس يريدون تدمير مسيرة السلام، لكن اذا طاردناهم وقتلناهم فسيضر ذلك فقط بمسيرة السلام. تفهم صعابيhellip; ففي الاشهر الخمسة التي قضيتها في منصبي لم تفعل أنت شيئًا لمساعدتيquot;.

ورد شارون: يجب مكافحة الارهابhellip; عندك من القوة والسيطرة أكثر مما أنت مستعد للاعتراف بهhellip; أنا أتفهم وضعك لكنني لا أستطيع أن أساعد بالافراج عن سجناء ما بقيت صواريخ القسام تسقط في اسرائيل ويخطط لعمليات انتحاريةquot;.

حينها أجاب عباس بغضب: quot;أنت لا تعطيني أي شيءquot;، ثم تدخل محمد دحلان قائلاً: quot;هذا اللقاء نكتةquot;، ورد شارون: quot;أنتم في مفترق مهمhellip; اذا أعطيت أكثر في الشأن الامني فسنعطي أكثر في الشؤون المهمة لكquot;.

وتابع عباس: quot;ليست عندي الوسائل والقدرة لأجرد اولئك الذين يتعدون على وقف اطلاق النار من سلاحهم. إن توجهك يحدث انطباع أن السلطة الفلسطينية تشجع العنف في حين أن الوضع بعكس ذلكquot;. ورد شارون: quot;لم أقل إنكم تؤيدون الارهاب، لكنكم لا تفعلون ما يكفي لوقفهquot;.

وهنا تدخل أحمد قريع (أبو العلاء): quot;فعلنا كل ما نستطيع في شأن تنسيق الانسحاب من غزة، رغم أنكم قلتم إن الحديث عن اجراء من طرف واحد. إن الانفصال قد يقوي السلطة الفلسطينية أو يضعفها تمامًا والنتيجة في يد اسرائيلquot;.

ويختم تقرير (هآرتس) قائلاً: بعد ذلك اللقاء مع عباس في بيت رئيس الوزراء بنصف سنة، رقد شارون رقدته الطويلة، ويصعب أن نعلم هل كان سينفذ وكيف الخطط التي خططها على مسامع الأميركيين والفلسطينيين.