ترافع محامو الدفاع عن المتّهمين الخمسة في اليوم الثالث من انعقاد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فشكّكوا في أدلة الإدعاء العام، وتساءل أحدهم إن كان المتهمون على قيد الحياة أصلًا.


كانت جلسات اليوم الثالث من المحكمة الخاصة بلبنان، المشكّلة لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، مخصصة لمرافعات بدائية، قام بها مكتب الدفاع عن المتهمين الخمسة، الذين تجرى محاكمتهم غيابًا.

لا محام صامت
في البداية، قال رئيس مكتب الدفاع فرنسوا رو: quot;كمواطنين ومواطنات، نعلن تعاطفنا مع المتضررين، وأوجه لهم التحيةquot;، مضيفًا أنه في المرحلة التي وصل اليها،quot;لا يمكنني سوى أن أقول إنني حلمت مع الرئيس السابق للمحكمة أنطونيو كاسيزي أن تكون المحكمة مثالية، وتحترم حقوق المتهمينquot;.

ولفت رو إلى أن فريق الدفاع عن المتهم حسن مرعي غائب عن قاعة المحكمة، وإلى أن quot;محامي مرعي يحضرون بصفة مراقب، ولا وجود لمحام صامت، ونعرب عن تحفظاتنا الصريحة بشأن حضورهم كمراقبينquot;. أضاف: quot;ذكر الإدعاء العام اسم المتهم مرعي 124 مرة، من دون أن تكون لفريق الدفاع عنه فرصة للردquot;.

كما قال رو إن محاكمة المتهمين الأربعة تشوبها مشكلة إجرائية خطيرة، إذ لا يحق للمدعي العام اتهام موكله مرعي قبل التقدم بالإجراءات التمهيدية للاتهام. وقال: quot;أرغب من المحكمة أن توقف الانتهاكات بحق موكليquot;.

أما القاضي راي، فرد على رو مؤكدًا أن اسم مرعي ورد في إطار عرض القضية، وليس في إطار الأدلة، ومن الصعب جدًا على الإدعاء عدم التطرق إلى اسمه كونه متهمًا في القضية الأساسية، علمًا أن المحكمة لم تستلم أي طلب بتأجيل محاكمة مرعيquot;.

خلل في التوازن
بعد رو، تكلم المحامي أنطوان قرقماز، قاضي الدفاع عن مصطفى بدر الدين، فقال إن شريعة العدالة الدولية على المحك من خلال عمل المحكمة، quot;ويتعيّن على المحكمة ألا تقبل بأن تصبح المحاكمة مجرد مرافعة فورية، فمنفذو الاعتداء ما زالوا مجهولين، وفي ظل غياب دافع تنفيذ الاعتداء، يستحيل تفسير التهمةquot;. ولفت إلى أن التسريبات حول عمل المحكمة تمسّ قرينة البراءة، طالبًا إبقاء السياسة خارج أبواب الحكمة.

وقال قرقماز إن ملف التحقيقات الدولية في جريمة اغتيال الحريري تشوبه ثغرات كبيرة واختلال في التوازن، quot;وهناك تأخير في الإجراءات، والدفاع يعاني تهميشًا كبيرًا، وهناك محاولة لإخفاء الوقائع عبر ملاحقات صورية خلال الجلسات، كما إن الحكومة اللبنانية لا تتعاون مع محامي الدفاع، وتكيل بمكيالين في انتهاك صارخ لواجباتها بالتعاون مع الطرفينquot;.

وخلص قرقماز إلى أن المحكمة تخدم غايات لا تزال غير معروفة، قائلًا: quot;بالرغم من الموارد الضخمة التي يملكها الإدعاء، إلا أنه لا يزال مكتب المدعي العام عاجزًا عن الإمساك بزمام المحاكمةquot;.

تشكيك الدفاع
استمر قرقماز في التشكيك بأدلة الإدعاء، وقال إن الانتهاك الأسوأ للمتهمين يندرج في طبيعة المحاكمات الغيابية، quot;فما من أدلة تثبت وجود انتحاري في مسرح الجريمة، وما من دليل على أن صور السيارة التي عرضت هي السيارة المفجّرة نفسها، وأرى وجوب استبعاد توصيف العمل الإرهابي عن الاعتداء، كما إن الأدلة التي قدمها الإدعاء ظرفية لا مادية، ولا يُقبل بها قانونًا، فالإدعاء لا يستدعي أي شاهد يؤكد اشتراك بدر الدين في الجريمةquot;.

وقال: quot;ننبّه غرفة الدرجة الأولى إلى أن الدفاع لن يتردّد في أن يضع المحكمة في موضع المسؤوليةquot;، مؤكدًا أن فريق الدفاع لم يتلق أي مساعدة من استخبارات أجنبية، quot;فنحن مستقلون تجاه هيئات هذه المحكمةquot;.

جزء صغير
وبعد قرقماز، قال فانسان كورسيلابروس، محامي الدفاع عن المتهم حسن عنيسي: quot;هدفنا الوصول إلى كل الحقيقة، ونحن محامون مستقلون، وأيدينا ليست مكبّلة بمصالح أي جهة أو حزب في لبنانquot;.

أضاف: quot;التحقيقات منذ بدايتها إلى نهايتها تدل على أن المدعي العام استفاد من 9 سنوات لإجراء تحقيقاته، ومن آلاف المقابلات وملايين الدولارات، على عكس فريق الدفاع، فنحن حصلنا على أقل من عامين، لكي نتمكن من دراسة آلاف الصفحات، وتأسست مؤسسة غير متناسقة فعليًا، ولهذا الوضع تأثير مباشر على دفاعنا، والأدلة التي سيقدمها مكتب المدعي العام لا تشكل سوى جزء صغير من محاور التحقيقquot;.

على قيد الحياة؟
وتابع كورسيلابروس: quot;لم يسمح الوضع الحالي في لبنان لنا بإجراء التحقيقات المطلوبة، وعدم حضور المتهم في هذه المحاكمة لا يعتبر مؤشرًا إلى ذنبه، فالمحاكمة الغيابية تضعنا في موقف ضعيف. لست أدافع عن أي نظام قانوني، بل أريد أفضل نظام قانوني للمتهم، ولكن الواقع ليس كذلك، فنحن ندافع عن شخص لم نتواصل معه قط، وهو لا يشارك في محاكمته، قد يكون خياره يعتمد على أسباب شخصية أو سياسية. هل هو على قيد الحياة؟ أتمنى أن يكون كذلكquot;.

ختم قائلًا: quot;خصوصية هذا الملف تكمن في أن الدفاع لا يمكنه القيام بالتحقيق المضاد، ونحن لم نتمكن من إجراء تحقيق مباشر مع موكلينا، ومن المفترض أن نستفيد من الدولة لتحقيق إجراءات النفي، وأنتم تعرفون أهمية الاتصالات الهاتفية، وحتى الساعة لم تردّ الحكومة اللبنانية على طلب الدفاعquot;.

مجرد فرضية
وبعد توقف لنصف ساعة، عاد كورسيلابروس إلى الكلام، فقال: quot;من حقنا السؤال عن سبب التخلي عن بعض الخيوط، ونحن ضحية غموض وضعنا به المدعى العامquot;. وأضاف: quot;هذا الملف هو اتهام سياسي، وأمامنا ملف بلا دافعquot;.

وبحسب كورسيلابروس، لا يتحدث المدعي العام إلا عن عدد ضئيل من المعلومات حول أحمد أبو عدس، ومن الثغرات عدم معرفة مصدر المتفجرات، ومن نظّم المؤامرة. وقال كورسيلابروس إن اتهام عنيسي لا يستند إلى وقائع ثابتة، quot;بل هو مجرد فرضية، ونظرية المدعي العام الاتهامية مجرد عرض عضلاتquot;.

وجود مكاني
أما ياسر حسن، محامي الدفاع عن المتهم حسين عنيسي، فقال: quot;لسنا في مرحلة إبداء الدفاع الموضوعي، بل إبداء ملاحظاتquot;، متهمًا الإدعاء بإعاقة عمل الدفاع، عبر تأخير وصول المستندات إليه.

وتساءل حسن: quot;لماذا لم يسلم الدفاع ملف التحقيق اللبناني بالحالة التي وصل إليها؟. لماذا لم تشكل محكمة دولية حول اغتيال كمال جنبلاط أو رشيد كرامي وغيرهما؟. لماذا لم تشكل محكمة لوسام الحسن، الذي رافق رفيق الحريري إلى يوم اغتياله؟quot;. واستطرد قائلًا: quot;العدالة يجب أن تتحقق لكل ضحايا التفجير، ومنهم الضباط الأربعةquot;.

وأشار حسن في مطالعته إلى اغتيال مسؤولين سوريين على صلة بالتحقيق في الاعتداء، متسائلًا إن كان هناك من يقوم بالتنظيف بعد الاعتداء من خلال هذه الاغتيالات. واستنتج أن نظرية الإدعاء افتراضية، تستند إلى غياب المتهمين. إذ قال: quot;الإدعاء يستند إلى نظرية الوجود المكاني للمتهمين، من دون البحث عن السبب، وهو يستند إلى نظرية الاتصالات لفشله في تحديد هوية الانتحاريquot;.

قرارات ظنية جديدة
وكانت الوكالة الوطنية نقلت عن مارتن يوسف، الناطق الرسمي باسم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، قوله إن اليوم الاثنين مخصص لفريق محامي الدفاع، quot;حيث يفتح المجال أمامهم ليدلوا بردودهم وتقديم حججهم، ولكن ليس كل محامي الدفاع، فقط فريق محامي بدر الدين وعنيسي، وبعد إدلائهم بردودهم، يكون يوم الثلاثاء إجازة، ويوم الأربعاء يبدأ الإدعاء بتقديم الجزء الأول من الملف، بدعوة ثمانية من الشهود إلى المحكمة، سبعة منهم داخل المحكمة، وشخص واحد على رابط فيديو، وتكون كل هذه الشهادات عن الاعتداء وكل ما حصل يوم 14 شباط (فبراير) 2005quot;.

وكانت تقارير إخبارية نقلت عن مارتن قوله إنّ مكتب الإدعاء العام في المحكمة ينوي إصدار المزيد من القرارات الظنية، في جرائم متعلقة بمقتل الحريري، وهي محاولة اغتيال الوزير السابق مروان حمادة، واغتيال رئيس الحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، ومحاولة اغتيال الوزير السابق إلياس المر.