مع تزايد الهجوم والانتقادات على تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام quot;داعشquot;، في العالم عموماً والسعودية خصوصًا، انقلبت إبرة بوصلة quot;الجهادquot; تجاه جبهة النصرة، الفرع الأصيل للقاعدة في سوريا، إذ تعمل النصرة على استثمار هذا الاكتساح الإعلامي والتأصيلي الشرعي ضد quot;داعشquot; وزعيمها.

الرياض: مع دخول تنظيم quot;داعشquot; ساحة القتال في سوريا، مُنيت جبهة النصرة بخسارة جسيمة على كل المستويات، إذ انسحب نحو ثلثي مقاتليها من صفوفها وانضموا إلى quot;داعشquot;، التي أطلقت على نفسها اسم دولة.

وبات حينها أبومحمد الجولاني زعيم النصرة في وضع حرج، وهو يرى مقاتليه الأجانب يحملون سلاحهم إلى مقرات وثكنات quot;داعشquot;، حتى ذهب الأمر بالجولاني لطلب التحكيم من زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري ليفض الاشتباك، وهو الأمر الذي فعله الأخير حين أمر الظواهري بعودة quot;داعشquot; إلى العراق وتبقى النصرة ممثلة للقاعدة في سوريا.

ولكن زعيم quot;داعشquot; أبو بكر البغدادي رفض الأمر، وقال إنه quot;سيتم الأمر أو يهلك دونهquot;.

وعلى الطرف الآخر من المشهد يبرز موقف مشايخ سعوديين كانوا إحدى أدوات الحشد الإعلامي للمشروع quot;الجهاديquot; في سوريا، ولكنهم في الأيام الأخيرة إثر الاقتتال الداخلي بين الفصائل quot;الجهاديةquot; ذهبوا جميعهم تقريباً باتجاه تجريم quot;داعشquot; والتحذير منها.

وفي حين لا يعلن هؤلاء المشايخ موقفهم تجاه كل العملية quot;الجهاديةquot; في سوريا نقداً ومراجعة، إلا أن أطروحاتهم في عمومها يظهر منها السكوت على الأقل عن تجربة النصرة ومنهجها القتالي والعقدي وطموحاتها المستقبلية المعلنة وغير المعلنة، إذ اكتفى كثير منهم بالهجوم على quot;داعشquot; دون سواها.

ومن ذلك، يظهر بحسب مراقبين أن أدوات النقد عند هؤلاء والتي استخدموها في هجومهم على quot;داعشquot;، لا تتعدى مسألة إنشاء الدولة وغياب الشورى وفق مقاييس أخرى عن التي أخذ بها تنظيم البغدادي.

يقول الكاتب السعودي ومدير قناة العرب الإخبارية جمال خاشقجي لـquot;إيلافquot; إن الصورة الآن سريالية في قمة الغرابة، ويذهب خاشقجي إلى أن مرد ذلك إلى أن هناك من يسوق للنصرة من حيث يذم quot;داعشquot; رغم أنهما سواء.

ويتابع خاشقجي وهو إعلامي تابع عن قرب عديد الحركات الإسلامية المسلحة منذ حرب الأفغان في الثمانينات الميلادية من القرن الماضي قائلاً إن quot; شيطنة داعش مقابل تقديم القاعدة كما لو أنها وسط وتتفق مع أهل السنة والجماعة، هي بمثابة خيانة وغدر للفقه الاسلامي، وكذلك لمجتمعاتنا، فالقاعدة لا تقل سوءًا أبداًquot;.

ويؤكد خاشقجي أن انتقاد quot;داعشquot; هو أمر جيد في حد ذاته، إنما يجب أن لا يكون على حساب تحسين الصورة الذهنية لجبهة النصرة وغيرها من فروع القاعدة التي لا تختلف منهجياً وفكرياً عنها سواء في تصغير دائرة التكفير قليلاًquot;.

وتعمل النصرة الآن على إعادة انتشار وتموضع في الساحة الفكرية والجهادية لدى الكثير من قطاعات المتعاطفين مع فكرة quot;الجهادquot; في سوريا، وبدأت بالفعل في إعادة نشاطاتها الإعلامية التي خفت لفترة طويلة مع اكتساح quot;داعش للصورةquot; سابقاً قبل الاشتباكات الأخيرة.

وبعيداً عن خلفيات هذا الصراع بين التنظيمين القويين ذوي الخلفية الواحدة تقريباً في المنهج الفكري والتأصيلي للقتال والمذهب، فإن أصواتاً في السعودية بدأت بالفعل تستثمر هذا الهجوم على quot;داعشquot; للتسويق من جديد لجبهة النصرة، وهي الممثل الشرعي للقاعدة في سوريا.

عن هذا الأمر يقول الباحث والمهتم في شؤون التيارات المتطرفة عبدالمنعم المشوح في حديث لـ quot;إيلافquot;، إن quot;داعش والنصرة وأنصار الشريعة ولواء التوحيد وغيرها هي أوجه ومدارس واتجاهات داخل القاعدة كمذهب ، حتى وإن استقلت عن القاعدة كتنظيم فهي تتبع القاعدة كمذهب ، فداعش مثلاً التي استقلت تقريبًا عن القاعدة كتنظيم ما زالت تحتفظ وتقر بمذهبية القاعدة والرجوع إلى تأًصيلات وتقعديات جيل القاعدة الأول في اللجان الشرعية والعلميةquot; .

ويضيف المشوح الذي يرأس حملة فكرية تناقش أصحاب الأفكار المتطرفة على شبكات الإنترنت عن الفروقات بين التنظيمين قائلاً: quot;الحقيقة لا يوجد فرق ، فتنظيم القاعدة وأفرعه مارسوا جرائم كالتي تمارسها داعش وربما تزيد، ففرع القاعدة في الجزائر وأتباعه كانوا ينزلون إلى القرى ويقتلون من فيها حتى قتلوا المصلين ! في اليمن شاهدنا عملية في مستشفى، في العراق يفجرون داخل الأسواق الشعبية وفي السعودية فجروا في مجمع سكني.. ما الفرق ؟quot;

ويتابع المشوح: quot;الإرهاب والتطرف مذهب واحد وفي داخله مدارس واتجاهات حتى لا يتم خداعنا، والذي تمارسه داعش اليوم ستمارسه النصرة غداً، وعلينا توضيح الحقائق كما هي بلا مواربة، ونحن عندما نذم داعش ونغفل بقية الغلاة كأننا نسوّق لهم على أنهم الأقل ضرراً وتطرفاً، والحقيقة أنهم متساوونquot;.

وبحسب تقارير صحفية غربية، فإن عدد السعوديين الذين شاركوا في العمليات القتالية في سوريا نحو 4000 مقاتل، فيما أعلنت السعودية منذ بدء تسرب الأنباء عن مشاركة السعوديين هناك أنها ستعتقل كل من يذهب للقتال حين عودته، وشددت على أنها ستقف ضد هذا الأمر وستلاحق من يجند الشباب.