أنهى نواب تونس التصويت فصلاً فصلاً على الدستور الجديد بعد جهد جهيد وخلافات عميقة شقت صفوف الاسلاميين والعلمانيين. وكان الفصل الذي يحجّر التكفير عائقاً بارزًا أمام تقدم عملية التصويت، لكنّ توافقًا جديدًا حصل بخصوصه.


مجدي الورفلّي من تونس: أنهى المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) في تونس المصادقة quot;فصلاً فصلاًquot; على الدستور الجديد للبلاد الذي صاغه المجلس المنبثق عن انتخابات 23 تشرين الاول/اكتوبر 2011 بعد تعثّره بسبب خلافات حادة بين نواب اسلاميين وعلمانيين بخصوص الفصل السادس من الدستور المتعلق بتجريم التكفير بعد أن إتّهمت المعارضة حركة النّهضة وحلفاءها بالتّراجع عن منع التّكفير تحت ضغط جمعيّات إسلاميّة ومتشدّدين داخل الحركة.

تعديل الفصل السادس

وصادق المجلس التأسيسي الخميس بعد إدخال تعديل على الفصل السادس من مشروع الدستور، ينص على أن quot;تلتزم الدولة بحماية المقدسات ومنع النيل منها ومنع الدعوات التكفيرية والتصدي لهاquot; إثر نقاشات استمرت أياماً بعد رفض عديد الجمعيّات الإسلاميّة ووزارة الشّؤون الدينيّة لتحجير التّكفير في الفصل السّادس، والذي تمّت المصادقة عليه في الخامس من كانون الثاني/يناير 2014.

وأصبح الفصل السادس في صيغته المعدلة ينص على أن quot;الدولة راعية للدين كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية. تلتزم الدولة بحماية المقدسات ومنع النيل منها ومنع الدعوات التكفيرية والتصدي لهاquot;.

تراجع

وكان المجلس صادق في الخامس من كانون الثاني/يناير 2014 على إضافة فقرة الى هذا الفصل تنصّ على أنه quot;يُحجَّرُ التكفير والتحريض على العنفquot; إثر إعلان النائب منجي الرحوي القيادي في quot;الجبهة الشعبيةquot; إصدار quot;تكفيريينquot; فتوى بقتله على خلفية تصريحات للحبيب اللوز، القيادي المحسوب على الجناح المتشدد في حركة النهضة الاسلامية، اتهم فيها الرحوي بمعاداة الاسلام.

ولكن بعد المصادقة على الفصل المثير للجدل، وقّع نواب مستقلّون وآخرون ينتمون الى حركة النهضة وquot;حركة وفاءquot; عريضة يرفضون من خلالها تجريم التكفير في الدّستور ممّا أعاد الخلافات إلى السّطح وأخّر إنهاء المصادقة على الدّستور فصلاً فصلاً.

تحت الضغط

النّائب عن الكتلة الديمقراطيّة (معارضة علمانيّة) سمير بالطيّب قال لـquot;إيلافquot; quot;إعتقدنا أنّ موضوع تحجير التّكفير قد تم تجاوزه بالمصادقة على الفصل السّادس ولكنّنا فوجئنا بنوّاب من حركة النّهضة وحلفائها بالتّراجع ورفضه مجدّدًاquot;.

ويرى النّائب أنّ تراجع حركة النّهضة عن الصيغة التي تمّت بها المصادقة على الفصل السّادس سببه الضغط الذي مارسته بعض القيادات المتشدّدة داخلها والجمعيّات الدينيّة داخل البلاد، إضافة إلى وزارة الشّؤون الدينيّة.

رفض شعبيّ

المنسّق العام في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي أكّد خلال لقاء مع quot;إيلافquot; أنّ quot;موضوع التكفير أصبح مشكلة مجتمعيّة وأحدث ضجّة داخل البلاد وعطّل إنهاء المصادقة على الدّستور وليس متعلّقًا بحركة النّهضة فحسب، وللأسف الشّديد صياغة الفصل 6 التي تمّت المصادقة عليها لم تكن جيّدة ورُفضت شعبيًّاquot;.

وتابع: quot;نحن نريد دستورًا يُرضي النّخبة، ولكن لا يجب أن يرفضه الشّعب، فعامّة التونسيّين تثيرهم كلمات حسّاسة كتحجير التّكفير، إذن فالقضيّة ليست مرتبطة بحركة النّهضة ولكنّها مجتمعيّة، وعندما بلغنا لوضعيّة يمكن أن تخلّف سوء فهم لدى الشّعب وتغيّر نظرتهم للدّستور فإنّنا إضطررنا للبحث عن حلول ليرى التّونسيّون أنفسهم في دستورهم دون المسّ بالحرّيّات والحقوقquot;.

وختم الجلاصي قائلاً quot;اليوم يُعتبر تاريخيًّا فقد تجاوزنا عقبة تحجير التّكفير وتمّت المصادقة على الدّستور إثر حلّ الخلاف في إنتظار المصادقة عليه كاملاًquot;.

يُذكر أنّ وزير الشؤون الدينية نور الدين الخادمي انتقد أمس المجلس التأسيسي في المصادقة على الفصل المتعلق بتجريم التكفير، معتبرًا أنّه يمكن أن يؤدي الى اشكاليات اجتماعية، فيما رفض المجلس الإسلامي الاعلى في تونس تضمين quot;تحجير التّكفيرquot; في دستور البلاد المقبل.

وفي الايام الماضية، تظاهر اسلاميون معتدلون وآخرون متشددون امام المجلس التأسيسي في تونس للمطالبة بإلغاء تجريم التكفير من الدستور.

وكانت اعمال المجلس التأسيسي توقفت منذ الثلاثاء بسبب خلافات حادة بين نواب اسلاميين وعلمانيين بخصوص الفصل السادس من الدستور المتعلق بتجريم التكفير.

التكفير موجود في الدّين

النائب عن كتلة quot;حركة وفاءquot; عبد الرّؤوف العيّادي لا يزال رافضًا لتحجير التّكفير، وقال في تصريح لـquot;إيلافquot; quot;التكفير موجود في الدين الإسلامي فهل نزيحه ولا يجد المسلمون طريقة للدّفاع عن دينهم الذي يُستباح كل يوم ، فعندما ينادي مثلاً تيّار أو حزب أو شخص بالتخلّي عن أحد أركان الإسلام فهذا يُعتبر كفرًاquot;.

وواصل العيّادي: quot;تجريم التكفير أو تحجيره يكون في المجلّة الجزائية وليس في الدستور الذي يطرح مبادئ عامة وقيماً، إضافة إلى أنّ لدينا فصلاً يجرم التباغض بين الأديان والجميع يعلم السياق الذي وقعت فيه المصادقة على الفصل 6 بعد تضمينه منع التّكفيرquot;.

ويرى النّائب عن كتلة حركة وفاء أنّ التونسيّين يريدون دستوراً يؤكّد على قيمهم وليس على قيم الغرب التي اصبح يُروّج لها في الدّستور، على حدّ تعبيره.

وفي 2013، اغتال quot;تكفيريونquot; (بحسب وزارة الداخلية) المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وهما قياديان في الجبهة الشعبية.

وبعد أن إنتهى المجلس من المصادقة على الدّستور quot;فصلاً فصلاًquot; من المفترض أن يتم خلال السّاعات المقبلة عرض الدستور للتصويت عليه بأكمله في quot;قراءة أولىquot; فإن لم يصوّت عليه ثلثا نواب المجلس (146 نائبًا، من أصل 217) يتم عرضه على التصويت مرة ثانية.

وإن لم يصوّت على الدستور ثلثا أعضاء المجلس في quot;قراءة ثانيةquot; يقع طرحه على استفتاء شعبي.

الإعلان عن الحكومة الجديدة

وفي سياق متّصل من المنتظر أن يعلن رئيس الحكومة المقبلة مهدي جمعة السبت عن تشكيلة حكومته، وقالت وكالة الانباء الرّسميّة (وات) أنّه سيحافظ على لطفي بن جدو وزير داخليّة علي العريّض رغم معارضة عديد القوى السياسيّة لإبقائه في منصبه.