أحزاب فاجأت العراقيين وهم في مرحلة انعدام الوزن بعد سقوط نظام صدام حسين ظهرت ونشطت حركات وأحزاب سياسية كانت قد ولدت خارج العراق، بسبب ظروف القمع الاستثنائي التي كانت سائدة. من هذه الحركات، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وحركة الوفاق العراقية، وحزب المؤتمر، والحركة الدستورية الملكية. وقد ظل العراقيون ينظرون لهذه الأحزاب بعين الشك والحذر. بعضها فسر العراقيون ولادتها خارج العراق كجهد قامت به جهات أجنبية لخدمة مصالحها القومية الخاصة، وليس لخدمة العراقيين. وفسروا ولادة البعض الأخر كجهود لتحقيق طموحات وأمجاد شخصية، بعيدا عن المطامح الحقيقية لسواد العراقيين. لكن هذه (النقائص) السياسية لم يتوقف عندها العراقيون كثيرا في الأشهر الأولى التي تلت سقوط نظام صدام حسين، لأسباب كثيرة. من أهم تلك الأسباب، أن العراقيين كانوا، وقتذاك، يعيشون في مرحلة انعدام الوزن، سياسيا وثقافيا وسيكولوجيا واقتصاديا واجتماعيا. كانوا يعيشون في تلك الأيام في ظروف عصيبة استثنائية عطلت عندهم الرؤية والرؤيا، نتيجة سياسة (التجهيل وإسدال الستارة الحديدية) التي كان مسؤولا عنها نظام صدام، وبسبب سياسة (التجويع) التي فرضها عليهم الحصار الاقتصادي الرهيب بعد حرب الكويت، ونتيجة لأسلوب (الصدمة والترويع) الذي طبقته ضدهم الولايات المتحدة، وأخيرا، بسبب أسلوب (التجييش والتحشيد) الذي طبقته التنظيمات السياسية المعارضة التي وصلت العراق مع وصول القوات الأميركية، وبدأت تنشط أو تعاود نشاطها. فقد دخلت تلك التنظيمات العراق( وبعضها كان مدججا بالسلاح) بطريقة اقتحامية، استعراضية، استئثارية، تملكية، أوحت عبرها لعموم العراقيين، الذين كانوا بمثابة رهائن لا حول لهم ولا قوة، بأنها الوريث الشرعي الوحيد لحكم صدام، وأنها المنقذ الذي يحظى بثقة الولايات المتحدة، وأنها الصحيح الذي لا يصح غيره. لكن، بعد أن توقفت الحرب، وتيقن العراقيون أن صدام ونظامه انتهيا ولن يعودا، ونجحوا في اجتياز حاجز الخوف، بدأت مرحلة جديدة ، أو بالأحرى مرحلتان. الأولى كانت مرحلة التمييز والفرز، والثانية مرحلة الإعلان عن النفس، أي مرحلة تأسيس أحزاب وتنظيمات سياسية جديدة (لاحقا، وصل عدد تلك الأحزاب والتنظيمات إلى المئات). فحالما شرع العراقيون في استعادة عافيتهم الذهنية، و ثقتهم بأنفسهم، فأنهم بدأوا يعتمدون على قواهم الذاتية وحدها في تمييز الحركات السياسية التي وجدوها أمامهم، ويقيمون ويفرزون الواحدة عن الأخرى.

العراقيون يصدرون الأحكام
ولعل أول حركتين سياسيتين أستبعدهما العراقيون عن خياراتهم بوقت مبكر هما، حزب المؤتمر الوطني بقيادة الدكتور أحمد الجلبي، والحركة الدستورية الملكية. وهذا أمر ملفت للنظر ويستحق التوقف عنده. فالدكتور الجلبي، كما يعرف العراقيون وغيرهم، ليس نكرة، لا اجتماعيا، ولا سياسيا. فهو من عائلة عراقية ثرية كان عميدها وجل أبنائها وزراء في الحكومات الملكية. أما سياسيا، فقد ظل أسم الدكتور الجلبي، طوال فترة ما قبل سقوط نظام صدام، يقترن في أذهان العراقيين، سواء المعادين له والمؤيدين والواقفين على الحياد منه، باعتباره (مهندس) عملية التغيير، ورجل أميركا القوي، الذي أعدته لقيادة عراق ما بعد التغيير. رغم ذلك كله، فأن العراقيين أسقطوه في الضربة الانتخابية القاضية، عندما رشح منفردا. وفعل العراقيون الشئ نفسه مع الحركة الدستورية الملكية، بعد أن قيل الكثير عن دعم أميركا وبعض الأنظمة العربية لها.
أما حركة الوفاق بقيادة الدكتور علاوي فرغم أنها لم تواجه المصير نفسه، ورغم أن رئيسها أصبح رئيسا للوزراء، إلا أن ما حصلت عليه من أصوات في الانتخابات كان أبعد من أن يؤهلها لقيادة العملية السياسية، أو يجعل منها بيضة القبان.

العراقيون أمهلوا ولم يهملوا
فيما يخص المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، فأنه انتظر حتى الانتخابات المحلية الأخيرة التي جرت مطلع عام 2009، ليأخذ حجمه السياسي الحقيقي، وليس الحجم الذي فرضه المجلس منذ الأشهر الأولى التي تلت سقوط نظام صدام، ودأب على ترسيخه في أذهان العراقيين. أما لماذا هذا التأخير فلأسباب كثيرة سنحاول إيجازها.
أولا، اقترنت قيادة المجلس بعائلة السيد محسن الحكيم، المرجع الشيعي الأعلى السابق، والتي حظت بتقدير عال من قبل العراقيين، بفضل ما قدمه أفرادها من تضحيات وهم يقارعون النظام السابق، وتقديرا للمنزلة الدينية الكبيرة التي تبوأها عميد العائلة . و يتذكر الجميع كم كان حاشدا وجماهيريا ذاك الاستقبال الذي حظي به آية الله السيد محمد باقر الحكيم في مدينة البصرة عندما وصلها في شهر مايو/ أيار 2003 قادما من المنفى الإيراني.
ثانيا، يعتبر المجلس كيانا مذهبيا (شيعيا) صافيا، وليس كحركة الوفاق وحزب المؤتمر والحركة الدستورية الملكية. وهذا عامل قوة له في تلك الأيام. إذ دخل المجلس العراق والبلاد تعيش توهجا مذهبيا وطائفيا غير مسبوقين.
ثالثا، كان المجلس قد دخل العراق ومعه، بل سبقته، قوة عسكرية كبيرة هي فيلق بدر، نجح أفرادها في السيطرة على الشارع العراقي في جنوب ووسط العراق، وبعد ذلك من التغلغل في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والأمنية.
رابعا، استخدم المجلس إمكانيات مالية هائلة كرسها للترويج لنفسه، عن طريق إنشاء الجمعيات والمؤسسات الثقافية، ناهيك عن نشاط خطباء المنابر من أعضائه ومؤيديه.خامسا، ظل المجلس يتصرف عمليا، ويوحي للعراقيين بأنه الجهة الأكثر قربا للمرجعية الدينية بشخص السيد علي السيستاني، وأنه موجود لتنفيذ أوامرها. والسبب الأخير يتمثل في أن المجلس لم يخض الانتخابات منفردا، وإنما عن طريق ائتلاف شيعي موحد لجميع الكيانات الشيعية، وحرص أن يكون هذا الائتلاف بقيادته. هذه العوامل وأخرى غيرها ساعدت المجلس أن يظل لاعبا رئيسيا داخل الساحة العراقية، لكنها، مع ذلك، لم تحل دون تراجع شعبيته أثناء انتخابات المحافظات الأخيرة التي جرت مطلع العام الجاري. صحيح، أن المجلس ليس الوحيد من بين الأحزاب الدينية التي تراجعت شعبيته في تلك الانتخابات، إذ شمل هذا التراجع جميع أحزاب الإسلام السياسي في الوسط والجنوب والمناطق الغربية، إلا أن خسارة المجلس كانت أشد وطأة بسبب عوامل القوة التي كان يتمتع بها، وأشرنا إليها توا. إذن، كيف ولمن نعزي أسباب التراجع ؟

في الضفاف، بعيدا عن الأعماق
قلنا في البداية أن المجلس الإسلامي الأعلى ولد، مع حركات أخرى، خارج العراق، أي على الضفاف، وليس في عمق المجتمع العراقي. ولكن المجلس لم يولد فقط على الضفاف، وإنما ترعرع واشتد عوده على الضفاف، وتجاوز مرحلة المراهقة وهو على الضفاف، وبلغ سن النضج، وهو ما يزال على الضفاف، أي في إيران. وعندما أسس المجلس ذراعه المسلحة (فيلق بدر) فأنه لم يشكلها من أعماق المجتمع، إنما من الضفاف: مجاميع من العسكريين العراقيين أوقعتهم الصدفة وحدها في أسر القوات الإيرانية، ثم (تابوا) (ولا يعرف أحد عن أي جرم تابوا)، ثم جعل منهم المجلس أداته العسكرية الضاربة.

خطوة لم تستكمل
عندما وصل آية الله السيد محمد باقر الحكيم إلى البصرة في 10/5/2003 ألقى خطابا كان خطوة واسعة نحو الأعماق وابتعادا عن الضفاف، أي أنه كان خطابا (عراقيا وطنيا) ، أكد فيه الحكيم على ثوابت وطنية شاملة تتجسد في (تحكيم أرادة الشعب العراقي بسنته وشيعته وأكراده وتركمانه وحتى أقلياته، في أقامة حكومة ديمقراطية، وحكم الشعب نفسه بنفسه). لكن المجلس لم يقرن، لاحقا، تلك الخطوة بخطوات انفتاحية أخرى. إذ ظل المجلس يسبح قريبا من الجرف المذهبي، ولم يتقدم كثيرا نحو الأعماق، لا العمق الوطني العراقي، ولا حتى عمق (المجتمع) (الشيعي)، أي العراقيين الشيعة كطائفة أو كمجتمع تعددي على كل المستويات. المجلس ظل يحرث ويزرع فقط في الجرف المذهبي. وتحقيقا لهدفه هذا، وإصرارا على السير في الطريق هذا، حاول المجلس، وأحيانا بلجاجة، خلق (هوية) شيعية على مقاساته هو، وخلق (وعي) شيعي، أيضا على مقاساته الخاصة به. لقد ظل المجلس الأعلى الإسلامي ينظر إلى العراقيين الشيعة ويتعامل معهم وكأنهم يعيشون في عراق القرن الثالث أو الرابع الهجري، وليس في ظل الدولة/ الأمة (العراقية) التي مضى على تكوينها أكثر من قرن، وليس في عراق القرن الحادي والعشرين الميلادي الذي أسس العراقيون الشيعة جميع أحزابه السياسية المدنية، وقادوا أو ساهموا في جميع ثوراته الوطنية، وأنجزوا معظم رواياته ودواوينه ولوحاته التشكيلية، وفنونه المعمارية العابرة للمذاهب والطوائف. وربما وفقا لهذه النظرة المنعزلة وتطبيقا لها، ظل رئيس المجلس السيد عبد العزيز الحكيم يتصرف ك(نقيب الطالبيين)، أو (نقيب العلويين) وليس كزعيم وطني عراقي. كان السيد عبد العزيز الحكيم وهو رئيس أكبر كتلة في البرلمان العراقي (أي المؤسسة الجامعة لكل أطياف ومكونات الشعب)، ومعه قادة كبار من حزبه يحتلون مواقع رفيعة في جمهورية العراق (أي الجامعة، أيضا، لكل المكونات العراقية) وكل منهم يضع، الوشاح الأخضر (العلوي)، على كتفه خلال استعراض المواكب الحسينية، أو وهم يحركون قدور (الهريسة). بالطبع، أن كلامنا لا يتعلق هنا بمصادرة حق أي عراقي في التعبير عن ولاءه الديني أو المذهبي، فهذا أمر مفروغ منه، وكلامنا ليس له صلة بمعرفة صدق أو عدم صدق مشاعر هولاء القادة السياسيين، وإنما نتحدث عن مغزى (الرسالة السياسية) التي يريدون إيصالها، ونتحدث عن مغزى تفرد المجلس وحده، من دون سائر التنظيمات السياسية الشيعية الأخرى، في ممارسات كهذه.وربما وفقا للنظرة إياها وتطبيقا لها، أيضا، أنفرد المجلس الإسلامي الأعلى، من دون بقية المكونات السياسية الشيعية الأخرى، في الإلحاح اللجوج على قيام إقليم جنوب بغداد (الشيعي)، وعلى نسبة خمسين زائد واحد التحاصصية، وعلى قيام الدولة الإسلامية الفيدرالية العراقية (تراجع المجلس عن كل هذه المطالب بعد نتائج الانتخابات المحلية)، ناهيك عن بعض التضمينات و الإشارات المذهبية التي وردت في ديباجة الدستور.

نشاط دؤوب و حصيلة متواضعة
السؤال الآن هو: كيف رد العراقيون الشيعة على أطروحات ومواقف المجلس هذه، مع كل ما يملكه معها من قوة عسكرية، وإمكانيات مالية، ونشاط سياسي، منذ تأسيسه مطلع ثمانينات القرن الماضي وحتى بداية العام الحالي ؟ الجواب قدمته انتخابات المحافظات التي جرت عام 2009، أي بعد مرور خمس سنوات على التغيير السياسي، وتجسد في تراجع شعبية المجلس (ومعه بقية الأحزاب الدينية السياسية الشيعية والسنية). السؤال الأخر: ما هي الاستنتاجات والدلالات السوسيو جيو بوليتيكية لهذا التراجع ؟ الدلالة الأولى هي، أن العراقيين الشيعة لا يعيشون، كما يزال يفكر المجلس الأعلى الإسلامي، في القرن الثالث أو الرابع الهجري، وإنما في عام 2009، بكل ما يكتنزه هذا التاريخ من تغيرات وتطورات وتعديلات واكتشافات وتطبيقات حدثت في كل ميادين المعرفة، خصوصا في الفكر السياسي وفي الميدان الانثروبولجي وفي الاكتشافات الأركولوجية ، كونيا وعراقيا (لنتذكر بشكل خاطف ما يلي: quot; نحن أبناء الرافدين ... صناع الكتابة ومهد الترقيم على أرضنا سن أول قانون وضعه الإنسانquot;، الذي ورد في نص ديباجة الدستور الحالي. لنتذكر، كذلك، مصطلح دولة القانون الذي ظهر به حزب الدعوة الإسلامية العراقي الشيعي، و لنتذكر أيضا، لجوء غالبية الأحزاب السياسية الحالية هذه الأيام، بما في ذلك المجلس الأعلى الإسلامي، لإطلاق تسمية quot;الوطنيquot; عليها، بعد أن ظن العراقيون أن هذه المفردة ماتت وتم استبدالها بمفردتي النواصب والروافض).
الاستنتاج، أو الدلالة الثانية هي، أن العراقيين الشيعة هم شيع وأحزاب وفئات وطبقات، وأنهم ليسوا بحاجة لقوة سياسية تدافع عن المذهب، لأن هذه المهمة يستطيعون تأديتها بأنفسهم، ولأن المذهب لم يهدده أحد، أصلا، وإنما هم بحاجة إلى قوى سياسية تدافع عن مصالحهم المعاشية المتنوعة والمتباينة، بل والمتناقضة. هذه القوى تمثلت في بداية الأمر بالائتلاف العراقي الموحد بقيادة المجلس. ولكن عندما تيقن الناخبون أن هذا الائتلاف فشل في مهمته، فأنهم استداروا إلى قوى سياسية أخرى، وعندما وجدوا في السيد يوسف الحبوبي ضالتهم فأنهم قدموه على سائر الأحزاب الدينية الشيعية في محافظة كربلاء. ثم التفتوا، ليس إلى قائمة (دولة المذهب)، وإنما إلى قائمة (دولة القانون)، المدني بالطبع. وها هم، استعدادا للانتخابات القادمة، بدأوا يلتفتون إلى قوائم لأحزاب ولشخصيات سياسية أخرى، مستفيدين من المعطى التاريخي (أي الآلية الديمقراطية) الذي توفر لهم عام 2003، وحولوه هم إلى حقيقة كونكريتية في عام 2005. وما دامت هذه الآلية الديمقراطية موجودة فأن هذه المحاولات سيكررها الناخبون العراقيون، ليس في منطقة واحدة وإنما في جميع أنحاء العراق، طالما أن هناك دورات انتخابية ستجرى. وستختلف اختيارات العراقيين المستقبلية، وتتنوع، وربما تتقلب بسرعة فلكية. كل هذا سيكون رهنا بنوعية وطبيعة المتغيرات، وبالتالي الاصطفافات التي سيشهدها المجتمع ( علينا هنا أن لا ننسى أبدا أن العراق مرشح ليصبح أول دولة منتجة للنفط في غضون العقدين القادمين، وعلينا أن نتمعن منذ الآن بالنتائج العملية التي ستحدثها هذه الثورة الاقتصادية في بنية المجتمع العراقي).

تحديات يواجهها المجلس
الآن، ماذا عن مستقبل المجلس الأعلى الإسلامي ؟ المجلس ما يزال قوة سياسية تطمح أن تظل مهمة وسط الأحزاب السياسية الدينية الأخرى، ووسط الأحزاب غير الدينية الناهضة. لكن على المجلس، لكي يحقق طماحه ، أن لا يخوض فقط تحديات كثيرة تواجهه، وإنما عليه أن يربح التحديات. وهذه التحديات كثيرة، منها: تحدي الذات، أي أن يراجع المجلس شعاراته وأفعاله ومطالبه وأهدافه، وعلاقته مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مراجعة جذرية، وأن لا يكتفي ب(تجميد) بعضها، وتلميع بعضها الأخر، وتبرير بعضها الثالث، بأي ثمن. التحدي الأخر سيكون مع التيار الصدري غريمه السابق وحليفه الحالي: من منهما سيترأس الحكومة (هذا إذا فازوا)، ومن سيتزعم الائتلاف، ومن سيكيف برامجه السياسية تنازلا للأخر، وهل أن الطرفين، خصوصا قواعدهما وكوادرهما، نسوا خلافاتهم الدامية السابقة، أم أنهم تناسوها وأنها ستنفجر في أول منعطف صعب. التحدي الثالث سيكون مع المالكي، الخارج من انتخابات المحافظات بأقل الخسائر، والرافع لشعار دولة القانون، والخائض حربا ضد المليشيات الشيعية، والذاهب صعدا باتجاه الانفتاح السياسي والاجتماعي، والمبادر لنقد المحاصصة ونقد الدستور، والمطالب بإقامة دولة مركزية، وإزالة الالتباس بخصوص علاقة المركز مع المحافظات. فالمالكي هو الذي بادر، وهو الذي افتتح طريق التغيرات الجارية الآن. المالكي هو النسخة الأصلية. وليس أمام المجلس سوى خلق نسخته الأصلية هو. التحدي الرابع سيكون مع البولاني وحلفائه، ومع علاوي وحلفائه، فالاثنان يطرحان نفسيهما كقائدين عراقيين علمانيين وطنيين، يتموضعان على يسار الأحزاب الدينية السياسية. والطرفان يطمحان و يسعيان، ليس فقط إلى مليء الفراغ الذي لم تستطع الأحزاب الشيعية الناشطة على الساحة أن تملأه حتى الآن، وهو فراغ حقيقي وواسع جدا تمثل في النسبة العالية للذين قاطعوا انتخابات المحافظات الأخيرة، بل هما يطمحان للفوز بأصوات القاعدة الشعبية التي منحت أصواتها سابقا إلى أحزاب الائتلاف الموحد.