أعتقد أنّ قوانين الحريات العامة ومن ضمنها حرية التعبير في أوربا، أسهمت بنسبة عالية في تنمية وتزايد الأفكار المتطرفة الداعية للعنف والإرهاب، الذي غالبا يتمّ من خلال عرب ومسلمين، يقدّمون أنفسهم على أنهم (دعاة) أو(مفتين) مسلمين، لأن الدخول عبر أية تسمية مشتقة من الإسلام أو لها علاقة به، فهي أسرع وسيلة لتمرير هذه الأفكار المتطرفة، لعقول وقلوب نسبة عالية من الشباب الذين مرّوا بمراحل غسيل دماغ، جعلتهم نتيجة جهلهم وعدم ثقافتهم، يصدّقون هؤلاء الأدعياء الذين نصّبوا أنفسهم زورا كناطقين بإسم الإسلام. هناك فرق كبير بين أن يتحدث الشخص باسمه أيا كان هذا الإسم، وبين أن يلحق بإسمه صفة (الداعية الإسلامي) أو (المفتي الإسلامي) وغيرها من الصفات المشتقة أو المنسوبة للإسلام وما أكثرها. لذلك فإن صورة العربي أو المسلم في الدول الأوربية والأمريكية لا يأخذها المواطن الأوربي أو الأمريكي من قراءته الكتب والمصادر الإسلامية، بل من تصرفات العرب والمسلمين في تلك الدول وممارساتهم المقرونة بتصريحات من أولئك مدّعي العمل في الدعوة والإفتاء، مستغلين قوانين حرية التعبير في أوربا وأمريكا كونها تتسع لغالبية الأفكار.

من هنا يستغل هؤلاء الأدعياء باسم الإسلام هذه القوانين لبث أفكارهم الشاذة والمتطرفة الداعية للعنف والإرهاب، مما يشوّه صورة العربي والمسلم في كافة تلك الدول. وبالتالي ما تعيشه تلك الدول ليست (إسلام فوبيا) مصطنعة، بقدر ما هي حقيقة نتاج تصرفات نسبة من العرب والمسلمين، خاصة الذين يقدّمون أنفسهم كدعاة وناطقين باسم الإسلام. والغريب لحد الدهشة لو أنّ اوربيا نادى بنسبة بسيطة من نوعية تلك الأفكار، باتجاه العرب والمسلمين سواء وهو في أوربا أو في بلاد المسلمين، لشاهدنا عشرات المظاهرات ودعوات الاحتجاج والمقاطعة وحرق السفارات، كما حدث ردا على الرسوم الكاريكاتورية الدانمركية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم. بينما عندما يصدر ما هو أسوأ منها من عرب ومسلمين في أوربا وأمريكا اتجاه الأوربيين والأمريكان، تقابل تلك الأعمال بالتصفيق والدعم من جمهور المغسولة أدمغتهم الذين نسبة الأمية بينهم تزيد على ستين بالمائة، والسكوت التام المطبق من كافة علماء وشيوخ العرب والمسلمين، بما فيهم من يقدّمون أنفسهم على أنهم من دعاة التسامح والاعتدال والتعايش وحوار الديانات، والتخوف هنا نابع من المثل العربي القائل (إنّ السكوت علامة الرضا).

والدليل أنه طوال عشر سنوات متتالية من تحمل أسامة بن لادن ومساعده أيمن الظواهري مسؤولية أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإجرامية، والافتخار بها سنويا واعتبار الإرهابيين الذين قاموا بها أبطالا وشهداءا مصيرهم الجنة، لم يصدر أي تصريح أو فتوى إدانة لهذه الأعمال الإرهابية ومن أعلنوا مرارا مسؤوليتهم عنها، رغم أن من بين ألاف القتلى مئات من العرب والمسلمين، فأين هؤلاء الشيوخ والدعاة الساكتون من قول الله تعالى (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا). فلماذا السكوت على هذا الإجرام بحق أبرياء، لا دخل لهم بتصرفات حكوماتهم إن حاول البعض أن يعزي هذا الأعمال لسياسات حكامهم؟. والداعي لإدانة هذا السكوت المشين، هو أنه لم تصدر أية إدانة من شيخ أو فقيه أو مرجع إسلامي لجريمة وإرهاب قتل ما لا يقل عن ثمانين مواطنا عراقيا في كنيسة النجاة ببغداد قبل أيام قليلة. من يتصور هذا الإجرام الذي يسمح المجرمون الإرهابيون الذين قاموا به لأنفسهم أن يقتلوا بالسكين ويجزوا رقاب الكهنة والأطفال المسيحيين؟. بينما أقام هؤلاء الساكتون الدنيا ولم يقعدوها بعد على احتجاج شخصيات ومنظمات أمريكية رافضة لبناء مسجد قرب موقع إرهاب الحادي عشر من سبتمبر؟. أية إزدواجية ونفاق هذا خاصة في ظلّ العشرات من الأمثلة الفاقعة ومنها؟.

مواقف وتصريحات عمر بكري

يقدّم هذا الشخص نفسه على أنّه (داعية إسلامي)، ويصفه أتباعه بأنه متشدد، وعاش في بريطانيا عشرين عاما (1986 ndash; 2005)، وكان طوال هذه السنوات يصول ويجول ويعيش على حساب دافع الضرائب البريطاني، لأنه لم يعمل يوما ما في عمل رسمي يدرّ عليه دخلا ماديا يعتاش منه، رغم أن مال الضرائب البريطاني في عرفه مال حرام، إلا أنه أيضا حلال طالما هو يعتاش منه، ويتنقل ناشرا أفكاره الإرهابية التي تحث على العنف والقتل، وتشيد بالقتلة كما وصف مجرمي الحادي عشر من سبتمبر بأنهم (أبطال رائعون). وقد أعلن بصفته وصيا على العالم أجمع بأن رئيس الوزراء البريطاني السابق جون ميجور الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين والرئيس الباكستاني برويز مشرف، أهدافا مشروعة للقتل والاغتيال. فلماذا ذهب في عام 1986 يستجدي بريطانيا اللجوء والإقامة، ووفرتهما له طوال عشرين عاما؟. وقد تمّ إبعاده وترحيله من بريطانيا قبل خمسة أعوام، ولم يسمح له بالعودة للبلاد التي خدعها وأخلف وعده لها رغم أنها أطعمته من جوع وآمنته من خوف، وإلا لماذا هرب من وطنه سوريا ولجأ إلى بريطانيا؟.

هذا الشخص ظل متخفيا في طرابلس شمال لبنان التي لجأ إليها، بسبب أنه يحمل الجنسية اللبنانية بالإضافة للجنسية السورية. وطوال السنوات الخمسة الماضية، وهو يشجع العنف والإرهابيين من جحره في طرابلس، إلى أن اعتقله الأمن اللبناني يوم الأحد الرابع عشر من نوفمبر 2010، بسبب حكم سابق صادر عليه بالسجن المؤبد بتهمة تنفيذ أعمال إرهابية، والانتماء إلى جماعات مسلحة محظورة وحيازة أسلحة ومتفجرات، ومساعدة مجرمين فارين من جه العدالة على الاختفاء والهروب. هذا الداعية العبقري حامل زورا بعض مفاتيح الجنّة، لا يعترف بالقانون الوضعي في لبنان وبريطانيا، ويطالب بتشكيل محكمة شرعية إسلامية لمحاكمته. ورغم كل ذلك يظلّ هذا الشخص محل شبهات كثيرة حسب تصريح المسؤول الأمني اللبناني، بأنه laquo;كان يستخدم نشاطه الديني غطاءً لنشاطه الاستخباري المشبوه، وأنه كان تحت مراقبتنا إلى حين تجمّعت لدينا معطيات خطيرة عنهraquo;.

وأنغام شوادري على الطريق نفسه
هذا الشخص (43 عاما) و يقيم في بريطانيا، ويقدّم نفسه رسميا بأنه (مفتي مسلم)، وحسب اسمه غالبا فهو باكستاني أو إيراني الأصل. هذا المفتي دعا في نهاية عام 2009 علنا ملكة بريطانيا اليزابيث التي ترأس بروتوكوليا الكنيسة الإنجيلية البريطانية، إلى اشهار إسلامها كي تضمن دخول الجنّة، ودعا صراحة إلى إنقلاب إسلامي في بريطانيا- المملكة المتحدة. وطالب بتنظيم مظاهرات ومسيرات لرفض الديمقراطية البريطانية التي لا تعجبه، متناسيا أنّ هذه الديمقراطية هي التي أتاحت له نشر هذه المواقف التي تتنكر أيضا للبلاد التي آوته وأعطته جنسيتها.
هل يجرؤ في بلاده،
سواء كانت باكستان أم إيران أم أية دولة إسلامية، أن يعلن رفضه وتمرده على الفساد والقمع والسجون ومصادرة حريات البشر وزجهم في السجون بدون أية أسباب؟. أيهما ينسجم أكثر أيها المفتي مع رسالة الإسلام هداية البشر في بلادك الإسلامية أولا أم دعوة البريطانيين لدخول الإسلام؟. هل يجرؤ في بلاده الإسلامية أن يدعو الحاكم أن يتق الله في تصرفاته وبذخه وتبذيره؟. هل يتذكر هذا المفتي قول الرسول صلى الله عليه وسلم (أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر)؟. وماذا كان العرب والمسلمون سيفعلون لو قام شخص أوربي أو أمريكي بدعوة الحكام العرب والمسلمين لدخول المسيحية؟.


استغلال الإسلام كتجارة للشهرة والثروة
للأسف الشديد، فقد حوّل هذا البعض من دعاة الفتوى والمشيخة الإسلام إلى سلعة للشهرة وجني الأموال، بدليل أن أغلب هؤلاء الدعاة من الأثرياء، ودخل بعضهم قائمة أصحاب الملايين، دون أن يفكروا لحظة واحدة في اساءاتهم للإسلام وصورة المسلمين في أوربا وأمريكا وكافة البلدان. لذلك فهي ليست نزعة ضد الإسلام في هذه المجتمعات، بقدر ما هي ضد تصرفات هولاء الذين يعتبرون أنفسهم ناطقين باسم الإسلام، مستغلين مساحة الحريات والقوانين الأوربية، وإلا فليعودوا لأوطانهم يناضلوا من أجل تحقيق الديمقراطية والحرية والمساواة ومحو الأمية وغيرها الكثير، وبالتالي تتزايد الدعوات لتغيير القوانين الأوربية كي تضبط تصرفات دعاة العنف والإرهاب هؤلاء.
[email protected]