قد يكون الشعر في صالح السياسة، وقد يكون بالضدِّ منها. وقد تكون السياسة في خدمة الشعر، وقد تتلفه أيضاً. لكن، يبقى الشعر، خزين الخيال، ومضمار الأحاسيس والانفعالات والخلجات والاعتلاجات العميقة حيال حدثٍّ أو شخصٍّ أو مكان أو ظرفٍ، ذاتي أو موضوعي معيّن. ومثلما لا تكال السياسة بالشعر، لا يُكال الشعر بالسياسة.

ثمّة حملة تشهير وتحقير وإهانة وتلويث... يتعرَّض لها كل من الشاعر الكردي المهمّ، أحمد حسيني، والأديب والقاص والروائي المهمّ، حليم يوسف (لأنّهما يعملان في فضائية روج الكرديّة)، من قبل بعض الحثالة، الذين أقلَّه ما يُقال فيهم: أنجاس الثقافة، ممن امتهنوا الطعن وتسفيه الأمور، وتجييرها، لغايات شخصيَّة، ونوايا لئيمة مبيَّتة، وأغراضٍ مفضوحة!. وحملة التشهير تلك، تمتدّ من أزلام أردوغان من عشَّاق الفلوس، وقذري النفوس، في quot;TRT6quot;، وصولاً لمواقع الكترونيَّة كرديّة، ميَّالة وممولة من قبل أقطاب ورموز الفساد والإفساد في كردستان العراق، وغنيٌّ عن البيان أسماؤهم وبنيانهم الثقافي والإعلامي ومآلاتهم السياسيَّة.

بعض أولئك الحثالة والسفلة، شقَّوا أنفسهم، وأسرفوا أوجالان بالرجم والقدح والذَّم، كي يرضى عنهم الـquot;M?Tquot; التركي، الذي يدير قناة الأتراك الناطقة بالكرديَّة، بالشراكة مع أردوغان، وأوصلوا أنفسهم لما دون الحضيض، حين كانوا يسجِّلون خفيةً، من وراء قناة عبدالحليم خدام، التي عملوا فيها، وضمن هذه القناة، وبأدواتها، كانوا يسجِّلون أشرطة بالكرديَّة، كي يرسلونها لـquot;TRT6quot;، في مسعى طلب العمل في هذه القناة!!. ليس هذا وحسب، بل كانوا يبرقون الرسائل الالكترونيَّة إلى الفنانة روجين، التي كان لها برنامج على القناة التركيَّة، مادحاً شجاعتها!. وقد قرأت روجين إحدى إيميلاتهم أثناء تقديمها لبرنامجها!!. يعني، هؤلاء النقّاد والمثقفون، الذين طعنوا في أحمد حسيني وحليم يوسف، (وهما كانا من أعزَّ أصدقائهم)، كيف ليّ أن أثق بنقدهم في أوجالان وحزبه، حين تبدو لي بطانتهم وغاياتهم وتهافتهم المريع على أحذية الأتراك وتقبيلها، وبل لعقها، بكلِّ ما للعبارة من معنى؟!. كيف لي أن أثق بنقدهم وصحافتهم ولباقتهم وليقاتهم ومواهبهم النقديَّة...، حين يبان لي كل هذا السخف والمهانة التي أوضعوا أنفسهم فيها، جرياً وراء المال، والمال فقط، أيَّاً كانت الأكلاف، حتى لو كانت على حساب قضايا شعوب، ونضالات وثورات ودماء وتضحيات وعذابات أمّة...الخ!؟. كيف لي أن أصدِّق شخصاً، يرى الثوارات، quot;أكذوبةquot;، حين أعرف، بأنّ نقده كان أكذوبة، الهدف منها، تثبيت حضور، وتسجيل مواقف عند الأتراك؟!. هكذا ناقد، هو مشروع مرتزق، من أردأ الأنواع وأقبحها. وإذا كان هذا الأسم العلم، في حقل الشعر والنقد والأدب والرواية، والإعلام سابقاً، من هذه القماشة المهترئة، والطينة النتنة، في نقده لأحمد حسيني وحليم يوسف، يغدو اناس من وزن قادو شيرين، لا يمكن تحميلهم أكثر مما ينبغي، والاحتفاء بهم كـquot;نقَّادquot; وquot;جريئينquot;، ومقالاتهم quot;رائعة وممتعةquot;، كما ذهب أحدهم، مدفوعاً بمواقفه المعروفة من quot;أوجالانوسquot;، أكثر من حرصه على الكلمة!.

والسؤال هنا، لو كان quot;بارزانيوسquot; أو quot;طالبانيوسquot;، تعرَّض ما تعرَّض له أوجالان، من مؤامرة دوليَّة، وتواطؤ كلّ قوى الشرّ في العالم على اختطافه، وبقي في السجن الانفرادي لأحد عشر عام، أما كان واجباً إنسانيّاً ودينيّاً وأخلاقيّاً ووطنيّاً وقوميّاً وثقافيّاً الدفاع عن طالباني وبارزاني، بكلِّ ما أوتينا من رابط القول والفعل؟!. وأقولها هنا: لو كان طالباني وبارزاني، أو أيّ زعيم كردي، تعرَّض لما تعرَّض ويتعرَّض له أوجالان، لأذبحنَّ قصائدي وكتبي ومقالاتي، قرابيناً تحت قدميه. وفي الوقت عينه، أجد في نفسي الجرأة والقدرة على انتقاده في الكثير من الأفكار والسياسات!. والحقُّ أن أوجالان، هو أكثر من انتقد نفسه، فكريّاً وسياسيّاً، ولم يكترث بكيد الناقمين والحاقدين والمناوئين والمزايدين. يكفيه شرفاً أنَّه لم يقتل سعيد ألتشي، ثم الدكتور شفان. يكفيه شرفاً أنّه لم يسلِّم جثّة سليمان معيني لنظام الشاه!. يكفيه شرفاً أنّه لم يحمل سلاح النظام العراقي ضدّ الملا مصطفى بارزاني!. يكفيه شرفاً أنّه لم يحمل سلاح الخميني ضدّ عبدالرحمن قاسلمو!. ولم يتورّط في استجلاب مذبحة حلبجه!. يكفيه شرفاً، أنّه لم يتسبب في تحويل الحزب الكردي في سورية الى 99 حزب!. يكفيه شرفاً أنّه لم يستدعي الجيش العراقي لطرد طالباني من هولير، وإجبار طالباني على استدعاء الجيش الايراني لإرجاعه الى السليمانيّة!. ويكفيه شرفاً انّه لم يلجم نشاط الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب كومله ضدّ النظام الايراني!. ويكفيه شرفاً أنّه لم يضع يده في يد الموساد والـquot;M?Tquot; والسفاك والـquot;C?Aquot;!. لكنّ ما يعاب على أوجالان، علاقاته مع النظام السوري، في فترة جد حرجة من حياة حزبه وثورته، وبعض تصريحاته وقتها، التي لا تشكلّ شيئاً امام تصحريات طالباني اليوم، في مدح النظام الايراني والتركي والسوري السابق _ الحالي، وطالباني يعاني من الانفراج والبحبوحة السياسيّة، وهو رئيس العراق، وليس في ضائقة تجبره على تلك التصريحات، خلاف ما كان عليه أوجالان أثناء فترة تواجده في دمشق!. ويكفي أوجالان فخراً وشرفاً، أنّه قاد ولمّا يزل، ثورةً هزّت عروشاً وجيوش إقليميّة، في مقدِّمها الجيش التركي، وأرعبت أفكاره الاقطاعات السياسيّة الكرديّة، فتكالبت عليه كل القوى الاقليميّة الدوليّة لإزاحته من المعادلة السياسيّة الكرديّة، فما استطاعت الى ذلك سبيلا، فخسئت، وساءت مآليها.

أمّا ان يكتشف البعض مهارات قادو شيرين النقديّة، لأنّه انتقد أحمد حسيني، على عبارة شعريّة، ويقارن الحسيني بمنتظر الزيدي، ثم يغمز ويلمز من ساقيّة الارتزاق، فاللهم أجعل كلام كاتب هذه السطور، خفيفاً على قلبهم ووعيهم، عملاً بما نادوا به؛ من ضرورة النقد، ونقد النقد!. وأمّا الحسيني وشعره، يبقى من بين أنظف وأنصع وأهمّ ما يبدعه الكرديّ حديثاً، قبل أن ارتضى حسيني نحر قصائده تحت حذاء اوجالانوس، وبعد ذلك أيضاً. وهذا النحر، لم يحطّ من شأن كلامه، كما يرى البعض ويهوون ذلك، فقط لأنّ الممدوح هو أوجالان، بل أن كلام حسيني، شعراً، أوصل خطاباً للنظام التركي، واضح المعالم والمآلات. ويجب نقد الشعر، بمكاييل النقد الأدبي، وليس بمعايير ومكاييل الخصومات والمناوءات والمناكفات السياسيّة والايديولوجيّة!. هذا إنْ كان الناقد ممتلكاً لأدواته، ولديه مراس نقدي رصين، يستند لأرضيّه معرفيّة، منهجيّة، تؤهِّله لذلك. وكان على مَن أشاد بقادو شرين، أن يتساءل: لماذا لم يدوّن شرين مقالته quot;الشرينةquot; الرائعة تلك، فور نشر حسيني لقصيدته، وحرمه من كلّ تلك المتعة المبيّتة البائتة التي دفعته لكتابة مقالة، مدح فيها شرين، وانقد احمد حسيني، حاشراً في تلك المقالة سلّة من المواضيع المختلطة، من التصوّف في مصر، والنقد والسياسة وعلم الاجتماع، والنظام المصري...الخ؟!. لكن، أيّاً يكن من أمر، فللمبدعين عاقبة الأمور، وللمدّعين، حضيض الكلام.