عقدت حركة quot;مصريون ضد التمييز الدينىquot; مؤتمرها الثانى لمناهضة التمييز الدينى فى التعليم فى الفترة من 24-25 إبريل 2009، وقد صدرت أوراق المؤتمر فى يناير 2010 فى كتاب بعنوان quot; التعليم والمواطنةquot;. وكان المؤتمر الأول للحركة قد عقد فى الفترة من 11-12 إبريل 2008 وتناول موضوع التمييز الدينى بشكل عام وصدرت أوراقه بعد ذلك فى يناير 2009 فى كتاب بعنوان quot; مصر لكل المصريينquot;، وهى كتب قيمة ستعيش للتاريخ، فإذا تدهور وضع مصر فستكون قد قامت بواجبها وحذرت من أسباب هذا التدهور وتداعياته، وإذا أخذ بتوصياتها وانصلحت الأمور فستكون قد شاركت بفاعلية وهمة فى هذا الاصلاح..... وقبل ذلك وبعده فهذه الكتب والمؤتمرات هى شاهدة على فساد وعنصرية وإنحطاط عصر برمته.ويشرفنى مشاركتى فى تأسيس هذه الجماعة الوطنية وبتقديم بحث فى كل من المؤتمرين،ويسعدنا أيضا فى منتدى الشرق الأوسط للحريات بمشاركتنا فى طباعة هذه الكتب وبتوزيعها مجانا على المثقفين الذين يتحدثون فى ندوات المنتدى.
لأهمية وضع التعليم فى تفسير تدهور الأوضاع فى مصر وتفشى التمييز الدينى بها سوف نخصص ثلاث مقالات لعرض أهم ما جاء فى المؤتمر والكتاب، وهذه المقالة سوف تخصص تحديدا لأحد الأبحاث القيمة التى تناولها المؤتمر والكتاب، والبحث بعنوان quot; المؤسسة التعليمية وجماعات الإسلام السياسىquot;، وقد بذل مؤلفه الدكتور عصام صيام جهدا كبيرا فى تجميع وتوثيق دور الإسلام السياسى مع سبق الاصرار والترصد فى أسلمة وتخريب العملية التعليمية برمتها فى مصر.والحقيقة أن نتائج هذا البحث معروفة للمتابعين للعملية التعليمية فى مصر فى العقود الأربعة الأخيرة، ولكن الجديد فى هذا البحث هو الوصول لهذه النتائج عبر تجميع الباحث كما يقول لقوائم تشمل عشرات الآلاف من المدرسين والطلاب المنتمين لجماعات للإسلام السياسى والمنخرطين بشكل مباشر فى تخريب العملية التعليمية، وقد قام الباحث بتجميع هذه القوائم من ملفات القضايا التى عرضت أمام المحاكم والمتهم فيها الكثير من اعضاء هذه التنظيمات الإسلامية. وعمل الباحث على جدولة هذه الأسماء وفقا لتقسيمات محددة ثم قام بتحليلها والوصول إلى نتائج بحثه بناء على هذا التحليل، وارفق نماذج من هذه الجداول بورقته البحثية.
ومن خلال قراءة متأنية ومدققة لهذه الورقة الهامة نصل إلى نتائج خطيرة ومتشائمة بالنسبة لمستقبل التعليم فى مصر ومن ثم مستقبل مصر برمته:
اولا:أن جماعات الإسلام السياسى بكافة أجنحتها الدعوية والجهادية منخرطة فى هذا التخريب المتعمد للعملية التعليمية، الفرق بين الجهاديين مثل الجماعة الإسلامية، والجهاد، والشوقيين وغيرهم، وبين الاتجاه الدعوى مثل الإخوان، والدعوة والتبليغ والسلفيين وغيرهم هو فى استراتيجية التوظيف المباشر للمؤسسة التعليمية،فالجماعات الجهادية اعتبرت المؤسسة التعليمية قاعدة للتجنيد المباشر لتنمية عضوية الأجنحة المسلحة وهو ما يتفق مع توجهها الإنقلابى العنيف للسيطرة على الحكم من أعلى لاسفل،فى حين أن الجماعات الدعوية مثل الإخوان تتبع استراتيجية التسلل واختراق مؤسسات الدولة لنشر نفوذها الفكرى والسياسى من آجل هدف السيطرة على الحكم أيضا ولكن من أسفل لاعلى.
ثانيا:أن هذه الجماعات لا تقوم فقط على نشر التمييز الدينى ولكنها تتعدى ذلك إلى نشر العنصرية والإستعلاء الدينى، بما يعنى تحول المجتمع والدولة إلى مجتمعات عنصرية بغيضة تسعى للقضاء على الآخر غير المسلم من آجل إقامة دولة إسلامية ذات نقاء دينى، فسيد قطب يرى الإستعلاء واجبا دينيا إسلاميا quot; المخالطة مع التميز، والأخذ والعطاء مع الترفع، والإستعلاء بالإيمان....فالجنسية هى العقيدة، والوطن هو دار الإسلام، والحاكم هو الله، والدستور هو القرآنquot;( سيد قطب: معالم على الطريق).
ثالثا:هناك تركيز واضح لتيار الإسلام السياسى على المدارس والجامعات فى المحافظات التى توجد بها كثافة قبطية والمناطق التى يتركز فيها الفقراء مثل محافظات أسيوط، المنيا، سوهاج، قنا،بنى سويف،الاقصر،أسوان،الفيوم،السويس، البحيرة، الشرقية، الدقهلية، المنوفية، بالإضافة إلى المناطق الشعبية فى القاهرة والجيزة والإسكندرية. وفى تقرير أمنى من وزارة الداخلية لوزارة التعليم عام 1992 ذكر أن المدارس التى تسيطر عليها الجماعات المتطرفة فى القاهرة والجيزة فقط بلغ 78 مدرسة كما جاء فى جريدة الأهالى بتاريخ 12 اغسطس 1992.فكم بالحرى يكون عدد المدارس التى تسيطر عليها هذه الجماعات فى مصر كلها عام 2010؟.
رابعا: من متابعة القضايا المتورط فيها أعضاء هذه الجماعات رصدت الأجهزة الأمنية أسماء الكتب التى يعتمد عليها هؤلاء فى تربية كوادرهم، وقد رصد الباحث 35 عنوانا لهذه الكتب وهى تعتبر وبحق مانفستو التطرف والإرهاب، ونذكر على سبيل المثال من أسماء هذه الكتب، معالم على الطريق وفى ظلال القرآن ودراسات إسلامية لسيد قطب،تذكرة دعاء المسلمين لابو الأعلى المودودى،إحياء علوم الدين للغزالى،السياسة الشرعية والعقيدة الوسطية لابن تيمية،كشف الشهاب والتوحيد لمحمد بن عبد الوهاب،رياض الصالحين للنووى، رفع الالتباس لجهيمان العتيبى،الإسلام لسعيد حوا،فصل الدين عن الدولة ضلالة مستوردة ليوسف العظم،وجه العالم الإسلامى لمالك بن نبى،الشهادة ومسئولية الفكر لعلى شريعتى،الصراع بين الحضارة الغربية والإسلامية لابو حسن الندوى،شبهات حول الإسلام لمحمد قطب.....الخ، والأخطرأن الكثير من هذه الكتب تملأ رفوف مكتبات المدارس والجامعات.
خامسا: لا تتوقف محاولات الإسلام السياسى لاختراق المؤسسات التعليمية من خلال التلميذ والطالب الجامعى فحسب بل إنها تتعدى ذلك إلى كليات التربية ومعاهد المعلمين التى يتخرج منها المدرس، فهى توصى أعضائها بالالتحاق بهذه الكليات والمعاهد، وأيضا تقوم بتدريبات خاصة لأعضائها قبل التحاقهم بالعمل فى المدرسة على كيفية نشر فكرها داخل المؤسسات التعليمية وطرق تجنيد التلاميذ والطلبة وهم فى مراحل التعليم المختلفة وتشكيل وجدانهم بعمليات غسيل مخ وهم بعد صغار.
سادسا: ولا يكتفى الإسلام السياسى بدوره داخل المؤسسة التعليمية بل يتعدى ذلك إلى الدفاع عن الطلبة والمدرسين من الإرهابيين والمتطرفين أمام القضاء،فقد ذكرت الاهرام بتاريخ 10 يوليو 1992 حكم القضاء الإدارى بأحقية عودة المدرسين الذين استبعدوا من التدريس إلى الأعمال الادارية نظرا لأفكارهم الدينية المتطرفة... وفى كافة هذه القضايا تجد فريقا من المحامين جاهز للدفاع عن هؤلاء، وذلك علاوة على اختراقهم لمؤسسات العدالة ذاتها.
سابعا: وتركيز الإسلام السياسى يمتد إلى المؤسسات التى تصنع السياسات التعليمية، فمنذ دخول الاخوان المسلمين للبرلمان منذ عام 1984 وعلى قائمة ترشيحاتهم بأستمرار عدد من المدرسين واساتذة الجامعات، وقد افرد الباحث جدولا خاصا باعضاء البرلمان من الجماعات السياسية من الذين يعملون فى حقل التعليم، وانضمام بعضهم للجنة التعليم بمجلس الشعب لعرقلة اى تحديث أو تطوير للتعليم بزعم مقاومة الغزو الثقافى ومحاولات هدم الهوية والثقافة الإسلامية.
ثامنا: ولا يكتفى الإسلام السياسى بالتلميذ والطالب الجامعى واستاذ الجامعة ومؤسسات صناعة السياسات التعليمية مثل البرلمان بل أمتد إلى الاستثمار بقوة فى إنشاء وإدارة المدارس المسمأة إسلامية، وهى كما يقول الباحث يقتصر الالتحاق بها على أبناء المسلمين ويعمل بها نشطاء منتمين لتيار الإسلام السياسى، حيث الجو الإسلامى والبرامج التعليمية الإسلامية وفرض حفظ القرآن على التلاميذ بإلاضافة إلى تفسيراتهم الخاصة للتراث الإسلامى.
تاسعا:يرفق الباحث بدراسته عددا من الجداول التى توضح مدى تغلغل تيار الإسلام السياسى فى العملية التعليمية فى مصر منذ تأسيس هذا التيار على يد حسن البنا عام 1928. فقد كان ابرز مؤسسى تيار الإسلام السياسى ينتمون إلى المؤسسة التعليمية مثل حسن البنا وكان مدرسا للغة العربية بالإسماعلية، واحمد السكرى وكيل جماعة الاخوان وثانى مؤسسيها بعد حسن البنا وكان مديرا للتعليم الزراعى بوزارة المعارف، وسيد قطب منظر الجهاد الشهير كان مدرسا للغة العربية، والشيخ صلاح ابو اسماعيل القطب الاخوانى البارز كان مدرسا للغة العربية قبل ان ينتقل للأزهر، ومحمد قطب أيضا كان موظفا بوزارة التعليم، والشيخ يوسف البدرى مؤسس جماعة الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ومثير الفتنة والذى يطارد المفكرين والمبدعين فى المحاكم بقضايا الحسبة كان مدرسا للغة العربية ببورسعيد ثم بمدرسة حلوان الثانوية بنات.
يفرد الباحث جدولا آخر لابرز قادة الجهاد وأمراء الجماعات الجهادية الذين ينتمون للمؤسسة التعليمية حيث كانوا يعملون كمدرسين فى مراحل التعليم المختلفة مثل سعد خليفة عبد الله من اسوان،وعرفة درويش من اسيوط،ومحمد السيد سليم من اسيوط،واحمد زكى الشريف من اسيوط،وعبد السلام فرج من حلوان،والشيخ حسنى من بنى سويف،وعلى عبد الوهاب من الفيوم،...الخ. ويفرد الباحث جدولا آخر لاساتذة الجامعات المنتمين لجماعات الإسلام السياسى مثل محمود عزت القيادى الاخوانى الشهير والمقبوض عليه منذ أيام، وعبد الحميد الغزالى من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومحمد السيد حبيب من علوم أسيوط،وعمر عبد الرحمن من جامعة الازهر،واحمد عوض من هندسة حلوان،والسيد عبد الستار من علوم القناة، وحسين شحاتة من تجارة الأزهر، ومحمد على بشر من جامعة المنوفية، ومحمد طه وهدان من زراعة قناة السويس، ومحمود عزت إبراهيم من طب الزقازيق، ومحيى الدين الزايط من طب عين شمس، وعز الدين ثابت من طب أسيوط، وفاروق بدران من هندسة أسيوط، وجمال على حشمت من دمنهور.... والقائمة تطول.
وإذا اضفنا إلى كل ذلك عشرات الآلاف من المدرسين الذين ذهبوا إلى الخليج حيث الإسلام الوهابى المتطرف وعادوا بهذه الأفكار المتخلفة السامة، من كل ذلك يخلص المؤلف إلى أن أوضاع المواطنة فى مصر تمر بمحنة حقيقية ويعد التمييز الدينى فى التعليم احد اخطر أشكال التمييز الذى يعانى منها المجتمع المصرى..فإذا علمنا أن عدد الطلبة يتجاوز ال 17 مليون طالب وطالبة يقضون من 16-18 سنة فى مقاعد الدراسة فى ظل هذا التعليم المتردى نكون إزاء كارثة حقيقية.
ولهذا يختم الباحث ورقته بتوصية واضحة يقول فيها أن الحديث عن تطوير المناهج أو محتوى ومضمون المقررات الدراسية أوحتى نظم التقييم والأمتحانات وأساليب التعليم كلها علاجات لا جدوى منها حيث أن الخراب وصل إلى قيم وثقافة القائمين على العملية التعليمية كلها، وهو ما يستوجب تدخل جراحى عاجل للحفاظ على حياة صاحب الجسد ذاته..وإذا تأخرنا عن ذلك ربما لن يصلح حتى التدخل الجراحى فيما بعد ويكون إعلان الوفاة ضرورة حتمية.
[email protected]