التغييرات السياسية ونوعا ماquot;الاصلاحيةquot; التي حدثت في المنطقة بعد غزو نظام البعث العراقي للکويت و ماأعقبتها من تداعيات سياسية عسکرية أخرى إنتهت بسقوط ذلك النظام، ألقت بظلالها بشکل او بآخر على الکثير من الملفات و المواضيع السياسية و حتى الفکرية و الاجتماعية في المنطقة و دفعت الى بروز بعضا من تلك الملفات و القضايا بصورة لم تکن تسنح لها في العقود الماضية.


ان الحديث عن قضايا الشعوب المقهورة و المغلوبة على أمرها في المنطقة سيقود من دون شك الى التصدي لقضية الشعب الفلسطيني بإعتباره واحدة من أهم و أعقد القضايا التي لم تشغل المنطقة لوحدها وانما العالم بأسره، تلك القضية عندما ندخل في تفصيلاتها و أبعادها السياسية و العسکرية و التأريخية، فإننا نجد أنفسنا بحق أمام قضية ذات ثقل و وزن خاص تميط اللثام عن معاناة مريرة و دامية لشعب سحقته العديد من العوامل و الاسباب و تطرح في ثناياها تأريخا حافلا بالاحداث و الوقائع السياسية و العسکرية المختلفة، لکن أهم عامل فيها هو اللف و الدوران و القفز على الحقائق و الوقائع التأريخية التي تلجأ إليها الحکومات الاسرائيلية المختلفة حينما تطرح القضية الفلسطينية على بساط البحث و المناقشة في مؤتمرات السلام المختلفة التي عقدت لحد الان، ولهذه القضية علاقة و ارتباط يتباين من حالة لأخرى و وضع سياسي لآخر من حيث التأثير عليها او دفعها لسياق معين.


وعندما نتناول القضية الکوردية أيضا، فإننا نجد أنفسنا أيضا أمام رکام من الاحداث و الوقائع التأريخية المختلفة الجوانب و الابعاد و ندخل في نفق الجغرافيا السياسية المظلم و ماجنته على شعب طيلة عقود طويلة من عمر الزمان، ويقينا ان الدخول في تفاصيل القضية الکوردية سيجعلنا في مواجهة أحداث سياسية و تأريخية حساسة و مهمة في عمر المنطقة، سواءا في إيران أم ترکيا أم العراق، حيث أن لکل منهم ملف خاص عن القضية الکوردية رغم أن أصل القضية لا و لم و لن يبدأ منذ مؤتمر فرساي کما يسعى غالبية من الکتاب الکورد و حتى العرب و الايرانيين، ذلك أن قضية حقوق أي شعب مهما کان حجمه أو عدد سکانه لايجب ربطه أبدا بمؤتمرات دولية کي تمنحه هوية الوجود إذ أنها اساسا تمتلك الهوية من خلال الارض التي تقف عليها و ذلك الرکام التأريخي الذي خلفته عبر القرون الطويلة، القضية الکوردية موجودة و هي بديهية لاتحتاج الى برهان مطلقا، وانما تحتاج الى تفعيل و تجسيد على أرض الواقع من خلال إقرار الاطراف الاخرى(المقابلة)بها و العمل بما يقتضيه ذلك الاقرار، لکن لهذه القضية تأثيرات و تفاعلات سياسية جلية و خصوصا في الدول التي تتقاسم أرض کوردستان فيما بينها.


ولم أتعرض للقضيتين الفلسطينية و الکوردية جزافا او دونما طائل، وانما قصدتهما اساسا لکونهما شغلا و مازالا يشغلان حيزا و واقعا کبيرا من الفضائات السياسية و الاعلامية و الثقافية المختلفة ولأن هاتين القضيتين(کأي قضية أخرى مشابهة لها في العالم)، تمتلکان جذورا تأريخية و تجد خيوط تأثيرهما مدافة في العديد من اهم الاحداث و الوقائع السياسية التي حدثت في المنطقة و العالم، لکنني وکما أشرت في سياق تطرقي السريع للقضية الکوردية الى أن قضية أي شعب لاتحتاج الى مجوز رسمي دولي للإعتراف بها اساسا کقضية ذلك ان مجرد وجود جماعة عرقية محددة تعيش على أرض ما و يجمعها العديد من العوامل و الهداف المشترکة ولها تأريخ يضرب في عمق تلك المنطقة التي تتواجد فيها، يدفع للإقرار بوجودها تلقائيا و دونما أي لف او دوران، ومن هذا المنطلق، فإن الاقليات العرقية الاخرى المتواجدة في العراق ومن بينها الاقلية الترکمانية، کلها أصحاب قضية لاتستوجب الاقرار بها الرجوع الى المحافل و الاطراف الدولية، لکن هنا يجب إتخاذ الحيطة و الحذر التام من هذا الطرح و ماقد يقود إليه من فهم او تفسير خاطئ، ذلك انه هناك تباين بين القضايا و ليس بالامکان ان تکون جميعها بنفس القوة و نفس الحجم و نفس التأثير، والعودة الى ماضي أية قضية بمقدوره أن يميط اللثام تلقائيا عن واقع أمر و حقيقة تلك القضية و مدى حجمها و تأثيرها.


وقبل التطرق الى الجوانب المعاصرة للقضية الترکمانية، من المفيد جدا التطرق لنبذة وجيزة عن تأريخ الترکمان في العراق، حيث تذکر المصادر التأريخية الى أن تأريخ إستيطان الترکمان في العراق يعود الى سنة 54 هجرية، عندما إستدعى القائد الاموي عبيدالله بن زياد 2000 من المقاتلي الاتراك الى البصرة للخدمة فيها کجنود، وقد أطلقت عليهم تسمية الترکمان في عهد السلاجقة، ثم بدأوا بالتوافد على العراق بعد العصور اللاحقة سيما التي شهدت صعودا لدور العرق الترکي کما کان الحال في عصر المعتصم بالله العباسي الذي کانت والدته ترکية و في زمنه بنى مدينة(سر من رأى)التي أصبحت فيما بعد سامراء من أجل توطين جيشه الانکشاري الذي کان يتکون من المقاتلين الترك، لکن العصر الذهبي والاساسي لتوافد الاتراك على العراق و إستيطانهم فيه کان في العهد العثماني خصوصا بعد ان تمکن السلطان العثماني ياووز سليم من فتح شمال العراق و إخضاعها للدولة العثمانية عام 1515م، و بعد مرور 19 عاما على ذلك دخل السلطان العثماني سليمان القانوني بغداد عام 1534م، حيث أسدل بعد هذا التأريخ الستار على نفوذ الحکم الصفوي في العراق وجعلها ولاية تابعة للدولة العثمانية. وبهذا فإن عمر التواجد الترکماني في العراق لايتجاوز الثلاثة عشر قرنا على أبعد تقدير، وهم بذلك يکونون أحدث القوميات توافدا على العراق.


وفي العصر الحديث، فإن القضية الترکمانية في العراق قبل سقوط نظام صدام حسين، هي من القضايا التي لم تحتل مساحة في الفضاء الاعلامي للمنطقة و العالم، ولم تکن يوما مثار إهتمام سياسي و اعلامي، ماعدا إهتمام محدد و حذر من جانب ترکيا لإعتبارات عرقية، ولم يکن هذا الاهتمام يوما سببا لإثارة الحکومات العراقية المتعاقبة وخلق مشاکل او ازمات بسبب من ذلك. وهذا لايعني بالمرة انه لم يکن هناك تيار ترکماني يدعو الى منح الحقوق الثقافية و السياسية الکافية للشعب الترکماني في العراق، إذ کان هناك ثمة حراك سياسي متنامي بين الترکمان لکنه لم يتبلور ليصبح حزبا وتجدر هنا الاشارة الى تلك المحاولة التي قام بها بعضا من الشباب الترکمان بين عامي 1970 و 1973، لتأسيس حزب ترکماني تحت غطاء نادي الاخاء الترکماني وعندما إکتشفه النظام البعثي قام من فوره بإعدام عدد منهم. وفيما عدا هذه المحاولة لم نجد مصدرا ما يتحدث عن حزب او تنظيم ترکماني عراقي معارض في المراحل التأريخية المعاصرة التي سبقت سقوط نظام البعث، وفيما عدا ذلك فإنه لم يتسنى لنا الاطلاع على معلومات أخرى تدل بشکل او بآخر على انه قد هناك تحرکا سياسيا او حرکيا بين صفوف الشعب الترکماني من أجل نيل حقوقه المختلفة، والواقع ان الترکمان لم يکن لهم ثمة تحرك إيجابي فعال للمطالبة بحقوقهم طوال المراحل التي سبقت سقوط البعث، وانما کان موقفهم يتسم دوما بنوع من الحياد المائل الى السلبية، لکنهم و بعد إعلان منطقة حظر الطيرانquot;NO FLY ZONEquot; والتي أعقبت الهجرة المليونية للکورد ربيع عام وتوفر اجواء من الحرية السياسية في عام1991، بدأوا حراکا سياسيا نشطا رغم ان الشيعة الترکمان العراقيين المتواجدين في إيران لأسباب مختلفة، قد انخرطوا في العديد من النشاطات و الاحزاب و المنظمات السياسية المعارضة للنظام العراقي و وصل البعض منهم الى مراکز قيادية، لکن ذلك الحراك الذي أشرنا إليه لم يکن من الممکن أبدا عزله عن ترکيا و تطلعاتها و طموحاتها السياسية التي بدأت بالتعاظم کلما طفقت تشعر بأن النظام آيل للسقوط، لکن الموقف السياسي و الامني الترکي من الاوضاع في العراق ولاسيما بعد 9 آذار 2003، بدأ يتسم بقدر أکبر من الفعالية و التأثير، خصوصا عندما بدأت مواضيع من قبيل قضية ولاية الموصل و إلحاقها بترکيا و قضية حقوق الترکمان في العراق و، غيرها من المسائل التي تطرح ظلالا داکنة لتطلعات سياسية غير مسبوقة في التأريخ الحديث، وهنا بدأ الحراك السياسي للترکمان يقوى شيئا فشيئا و يطرح نفسه کقوة سياسية معتبرة يجب الانتباه و الالتفات لها في أي نشاط سياسي له مساس او علاقة سواءا من قريب او بعيد بالترکمان. والحق ان المساعي السياسية الامنية الترکية الحثيثة للإستفادة القصوى من الورقة الترکمانية في العراق، دفعتها لتوظيف الورقة الترکمانية بأساليب و صيغ شتى تنتهي کلها في النهاية في بوتقة المصالح و الامن القومي الترکي حتى وان إقتضى الامر الى تجاوز الخطوط المشروعة المتعلقة بحقوق و مصالح الترکمان في العراق. وقد تشکلت أحزاب و منظمات سياسية عديدة بعد إعلان منطقة حظر الطيران التي أقيمت أساسا على أکتاف الشعب الکوردي بعد نزوحه المليوني ربيع عام 1991، لکن الفراغ السياسي الذي نجم بعد إنسحاب الادارة الحکومية لنظام صدام حسين من المناطق الکوردية أتاحت فضائا واسعا من الحرية تلاقفتها الوجوه الثقافية و العشائرية الترکمانية حيث أسسوا بعضا من الاحزاب ذات الطابع العرقي وقد سادت أجواء غير عادية من المشاحنات و الخلافات الحادة بين هذه الاحزاب بخصوص العديد من المسائل و القضايا المطروحة، لکن السلطات الترکية تلاقفت الامر و عملت مافي وسعها من أجل جمع تلك الاحزاب تحت مظلة واحدة هي الجبهة الترکمانية التي صارت فيما بعد الواجهة الرئيسية لطموحات و أحلام و أماني الشعب الترکماني وللحديث صلة.