مرة أخرى وكما عند كل محطة من محطات القضية العراقية تبرز تلك المفارقة الراسخة في الحياة السياسية العراقية والمتمثلة في الان في الانفصام بين مشكلة الدولة وبرامجها المعلنة وبين اهتمامات الطبقة السياسية وحركتها وطريقة عملها.

أما الطبقة السياسية فتتابع مسيرتها المظفرة بتفاصيلها مع التنبه لأتجاهات الريح بحيث لا يباغتهم جديد ولايقتحم ناديهم طارئ يحدث خللا في أصول اللعبة التي أحترفوها حتى الثمالة.. فاذا حدث واضطروا الى التسليم بوافد غير محسوب تفرضه طبيعة التوازنات او التحالفات المستجدة والأضطرارية والمؤقتة غالبا تعاملوا معه وكأنه ضيف ثقيل لا بد من قبوله خضوعا لقاعدة التعامل مع الأمر الواقع ولا حول ولا قوة الا بالله!

وها نحن نشهد فصلا جديدا، قد يكون الأكثر ايلاما من فصول الانفصام بين الناس وبين من يفترض ان يكونوا الزعماء التاريخين والقادة السياسين وكذلك اولئك الاتين من المستقبل وباسمه، فالناس يتساءلون عن أسس الحل، وعن مشروع الصيغة الجديدة للوطن وهل سيتم الوصول هذه المرة بعد الأنتخابات الى اتفاق حوله أم سيبقى معلقا، ثم عن مدى التناسب بين الحل وبين الثمن المدفوع ، وهم يريدون أن يستشفوا ملامح الغد القريب وما بعد الأنتخابات ويريدون أن يعرفوا هل ولادة الصيغة الجديدة للوطن طويلة ام لا؟

أما السياسيون بمن فيهم التقليدي والمجدد والمستجد وصولا الى الاغرار، فتراهم قد انغمسوا في لعبة التشكيل وكأن البلد بألف خير وأنه لاينتظر غير ان يتسملوا هم مقاليد الأمور فيه حتى تنتهي مأساته وتتدفق أرضه بالخير وأسباب العمران وكيف الغد الافضل ان لم يكن لهم؟!
في هذه المرحلة الكل مصاب بالدوار.

والكل مهووس برنين التلفون، حتى ليظنه يدق أبدا، أو أنه يمضي وقته على السماعة يستنفر الصدقات. ويدس على الخصوم ويسرب من الأخبار ما يؤذي المنافس ويساعد على حصر الخياربشخصة الكريم.

وياليت الهوس كان مرتبطا بقضايا الناس وهمومهم والمسائل المصيرية المطروحة.
وياليت التطلع الى الوزراة ودخول جنة الحكم كان مرتبطا ببرنامج سياسي محدد يكون قاعدة الترشيح والتوزير ومن ثم المحاسبة،

وياليت التطلع كان وليد الأحساس بالقدرة على انجاز ما لم ولن ينجزه الاخرون سواء في مجال ابتداع الصيغة السياسية السليمة للبلد او في أرساء اسس اعادة البناء واطلاق عملية الأستنهاض الوطني الشامل.

وبدلا من ان يتركز جهد بعض القوى الرئيسية على تأمين وحدتها خلف برنامج وطني يعبر عم مطامح كل العراقيين ويلبي احتياجات البلاد، يتحول هم الوطنيين من قياداتها الى ضمان عدم غرقها بمجملها في المستنقع الطائفي والقومي وابقاء ما تيسر من العناوين الرئيسية لخطوط عريضة لتصبح برنامجا عتيدا للمرحلة المقبلة.

وكنا ومانزال نأمل ان يعمل قادة القوى السياسية أصحاب المطامح والتطلعات على التخفيف من الطائفية والقومية، لأن مثل هذا الجهد يفترض أول ما يفترض أن يقدموا البرنامج المفترض على اشخاصهم لا أن يؤخر أشخاصهم بكل كفائتهم وشهادتهم واموالهم الى خلف ممثلي الوميات والطوائف.


أما في غمرة انشغالهم ،بأشخاصهم وبالحقائب فلسوف يجدون في مقاعد الوزارة، اذا ما وصلوا نتفا باقية من أحلام الشباب، ووقائع قاسية قادرة على التهام الطموحات والامال العراض وصور العراق الحلم، وكل ما يبرر الأنصراف الى النفع الخاص طالما ان النفع متعذر أو مستحيل.

في أي حال ثمة فرصة أخيرة أن يكون برنامج الحكومة المقبلة هو البيان التأسيسي الثاني لعراق ديمقراطي تكون الحكم على أساس الأغلبية السياسية وليس على حساب التوافق، عراق دولة القانون بقيادة نوري المالكي.

ونتمنى أن يوفق دولة رئيس الوزراء نوري الملكي في صياغة مثل هذا البيان خصوصا أنه يعرف جيدا بالخبرة الشخصية كما بالارث لماذا اسقطت دولة البيان الأول ومتى وأين؟ ودور الطبقة السياسية ومسؤوليتها عن هذا السقوط المريع.