أبو النمل أوسبورن ومشروعه في جرد الأحياء على ظهر المعمورة
EOL = Encyclopedia of Life

في المقابلة التي تمت مع عالم النمل (هول دوبلر Hoeldobler) وهو ثاني اثنين من عظماء العلماء في عالم النمل وصف خلية النمل بدماغ متكامل، والملكة بمصنع إنتاج يعجز عنه وادي السيليكون، فهي تبيض يوميا 29 ألف نملة؟ وتعيش في المتوسط عشرين عاما فتنتج شعبا كاملا من النمل يصل إلى 150 مليون نفر؟ منهم الجنود والعبيد والسقائين وأمناء السر والزبالة وجامعوا الغذاء وحرّاس شداد غلاظ لايعرفون لغة العصيان ويفعلون مايؤمرون، وبلغ عمق عش للنمل في البرازيل 8 أمتار وبأنفاق تصل إلى امتداد مائة متر؟ قال هول دوبلر إذا عثرت على نملتين بين دفتي كتاب فاعتبر أن بيتك أصبح مسكونا بهم لايبرحون؟
أما الثاني أوسبورن فقصته مختلفه ومشروعه جدا طموح؟
ادوارد أوسبورن ويلسون (Edward Osborne Wilson) بلغ من العمر عتيا وتجاوز الثمانين حولا، تعلو حاجبيه نظارة سميكة، وتستطيع بسهولة أن تسمع أزيز سيمفونية سماعات الأذن عند صوان أذنه، ولكنه يحمل روح الشباب، ويحدثك في غرفته رقم 408 في الطابق الرابع، من متحف (حديقة الحيوان المقارن) في جامعة هارفارد عن مشروعه بحماس.
فهو يريد حتى عام 2017م أن يمسح ويجرد جميع كائنات الوجود الحية، من طير وتمساح، وذبان وبراغيث، ويعسوب ونحلة، وحشرة ونملة وقملة، بل وكل فاكهة وأبا، وميكروب ووحيد خلية وفيروس.. كل كائن حي يدب على أربع، أو يزحف على بطنه، أو يطير بجناحين، أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء!
وأسبورن ويلسون يريد قراءة هذا الكتاب الكامل قبل أن يموت، بدون أن يفرط فيه بشيء... فهل هناك معجزة أعظم من الخليقة؟؟..
يريد أوسبورن ويلسون أن يضع الجميع في الانترنت، بمشروع الماموت، في سلة أعظم من معبد تينوشتتلان في المكسيك، أو هرم خوفو في أرض الفراعنة، في حجم 1.8 مليون صفحة!!
وهو الرقم الافتراضي الأول، وقد يصل ربما إلى عشرة أو عشرين ضعفا من الرقم المبدئي الأولي؟ بل قد يخفق كل المشروع، إذا ضرب الرقم إلى مئات الملايين من الصفحات فيضيعون في متاهة الخليقة اللانهائية؟؟
وأوسبورن ويلسون نفسه يعتبر (أبو النمل) في العالم؛ فهو يبلغ الثمانين من العمر، ولكن قضى أكثر من نصف قرن، وهو يدرس عالم النمل الذي سحر به وفتن.
لقد أحصى 14000 (أربع عشرة ألف) نوعا من النمل حتى الآن، ويقول: لو منحني الرب ضعف عمري، لعرفت أكثر من ضعف هذا الرقم؟!
لقد استطاع الرجل بجهده الخاص في فترة ممارسته المهنة في الجامعة من الكشف عن 428 نوعا جديدا من فصائل النمل، وهذا الحماس عنده دفعه في السنة الأخيرة أن يزور جمهورية الدومينيك حيث البؤس والتعاسة تسودان وحيث الزلزال في هايتي يزمجر، فعكف على عالم النمل وودع عالم البشر وتعاسة السياسة، فكشف عن 12 نوعا من النمل لا يعرفه أهل الجمهورية، وهم بجنبهم يدبون، بدون نبي سليمان يضحك من نملة خائفة تحذر قومها ادخلوا مساكنكم لايحطمنكم سليمان وجنوده وهم لايشعرون، أما أهل الدومينيك فيدعسونهم وهم يعلمون؟ وهم عن هذه الآية يمرون معرضون..
لقد ضرب الله المثل في النحل والنمل والذباب والبعوض، والهدهد والحمير والبغال والجمال، فاعتبر فيها الجمال حين تريحون وحين تسرحون، وضرب المثل في البعوض الدموي الخبيث الذي دمر مشاريع من أراد شق قناة بناما؛ فما فوقها بدون خجل وتردد، واعتبر النحل مما يوحى إليه، وتكلمت النملة بمنطق فأوصت من حولها بالاختباء من جيوش عابثة أن لاتطئها وهي لا تشعر، فتبسم سليمان ضاحكا من قولها، ووقف الهدهد الغائب يتكلم بمنطق بدون خوف يعمل بروح المبادرة بدون انتظار الإذن دوما للتصرف وهو درس بليغ، مع أن سليمان بلغ به الغضب من انصرافه بدون توقيع؟ أن هدد بتعذيبه وذبحه، ولكن الهدهد أفهمه أن عنده من العلم ما لم يخبره سليمان.
وأوصانا الرب في النهاية بالحكمة وأن الحجة لا تقوى برفع الصوت كما يفعل جماعة الاتجاه المعاكس، في حفلة مصارعة الثيران عند القاسم، فيتبادلون الكلمات مثل اللكمات ومنهم من يقوم ملوحا بنزع عيون خصمه؟
وإن أنكر الأصوات لصوت الحمير..
ولقد عرفنا من أعاصير الطاعون في التاريخ، من هذه العوالم المخفية من الطير والإنس والجن، أن وباء الطاعون كان محمولا في ثلاث طبقات؛ من الجرذان والبراغيث والجراثيم طبقا عن طبق.
وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر..
ولقد فتنت الحشرات والحيوانات الكثير من الناس وما تزال، من دأب النمل ونظام النحل ووقاحة الذباب وعدوانية البعوض وخطورة الأفاعي وخبث العقارب..
مع ذلك فلقد عرفنا عن العقارب أن في مصله الأصفر ترياق واقي من الإشعاع النووي أقوى مما عند البشر بـ 300 مرة؟، وتعالج الروماتيزم المعندة بمصل الأفاعي المخففة آية للمتوسمين..
وأنا شخصيا رأيت قبل عدة أيام في فسحة الدار عندي حشرة بيضاء اللون، في مقدمته وذنبها شعرتان، تزحف بسرعة تشبه الطيران، مثل سرعة قطار أو باص ينطلق بسرعة 120 ميلا في الساعة؟!
ولما عرضتها على قططي المدلل (شوقي) لم يحفل بها، وقال لي العامل البنغالي عندي (ألوم جير) إن لونها أبيض فتضيع عليه، ولو كانت سوداء لربما أبصرها، وفي لحظات اختفت الى عالمها المخفي.
وهو نفس الانطباع الذي أخذته من حشرات صحراوية نشيطة بشكل مذهل، في كل الجو الجاف والحرارة المخيفة، وعرفت من زهد العقرب أنه يعيش صائما سنتين؟ أما خيط العنكبوت فقد نسجوا من مليون عنكبوت أنثى في مدغشقر على مدى أربع سنوات سجادة من خيوط أقسى من الفولاذ، مما تصلح لحماية صدور رجال الأمن أفضل من سترة الكيفلار بعشر مرات؟ فقلت: وخلق الإنسان ضعيفا.. وخلق الإنسان وهنا على وهن.... وحمله وفصاله ثلاثون شهرا..
وهنا التناقض بين الضعف والقوة، والفلسفة بين الوهن والعزيمة والحكم بين التأخر والنضج..
إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم..
وحسب (أوسفالد شبنجلر Oswald Spengler) المؤرخ والفيلسوف الألماني في سفره عن (سقوط الحضارة Der Untergang des Abendlandes)، أن الكل يتبدى في الوحدة، مثل سر المصنع في قطعة إنتاج، فهي تدل على الصانع والمصدر، وخلية واحدة تدل على اللطيف الخبير، ولذا لم يستح الخالق أن يضرب المثل في البعوضة والذباب، بل تحدى البشر أن يأتوا بما يسلبه الذباب.. ليختم الآية بتعليق في غاية التأثير والعمق.. ضعف الطالب والمطلوب..
وحين نصح لقمان ابنه قال يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات والأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير، وأنا شخصيا يسبح بي الخيال أحيانا، حين تتطاير فتات طعام من يدي في عرض الصحراء هل من قوة تجمعها فيجيب الرب كما خلقناكم أول مرة!
وينطلق حاليا ادوارد أوسبورن ويلسون لوضع انسكلوبيديا لكل الكائنات الحية على الأرض تحت اسم (انسكلوبيديا الحياة EOL)، والعالم ويلسون يعد من أشهر من بحث في عالم الحشرات فهو أبو النمل بجدارة؟
وهو من أهم بيولوجي القرن العشرين، نال جائزة بوليتسر ثلاث مرات، وعنده من الميداليات والمكافآت والنياشين ما يمكن جمعه في صناديق خزائن قارون، ما يمكن تحصيله في حقله المعرفي.
ولكنه لا يملك قدرة التوقف مع انه شارف الثمانين، وبهذا يضرب الرجل المثل في تعريف الشيخوخة؛ أنها ليست السن بل المشاعر، فقد يبلغ الصبي الحكمة بل وينطق في المهد صبيا، وقد يبقى الكبير مراهقا في صبيانية لا تنتهي. مثل كل الكذابين من دهاقنة السياسة في العالم العربي..
وفي الإنجيل لن ندخل الجنة حتى نرجع أطفالا بمعنى البراءة..
ويحي أوتي الحكم صبيا.. وحنانا من لدن الرحمن وكان تقيا..
والمشكلة في مشروع الدكتور ويلسون، ليست في صف الكائنات وجرد أسمائها، وصبها صبا، بل عرض كل كائن، من جوانب شتى؛ مثل بيئة حياته، وجغرافية موطنه وأين يعيش، ومم يأكل، هل هو في قيعان البحار، أم في وحل المستنقعات؟ أو قمم جبال الانديز وبرد الانتراكتيس ومجاهل أفريقيا وغابات الأمازون؟ ما هو نشاطه ودورة حياته ووظائفه؟ وبعد كل هذا رسمه وشكله ومن عدة مقاطع، لكل من يريد الوصول إلى المعلومة؟!
وهو عمل كما نرى يحتاج استنفار أجيال ومجموعات، وليس عصبة من الرجال أولي القوة الذين حملوا يوما مفاتح أقفال خزائن قارون، فنحن هنا أمام خزائن المعرفة، وأسرار الخليقة من كل زوجين اثنين.. بما هو أكبر من عمل سفينة نوح من نوع مختلف، فالأزواج كلها، والسفينة نقش على الهواء فوق ثبج البحر الأخضر الإلكتروني..
يقول ويلسون وهو يرعد في كلامه: إنها ثورة... وهي ثورة لكم جميعا.. إن الكائنات في خطر الانقراض، ولا يمر علينا يوم إلا وينقرض العديد من الكائنات..
أليس منكم رجل رشيد..
إننا قبل أن نصل إلى التصنيف الأخير، تغيب عن أعيننا العديد من المخلوقات، حتى قبل رؤيتها للتصنيف، ثم يؤشر بيديه مثل اليائس ويقول: كيف يمكن لنا أن نفهم البيئة وتوازن الطبيعة والمخلوقات وأثر الكائنات في البيئة ما لم نحصها عددا ونفصلها جددا ونصنفها فصيلا؟ ونعرف أثر بعضها في بعض!!..
إنه عمل أكثر من ضروري لمعرفة الطبيعة وكائناتها الحية جميعا.. صحيح لم يسبقنا إليه أحد ولكن هذا هو العلم الجديد دوما.. والتطور بدون توقف..
إنه مشروع الماموت مثل مشروع الجينوم السابق في كشف الكود الوراثي عند الإنسان، ولكن هذا المشروع هو مسح خريطة الكائنات جميعا؛ من سمك وحشرات وزواحف وبرمائيات ونباتات وفطريات وميكروبات؟ من أعلى سلم الخليقة إلى قاعها، حيث تحتاج رؤيتها مكبرة ستين ألف مرة ويزيد؟؟
وهو مشروع من الضخامة والجهود والاستنفار، ما يوحي بالسقوط من بدايته لعظم المشقة، وبعد الطريق، وضخامة المهمة وقلة الزاد..
قال ويلسون إنني لن استسلم لقد اتصل بي عالم معتبر من بريطانيا وقال: يا ادوراد ماذا دهاك؟ وأي شيء اعتراك هل أنت تناولت حشيشا أو شربت مخدرا؟ هل تتوقع أن ينجح مشروع من هذا الحجم والطموح.. ثم يقف هنيهة، يشد القارئ للسماع، مثل أداء قطعة فنية على المسرح.. ثم بابتسامة ذات مغزى يتابع: إنه معنا الآن في المشروع، يشاطرنا الجهد، ويسابقنا الطموح..
ثم يقلب بين يديه أوراقا ويقول: إن بين يدي طلبات من شباب طموح من كل مكان؛ فهذه الآن أوراق من شباب من السعودية وإيران والشرق الأقصى.. فاجتمعوا للعلم بعد أن فرقتهم المذاهب شيعا كل حزب بما لديهم فرحون، فانقلبوا بنعمة العلم إخوانا على سرر موضونة يتعاونون.
إن بين يدي مشروعا هو للجنس البشري ويشترك فيه البشر من كل الأجناس فهو منهم وإليهم..
كان أوسبورن ويلسون يتحدث كعالم وبحاثة وفيلسوف..
في نهاية مايو 2008 اجتمع العديد للتشاور حول المشروع في جامعة هارفارد، وقد اتصل ويلسون بالعديد من المؤسسات، وقد جاوبته مبدئيا خمس مؤسسات علمية بتبرع خمسة ملايين دولار من كل مؤسسة، وهو مبلغ 25 مليون دولار ولاباس به للانطلاق بالمشروع..
قال لقد ساهمت حاليا مؤسسة (سميث هوسنيان) ومتحف (فيلد) من شيكاغو، و(الحديقة النباتية) من ميسوري، و(المعهد البيولوجي البحري) في وود هول من ماساشوست.. فضلا عن جامعة هارفارد..
يقول ويلسون إن الشباب عندهم مهمة هائلة في مسح كل الكائنات، أما النمل وعالمه؛ فهو شرف خاص بي، سوف أتناول العمل به وتصنيفه أنا شخصيا..
لقد وضع في الانسكلوبيديا حتى الآن حوالي ثلاثين ألف صفحة، بدء من فبراير 2008م، يمكن فتحها حاليا ورؤية محتوياتها، وهدفهم يقوم على كتابة مليون صفحة في السنوات الأربع القادمة، بحيث يكتمل المشروع بحوالي مليوني صفحة في عام 2017م، ولكن هذا الرقم التقريبي قد يصعد إلى 3,6 مليون صفحة، بل حتى ربما مائة مليون صفحة؟!
وبهذا القدر من التباينات تتراوح الأرقام؟؟
ونحن نظن أن الكائنات عرفت كما عرفت الجغرافيا بعد أيام ماجلان، ولكن هذا غير صحيح، والعالم ويلسون يرى أن من مزايا المشروع أنه سيمد يده لمعرفة الخلائق الغائبة عن معرفتنا حاليا، وهو كما ذكر وفي فترة قصيرة باعتباره أبو النمل أن يكشف في جمهورية الدومينيك التعيسة أكثر من 12 نوعا، وهذا يعني كما يقول إن عالم النمل الذي أعس فيه كل حياتي أكتشف فيه كل يوم الجديد، فما بال المخلوقات التي تعد بالملايين؟
ومن هذه قصة رئيس المشروع (باترسون) الذي يقص خبر اكتشاف نوع من وحيدات الخلايا أطلق عليه اسم الكافتيريا، لارتباط اسمها بنور لامع سطع من زاوية الشارع خط عليه بلون قرمزي كافتيريا وهم يتبادلون الرأي حول الاسم فقالوا إنها فاتحة خير فسموا هذا الكائن وحيد الخلية بالكافتيريا رواينبيرجينسيس؟ وذهبت مثلا في القهوة والكافتيريا..
يقول ويلسون: طالما نعرف جزءً يسيرا من الأنواع؛ فلن نتمكن من فهم النظام البيئي كيف يعمل؟
ثم وبإشارة من يده رمزا للإحباط تابع؟ إننا نتلمس طريقنا في الظلمات على غير هدى؟؟
ثم قال وهو يقلب يديه: ليس بمقدورنا أن نتحمل فقد المزيد من العديد من الكائنات؟ فهل يمكن حل مشاكلنا البيئة بهذا اللون من المعرفة القاصرة؟
إن مشروع الانسكلوبيديا سوف يساهم في تخفيف العبء عن علماء الأرض جميعا، لفهم البيئة، وبحثها، وكشف أنواع ونظم من الحياة لم نألفها بعد، على سبيل المثال تلك الكائنات في أعماق المحيطات تعيش بجنب الفوهات البركانية، تحت ضغط سحيق تنهرس فيه غواصات الصلب، وتتغذى من الكبريت..
تقع مدينة (ثقب الخشب ـ وود هول) 130 كم إلى الجنوب من بوسطن، لمن يريد التعرف على مصنع العمل، حيث تطالعه مدينة ناعسة على شاطئ البحر، في مبنى رمادي، بنوافذ من إطارات بيضاء بهجة للناظرين، يعمل فيها ما لايقل عن 53 عالما من حملة جوائز نوبل، والعشرات من الشباب النشيط القافز بأشد من النحل، وهو يتعامل مع الكمبيوترات المتقدمة لحشو المعلومات، يقودهم رجل يقال له ديفيد باترسون، يبلغ من العمر 58 عاما (David Patterson)، يناديه الشباب دلعا باتي، وهو أيرلندي الأصل محمر الخدود بآذان واقفة وبنية قوية وميل للمرح وإطلاق النكات..
والرجل يعمل في حقل الكائنات المهددة بالانقراض وتخصصه هو في الميكروبات، ومنها تلك التي روينا قصتها من الكافتيريا واسمها العلمي (Cafeteria roenbergensis) وهي من وحيدات الخلية المفترسات في قاع البحار.
ويعتبر باترسون من صنف العلماء الذين يطلق عليهم التاكسونوم (Taxonomy) أي الذين يقومون بجرد الكائنات وتصنيفها.
قال باتي إن وحيدة الخلية التي عثر عليها قامت فنانة (رسامة) برسم هذا الكائن بالتفصيل وقام هو بإدخال تفصيلات المعلومات عن هذا الكائن.
ويعلق (باتريك ليري Patrick Leary) من المشروع إذا أردنا أن ننجز المهمة فيجب علينا الإسراع أكثر أكثر بكثير..
وحاليا يفكرون بصب المعلومات من موقع كاتالوج الحياة لملء المعلومات وتخزينها، وهناك تصارع اتجاهين في المشروع؛ فمنهم من يرى خزن المعلومات من أي مصدر، وهناك فريق علمي صارم يريد إتحاف الجو العلمي بشيء جديد من الدقة والتفصيل بحيث تصبح مثل هيئة محلفين في هذا الفن..
وفي هذا يقول (جيمس هانكن James Hanken) من مركز إدارة المشروع في جامعة هارفارد: إننا لا نريد لمشروعنا أن يشابه عمل (الوكيبيديا) التي لا تزيد عن جمع قمامات؛ ويتابع: هل سمعت عن مبدأ (جيجو = GIGO Principle) قمامة تدخل وقمامة تخرج؟؟ وفي النهاية عملنا لن يزيد عن جمع سلة مهملات؟؟ لا.. لا نريد أن يكون عملنا هكذا ولو سخرنا 50 من أعمال الأساتذة (لنيل لقب بروفسور) لأغنينا العمل جدا..
كذلك هناك مشكلة إضافية شرحها باترسون وهو يتأمل ثلاث شاشات كمبيوتر أمامه دفعة واحدة بنفس الوقت الذي يتأمل (يربوع Leguan) (يتعربش) على حامل الضوء في مكتبه؟ قال عندنا مشكلة الأسماء فإذا كانت الكائنات التي ننوي رصدها اثنين مليون فإن الأسماء قد تتجاوز عشرة ملايين بين لاتيني وانجليزي ومحلي، ولذا استعنا برنامج خاص ندفع فيه الاسم، ويقوم هو بالجرد وإرجاع الأمر في النهاية إلى كائن واحد محدد..
وبالنسبة إلى تخصصه فقد استطاع ضبط الميكروبات في النهاية وهي في حدود 200 ألف نوع!! وربما غطت حتى الآن 90% من كل أنواع الميكروبات الداهية منها والمسالمة..
فبأي آلاء ربكما تكذبان..
أما أبو النمل ويلسون فلم يهزه هذا النزاع بين اتجاهي العمل، ويقول إن العمل العلمي عنده من القدرة في تصحيح نفسه بنفسه، وما نحتاجه الكثير من الخبراء وعلماء (التاكسونوم) أي العارفين بالجرد والتصنيف..
مع ذلك فأبو النمل الذي يدفع المشروع حشوا في الانترنت، يضع رجلا على أخرى، ويميل للسماع مع ميل الرأس خفيفا، بسبب ضعف سمعه المقوى بزمامير سماعات واضحة بجنب أذنيه، وشعره الأشيب مفروقا إلى جنب، وعيناه تشعان بالحياة والحيوية، لا ينتصب في مكتبه أثرا من كمبيوتر؟! فهو قد ترك المهمة للجيل الشاب الجديد، وهو من الجيل القديم؛ فلا ترى في مكتبه سوى ميكروسوب قديم، من أيام سفر بلك؟ وصورا صفراء باهتة هنا وهناك.