هذه هي المبتكرات الأميركية الجديدة لمكافحة التطرف الإرهاب والإرهاب الإسلاميين، اللذين تحولا، منذ عقدين، إلى خطر رئيسي على حضارة العالم وأمنه- بجوار أنظمة الانتشار النووي، كإيران وكوريا الشمالية. وحين نصف هذا النوع من التطرف والإرهاب بالإسلاميين، فذلك لا يعني اتهاما للإسلام كدين، كما يروج دعاتهما أنفسهم، وإنما هو تسجيل لحقيقة أن الإرهابيين أنفسهم يقترفون أفعالهم باسم الله والإسلام والقرآن، وتحت عنوان quot;الجهادquot; في سبيل الله. وأي التباس في هذا الشأن، فإنهم هم المسئولون عنه، وهم المسئولون عن تدهور سمعة المسلمين في العالم. فباستثناء تيارات يمينية وعنصرية متطرفة في العالم، لا توجد تيارات وقوى تعادي الإسلام كدين. لقد تم بحث هذه الحقائق مئات المرات، ولكن ما نشر عن نية إدارة أوباما حظر استعمال مصطلحات quot;التطرف الإسلاميquot; وquot;الجهاديquot; يضطرنا لإعادة التعقيب.

مستشارو أوباما الذين ينصحونه بأمثال هذه القرارات، سواء كانوا في المجلس الإسلامي الأميركي، أو مستشارته المصرية المحجبة داليا مجاهد، إنما يدلونه على الطريق الخطأ، الذي سيؤدي إلى المزيد من تشجيع المتطرفين والإرهابيين المسلمين للتمادي والمطالبة بالمزيد من التنازلات، وإلى خلط الأوراق، كما ويؤدي إلى ردود أفعال خطيرة ومنها تقوية التيارات العنصرية في الغرب وخارجه ضد المسلمين.

إن مواقف وتصرفات أوباما قد تجلب له تصفيقا متواصلا في العالم الإسلامي، ولكن التصفيق لا يحل مشكلة أمن العالم ومنه أمن أميركا بالذات.

وكما كتبنا مرارا، فإن عمليات الإرهاب التي اقترفها ويقترفهما مسلمون هي أولا نتاج أيديولوجيا دينية شديدة التعصب ومسيسة، تكفّر العالم غير المسلم وتحلم بقيام الإمبراطورية الدينية على الأرض باسم الخلافة الإسلامية. ودعاة التطرف والإرهاب يستغلون قضايا سياسية أو غير سياسية مقترنة باسم الغرب لغسل أدمغة الشباب وتضليلهم ودفعهم إلى quot;الجهادquot; بقتل الأبرياء تحت راية إسلام هو بريء من دمويتهم وعماهم النفسي والعقلي. لقد استغلوا، ولا يزالون يستغلون، قضية فلسطين. واستغلوا قضايا الشيشان، والبوسنة، وأفغانستان، والحرب على صدام. ويستغلون مسائل الحجاب والنقاب والبرقع والمآذن، لتبرير ممارساتهم الظلامية الهوجاء. وها نحن نرى في بريطانيا من صاروا يصرخون مهتاجين بأن ناقوس الكنيسة هو استفزاز لهم، بل وحتى طالب البعض منهم أن تتوقف الملكة من إلقاء الكلمة الرسمية التي تلقيها كل عام بمناسبة عيد ميلاد المسيح (كريسمس)!!

إنهم يريدون فرض أفكارهم وممارساتهم المتخلفة والمتطرفة على الدول الديمقراطية، ولاسيما في الموقف من المرأة. وحين اختار أوباما امرأة محجبة كمستشارة له، فقد اختار صوتا لا quot;يعبر عن التعدديةquot; القائمة في الآراء والمواقف في العالم الإسلامي. وكما كتبت صحفية عربية، فقد اختار صوتا يقول له quot;هذا هو الإسلام وهكذا هم المسلمات والمسلمونquot;، بدلا من أن يقول له quot; هذه رؤيتي للإسلام، وهذه رؤيتي لما يراه المسلمون والمسلمات.quot; وهكذا وقع أوباما في مطب التحامل على فرنسا لأنها حريصة على تطبيق علمانيتها الأصيلة في مدارس الدولة، وربما سيغمز من قناة بلجيكا لأنها ستحظر النقاب، وهو أيضا ما ستفعله فرنسا. وللعلم فإن قضية البرقع والنقاب، وعدا الجدل الفقهي حولهما، هي أولا قضية أمنية بامتياز. فإذا كان محظورا أن يسير رجل في الشارع بوجه مخفي، فلماذا السماح بذلك لامرأة؟! ومن يدري من يكون تحت البرقع أو النقاب؟ ألم يتبرقع إرهابي صومالي قبل شهور فقتل 22 شخصا منهم 3 وزراء؟ وفي مكة نفسها، حين جرى العدوان على الكعبة، ألم يفر بعض المجرمين الإرهابيين وهم بأزياء نساء سعوديات منقبات أو مبرقعات؟ وكيف يمكن الصمت عن تزويج المراهقات في البلدان الإسلامية؟. وها نحن نشهد مأساة فتاة يمنية صغيرة أجبرت على الزواج من رجل أكبر منها سنا بكثير فماتت بفعل العنف الجنسي للرجل.

لقد انكشفت مخاطر التساهل مع عناصر التطرف الإسلامي ودعاته في الغرب، وخصوصا مواقف اليسار الغربي والقضاء الغربي. ولا شك عندنا في أن مجمل مواقف أوباما الخارجية، وهي مواقف اليسار الأميركي، تؤدي إلى تشجيع قوى التطرف والإرهاب والأنظمة التي تغذيهما وتمولهما. فإذا كان البشير مطلوبا للقضاء الدولي، فإن أميركا ترسل له المبعوثين، وها هي تزكي انتخابات السودان مع طلب بتأجيل وقتي! فأية انتخابات مع حاكم دموي مطلوب للقضاء الدولي؟!! ولماذا لم نسمع كلمة إدانة واحدة من مستشارة أوباما في قضية لبنى حسين؟! أو ضحايا القمع الإيراني من النساء؟!

إنها لسذاجة سياسية بحتة أن يتوهم أوباما أن يديه الممدودتين دوما لقوى التطرف ولأنظمة الانتشار النووي، كإيران، قادرة على إقناع هؤلاء بالتصرف حضاريا وإنسانيا. وإن حظر استعمال تعابير quot;التطرف الإسلاميquot; لن يغطي على واقع أن من يمارسون أعمال العنف، إن في العالم الإسلامي نفسه أو في الغرب وغيره، هم مسلمون، لا مسيحيون ولا بوذيون ولا يهود أو لا أدريون! وإن الإرهابيين القتلة، سواء في اليمن، أو العراق، أو الصومال، أو العواصم الغربية، قد يغضبون إذا جردهم من صفة quot;الجهاديونquot;!!

إن سياسة الإدارة الأميركية يمكن وصفها بشقين: محاولة استرضاء القوى والأنظمة التي تشكل خطرا على أمن الشعوب. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، سياسة quot;صفع الحلفاءquot;، على حد وصف الصحفي تشارلز كروتمر [انظر الشرق الأوسط بتاريخ 9 أبريل 2010]. والنقطة الأخيرة، سبق أن توقفنا عندها مرارا، وأوردنا مثال عدم حضور اوباما ذكرى انهيار جدار برلين، والاعتذار عن عدم حضور القمة القادمة للاتحاد الأوروبي. وكروتمر يركز على موقف أوباما من بريطانيا، الحليفة التقليدية لأميركا. ويتحدث عن البرود الذي عبر عنه أوباما نحو رئيس الوزراء البريطاني. ومطالبة هيلاري كلينتون بالتفاوض بين بريطانيا والأرجنتين حول جزر الفوكلاند البريطانية التي غزتها الأرجنتين عام 2003 . وكذلك تصريح مسئول في الخارجية الأميركية عن عدم وجود علاقة خاصة مع بريطانيا. أيضا البرود تجاه الهند مع أن أوباما زار بلاد النشأة، أندونيسيا، ثم الصين. وكما ورد في مقالنا الأخير عن الصين وإيران، فإن سياسة أوباما تسير نحو تحالفات إستراتيجية مع روسيا والصين وإهمال الاتحاد الأوروبي. فإذا ربطنا الشق الأول من سياسته- أي ممالئة قوى وأنظمة العدوان كإيران- بالشق الثاني- أي إهمال الحلفاء والجفاء تجاههم-، فإن أبعاد وعواقب هذه السياسة تتجلى بكليتها. إنها سياسة فاشلة ولها عواقب لا تخدم امن العالم، وهدف انتشار القيم الديمقراطية، ومعايير حقوق الإنسان فيه. إنها لن تردع أشرار العالم. وها هي إيران تعطيه درسا جديدا بالإعلان عن تطوير آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتطورة لتخصيب اليورانيوم، والصين تعطيه درسا من نوع آخر برفض العقوبات في اجتماع دول 5+1.

أما التصفيق المتواصل في الإعلام العربي، فلن يقلل من هذه الأخطار، بل من شأنها دفع السياسة الأميركية للمزيد من التخبط والضياع. وهذا لن يدمر إسرائيل، كما يريد أنصار quot;التحرير الكاملquot;، ولن يحمينا من قنابل إيران، ومن تدخلها في شؤون المنطقة، ولن يجلب لنا دولة فلسطينية عاصمتها القدس.

إيلاف ndash; 10 نيسان 2010