يبدو أن الغرب والذي يتخبط في كيفية التعامل مع العالم العربي والإسلامي يجهز نفسه لمعركه مقبله بين الشرق والغرب من المحتمل ان تـكون الحاسمه إما سلبا أو إيجابا ولكن وفي حال نجاحها فإن نتائجها الإيجابيه قد تكون أفضل بكثير من الجمود الفكري الحالي الذي يتراكم على العقل العربي والإسلامي.. فالنجاح المشهود به للغرب.. هو نجاحه في التخلص من الهيمنه الدينيه على شعوبه مع الإبقاء على الحرية الدينيه وحرية الإعتقاد.. نجاحه بأن يجعل فصل الدين عن الدوله خيار شعوبه.. يتجهز الآن للخوض في معركة كبرى مع العالم العربي والإسلامي.. معركه لا يستطيع أحد في العالم العربي الإقتراب منها وكل من يحاول ذلك فإن مصيره المحتوم إما القتل.. أو النفاذ بجلده والهرب من دول الإيمان إلى دول الكفر.. إن كان محظوظا!!

عجز المسلمون عن الدخول الطوعي في عملية نقد موضوعي وحوار حقيقي هادف يبتدىء من هيمنة الدين ورجال الدين على الفكر والعقل العربي مما أفقدهم القدره على أن يروا الصورة الحقيقيه للفساد والإزدواجيه المتغلغلة في مجتمعاتهم..هذا الجمود الفكري هو ما أصبح الدافع لحث العلماء الغربيون على فتح هذا الحوار.. والمناداة بإخضاع الإسلام للبحث العلمي والتمحيص تماما كما حدث مع المسيحيه واليهوديه في القرن التاسع عشر حيث كان علماء الدين الألمان أحد من فتح الباب لعملية البحث العلمي و الحوار حول دقة وصحة الأناجيل.. وهو الحوار الذي مهد الطريق أمام الإقتناع الشعبي بضرورة فصل الدين عن الدوله للعيش بكرامه وبمساواة.. وحرية.

أحداث 11 سبتمبر تركت في أذهان الغربيين العديد من التساؤلات عن الإسلام.. وهو ما حث العديد منهم لدراسة الإسلام. وكثيرون هم الذين إعتنقوا الإسلام فيما بعد.. في ذات الوقت الذي قرر العديد منهم الدخول في أديان جديده أو الإلحاد!

الفرق أن الغربي وحين يتخذ مثل هذا القرار.. لا أحد يسائله.. وتبقى جميع حقوقه المدنيه محفوظه تماما كما هي ولا يضطر لتسجيل تغيير ديانته في أي مكان آخر. إضافة إلى انه لا يتعرض للمضايقه أو النبذ ممن حوله. بل تحتضنه العائله أكثر لأن رابطة الحب أقوى من رابطة الدين... ولكن أن يتعرض إنسان سعودي للضرب والتبليغ عنه من والده وتعريضه للعقوبه القاتله.. فهذا لا ينم عن شيء إلا قسوة مفرطة أعمت العيون والقلوب عن المحبه.. وعن آية quot;quot;لا إكراه في الدينquot;quot; لتؤكد آية quot;quot;إن الدين عند الله الإسلامquot;quot; وحديث quot; من بدل دينه فاقتلوه quot;!!!

والآن تواجه الدول الأوروبيه الغربيه عموما إمتحانا جديدا.. إمتحان تواجه فيه نفسها..فبعد أن هدأت غضبة المسلمون على الرسوم الكاركاتيريه.. وغضبة الشارع الأوروبي على المنقبات.. تواجه عاصفة جديده تضعها امام المرآه والسؤال هل ستتمسك بمبادئها القائمه على الميثاق الدولي لحقوق الإنسان.. أم ماذا؟؟
حالتان متشابهتان كلاهما من صلب حقوق الإنسان تواجههما نيوزيلنده وألمانيا الفرق أن الشخص الهارب إلى نيوزيلنده سعودي الأصل طلب اللجوء خوفا من الإضطهاد..بعد تغيير دينه..

والآخر في ألمانيا مسلم من أصل ألماني.. ترسخت عنده حرية التعبير.. وحرية الإعتقاد.. وهو ما جعله يتحول إلى الإسلام ويدرس الإسلام..
ماذا سيكون موقف نيوزيلنده في حال ما أن تقدمت المملكه السعوديه بطلب إعادة الشخص السعودي المرتد.. هل ستحميه نيوزيلانده من العوده لتطبيق الحد الشرعي أم ستضطر إلى التضحية بمبادئها خوفا على مصالحها..

وكيف ستتعامل المانيا التي رسّخت حرية التعبير.. وحرية الإعتقاد والعالم العربي مع الكتاب الذي سيصدر قريبا لعالم الدين الألماني الأصل البروفوسور المستشرق كاليش.. الذي وبعد تحوله إلى الإسلام والقيام بالعديد من البحوث العملية حوله.. يستعد لإصدار كتاب يحاول فيه إثبات نظريته بإحتمال ان النبي محمد quot; سلام الله عليه quot; لم يكن موجودا وأن محمد كان مجرد لقب وليس إسم لشخص؟؟ وأن القرآن لا يمكن ان يكون كلام الله لأن الله لا يكتب الكتب..!!!
كاليش والذي قامت الجامعة بوقفه عن العمل.. وهو ما يبدو كإجراء مؤقت لا غبار عليه.. كان بروفسورا في جامعة مونستر الألمانيه.. يدرس الإسلام كمادة في برنامج حكومي يدعو إلى التواصل بين المجتمعات في محاولة لدمجهم.. لأساتذه سيعلمون موضوع الإسلام في المدارس.. أكد بأنه عمل من خلال تدريسه الماده على تعليم هؤلاء الأساتذه على الحرية والإستقلال بالتفكير.. وليس تلقينهم أفكاره.. بل تشجعيهم على الدخول في حوارات دينيه هادفه للوصول إلى العالم الروحاني.. وهو عالم ما خلف الأديان.. وهو ما يعتقد أنه الأصل في التعليم !! والتعليم الديني بالتحديد !!

يقول كاليش الذي لا زال مصرا على إسلامه والذي كان قد حصل على الدكتوراه في مادة الشريعه الإسلامية
ومن أقوى المدافعين عن الشريعه الإسلاميه في الجامعة.. بأن الهدف الأساسي لديه هو تسليط الضوء من خلال البحث العلمي المنهجي على الإسلام بكل ما فيه من إيجابيات أو سلبيات تماما كما حدث مع المسيحيه واليهوديه في القرن التاسع عشر حيث كان علماء الدين الألمان أول من فتح الحوار حول دقة وصحة الأناجيل.. وهو في نظري الحوار الذي فتح الطريق أمام الإقتناع الشعبي بفصل الدين عن الدوله..

وبرغم أن العلماء المشتركون في البحث العلمي عن القرآن بجامعة براندربيرج في برلين أعلنوا في تصريح رسمي معارضتهم لتعليقات البرفوسور كاليش التي شككت في وجود النبي وفي القرآن.. إلا أن السؤال يبقى مطروحا..
أليس من المفروض أن يكون التعليم هو مفتاح العقل للتساؤل وطرح أفكار جديده.. وليس فقط لحفظ أو تلقين معلومات معينه تتناسب مع الفكرة التي يراد ترسيخها فقط مما يؤدي عاجلا او آجلا إلى أن يصبح عقلا مشلولا متقبلا يعجز عن طرح تساؤلات أو إيجاد حلول؟؟ وبالتالي فإن السؤال المرادف له لماذا يخشى المسلمون إخضاع الأفكار الموجوده في كل ما يتعلق بالإسلام.. للبحث العلمي والتمحيص والتدقيق..أسوة ببقية الأديان؟؟

لقد تعرضت الديانه المسيحيه لكل أشكال البحث ولكل أشكال الإستهزاء أيضا.. حتى قال البعض بأنها مجرد أكذوبه.. كثيرون هم من شككوا بوجود المسيح وبنبوته.. ولكن لم يحدث هناك شغب ولا تهديد بالقتل لأي من هؤلاء أو نعتهم بالكفار وتهديد حياتهم..
أيضا إستبق علماء الدين اليهودي الأحداث خوفا من تعرضهم لمثل ما تعرضت له المسيحيه.. حين قاموا بعملية مراجعه نقديه شامله للنصوص التوراتيه وحذف كل ما يتنافى مع المصلحه اليهوديه والعقل..

سيدي القارىء..

مما لا شك فيه بأن حياة النبي محمد quot;سلام الله عليه quot; قد كتبت ودونت في العديد من كتب التراث.. ولكن أيضا ومما لا شك فيه بأن هناك فترات لا يعرف فيها الكثير عن حياته.. إضافة إلى وجود العديد من الأحاديث والتي قد تتناقض في بعض منها مع روح النبوه.. وروح الدين.. خاصة تلك المتعلقه بالمرأه؟؟
بإعتقادي أن وجود النبي quot;سلام الله عليه quot; حقيقه ثابته.. ولكن من حق كاليش ان يؤمن بما يريد.. ومن حقه أيضا محاولة إثبات نظريته.. وعلى أنا كإنسانه إما أن أقبلها أو أرفضها.. ولكن مع الإعتراف بحقه في التعبير وإحترام محاولته في البحث..

نعم أنا أؤمن باهمية وضرورة البحث العلمي الدقيق.. وإستعمال منهجية واضحه ليس لإثبات صحة أو عدم صحة الدين.. بل لإخراج أنفسنا من مأزق الحقيقه المطلقه التي نعتقد بإمتلاكنا لها..

البرفوسور كاليش ليس أول من وضع روايات التراث تحت المجهر.. فلقد كتب الدكتور خليل عبد الكريم عالم الدين الأزهري 13 كتابا تناولت حياة النبي. ودور السيده خديجه.. والصحابه.والظروف السياسيه والإجتماعيه التي كانت قائمه قبل الإسلام وبعده كلها موثقة من كتب معتمده صدرت سابقا ولكن الفرق الثابت أنها تترك للقارىء الباحث المجال مفتوحا ومشرعا للتساؤل ( وليس عدم الإيمان فهذه مسأله خاصه ) حول وجود الله والنبوه..


باحثه وناشطه في حقوق الإنسان