رئيس الوزراء التركي السيد رجب طيب اردوغان قال في خطاب له في مدينة قونيا الواقعة في وسط الاناضول قبل اسبوع، موجهاً كلامه الى الحكومة الاسرائيلية: الوصية السادسة ( هي في الحقيقة الوصية الخامسة) في التوراة تأمر بالنهي عن القتل......كرر أردوغان بالتركية والإنكليزية والعبرية عبارة: لا تقتل!.

في اليوم التالي جاء رد زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض ولكن في مجال الشأن الداخلي قائلاً:
الوصية الثامنة من التوراة تقول: لا تكذب...!

يمكن الرد على الحكومة التركية والمعارضة والتاريخ التركي المعاصر، بأن الوصيتان تعنيهم جميعاً أولاً وأخيراً. التاريخ التركي مليء بالمجازر، والتاريخ الذي تعتمده تركيا مزيف (كبقية تواريخ دول المنطقة) وقسم كبير منه ممنوع من الكشف عنه ولا سيما الجزء المتعلق بالكرد والأرمن.

المرحوم موسى عنترالصحفي والمناضل الكردي ( قٌتل في عام 1992،وهو في السبعين،على يد الأجهزة السرية للدولة في دياربكر) يذكر في مذكراته باللغة التركية في الصفحة 29 ما يلي: القرويون الكرد كانوا يأتون بالحطب على ظهر الحمير ليبيعوه في سوق مدينة ماردين التي يعيش فيها الكرد والعرب والسريان وتقع الى الجنوب الشرقي من تركيا وعلى الحدود السورية. الحادثة تعود الى الثلاثينات من القرن الماضي. ثمن حمولة الحطب على ظهر الحمار كان يباع ب 50 الى 60 قرشاً تركيا (الليرة التركية كانت تساوي دولاراً امريكياً حينها). سعرالحمار مع الحطب كان 5 الى6 ليرات. الكرد يستعملون كلمة (تشو تشو)عند سوقهم للحمير، ووقتها لم يكونوا يعرفون كلمةً واحدة بالتركية. عدد من القرويين البؤساء كانوا يسوقون الحمير المحملة بالحطب بإتجاه سوق ماردين مرددين صيحاتهم بـ( تشو تشو)،غافلين عن الكمين الذي نصبته الجندرمة التركية لهم على أبواب المدينة.فجأةً هاجمت الجندرمة القافلة وبدأت بالضرب المبرح والشتائم البذيئة. القرويون كانوا مندهشين لما يحدث ويسألون الجندرمة عن الجرم الذي إرتكبوه. كلما زاد الكلام والصياح كلما إزداد حدة الضرب والاهانة ولم يكونوا يعرفون أن كثرة الكلام كانت تزيد من سقف عقوبتهم.

المساكين لم يكونوا يدرون أن السر هو في كلمة (تشو تشو). هذه الكلمة كردية. عقوبة النطق بأي كلمة غيرتركية كانت تكلف صاحبها 50 قرشاً، أي ما يساوي ثمن حمولة حطب التي جاء بها ليرتزق من ورائها. بقية الكلمات التي كان القرويون يستعملونها للإستفسار أو الآهات التي كانت تنم عن الألم كانت تدخل ضمن فاتورة العقاب.

يستمرالعم موسى في سرده ويقول: كان أحد هؤلاء quot;المجرمينquot; واحداً من أخوالي. حجز الجنود الحمار و حمولته وقدر السعر بـ 5 ليرات، كما أنه أدخل نظارة الجندرمة لمدة يومين قاسى فيها كل أنواع التعذيب الوحشي الذي يشتهر به الاتراك ويعلم به كل العرب منذ العهد العثماني. بعد ثلاثة أشهر ونصف الشهر وصل القرية جابي الأموال (تحصيلدار) ومعه دورية الجندرمة. طالبو خالي بدفع بقية الغرامة وكانت سبع ليرات (الغرامة كانت 12 ليرة،خمس ليرات دفعت عند وقوع quot;الجريمةquot; أي ثمن الحماروحمولته). يبدو أنه كان قد لفظ 24 كلمة كردية في ماردين. الجندرمة هددته بالحجز على موجودات الدار إذما لم يدفع الغرامة.
أضطرالخال المسكين الى بيع خمسةٍ من عنزاته مسدداً بذلك غرامة quot;جريمة التكلم بالكرديةquot;.
بعد ذلك التاريخ تحولت ماردين طبعاً وبقية المدن الكردية الى مدينة أشباح يخيم عليها صمت القبور. لا أحد يعرف التركية. التكلم بغيرالتركية يعني العقاب والغرامة الباهظة. لا أحد يتكلم خارج الدار. الكلام بالإشارات فقط وكأن كل أهل المدينة بكاملها هم من الطرشان.

لعل الكثيرين لا يعلمون أن السلطات التركية كانت قد اصدرت فرماناً بقراءة الآذان باللغة التركية.

هذا مثال عابرمن التاريخ التركي في بدايات تشكيل الجمهورية الاتاتوركية ويميط اللثام عن العنصرية والهمجية التي مورست ضد الكرد. إذا أراد البعض معرفة المجازر التي أرتكبت في مدينة ديرسم (تم تبديل الإسم الى تونجلي التركية) عامي 1937 و 1938 فما عليه إلا كتابة كلمة(ديرسم)على محرك الغوغل، وعندها سيخجل كل عربي من ذكرمجزرة دير ياسين (ليس القصد التقليل من هول المجزرة) مقارنةً لما حل بديرسم، حتى حلبجة كانت ستبدو بسيطة لولا السلاح الكيميائي الرهيب.

قد يتساءل المرء عن المغزى من هذه الكتابة؟

الفلسطينيون في غزة والضفة يعانون من الإحتلال والظلم والحصار....الخ.

الكرد في تركيا يعانون أضعاف ذلك زائداً منعهم من تسمية أطفالهم بالأسماء الكردية، ولاتدريس بلغتهم وحرب في المنطقة الكردية منذ ربع قرن مع التهجير والفقر ووو.....الخ.

الشعب الفلسطيني والعربي وجدوا الآن حليفاً ضد اسرائيل، أي تركيا..

إذا وقفت إسرائيل مع ثقلها السياسي والمالي والإعلامي والتطور العسكري الى جانب كرد تركيا،على سبيل المثال اذما قررت دعم حركة حزب العمال الكردستاني ونتيجةً لذلك حدث تحالف إسرائيلي كردي ضد الطغيان التركي على غرار ما يحدث الآن بين تركيا والعرب ضد الظلم الإسرائيلي، ماذا سيكون موقف ورد فعل الفلسطينيين والعرب من كرد تركيا حينئذٍ؟.أم أن هناك قوانين سماوية خاصة بالعرب واليهود، أيquot;خير أمة أخرجت للناسquot; و quot;شعب الله المختارquot;، ولذلك لن يحل معضلتهم إلا الله سبحانه وتعالى....وهذا لن يحدث إلا في يوم القيامة......

قسم كبير من الصحافة التركية نبهت اردوغان الى خطورة الاحداث إذا إتجهت اسرائيل الى دعم كرد تركيا. عدد الكرد في تركيا هو حوالى ثلاثين مليون نسمة.

الجواب متروك للعقل والذكاء والضمير....

التحالفات القائمة على اللاأخلاقية وخيانة المبادئ وإزدواجية المعاييرمصيرها الخذلان وسواد الوجه أمام الله والتاريخ..

طبيب كردي سوري السويد
[email protected]