الاسبوع قبل الماضى كتبت مجلة تايم الأمريكية الرصينة أن تركيا تحت قيادة الإسلاميين ستتحول إلى إيران أخرى بعد عشر سنوات، وهناك من المحللين من يقول أن الأمر سيستغرق أقل من عشر سنوات إذا استمر تسارع الأسلمة بنفس معدله الحالى، والمسألة مرتبطة بسيطرة أوردغان على المؤسسات الثلاثة التى تعد حامية للعلمانية فى تركيا وهى الجيش والقضاء والنظام التعليمى.
لقد أستخدم أردوغان التقية ومبدأ الأستضعاف فى البداية لكى يلتهم المؤسسات العلمانية الواحدة تلو الأخرى، وليفرض سيطرته الفعلية هو وحزبه على الجهاز العصبى للدولة التركية، وكان بارعا فى الضغط الداخلى لقبول الإصلاحات التى يطالب بها الاتحاد الأوروبى من تركيا لكى تكون مؤهلة للانضمام للأتحاد.
الاتحاد الأوروبى كان يطالب تركيا بأن تحترم حقوق الإنسان والحريات الفردية وحق الفرد فى الزى الذى يريده لكى تكون دولة علمانية تحترم حقوق الإنسان وحرياته، لكن أوردغان كان يخطط للاستفادة من هذه الأصلاحات لتخفيف قبضة الجيش على الحياة السياسية ولنشر الزى الإسلامى فى الجامعات والحياة العامة ولعمل أنقلاب تدرييجى فى الدولة التركية يقلص بموجبه العلمانية تدريجيا ويضمن سيطرة فريقه على مفاصل الدولة وليبعد تأثير الجيش والقضاء كحراس للدولة العلمانية الاتاتوركية.
وبعد أن شعر بأن الأمر استتب له نسبيا بدأ فى الخطوة الضرورية لتدشين نفسه زعيما بارزا فيما يسمى بالعالم الإسلامى، فدخل على الخط فى قضية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى سائرا على درب عبد الناصر والخومينى وصدام حسين وحسن نصر الله وأحمدى نجاد وغيرهم من أبطال الخراب وزعماء الحناجر وبائعى الوهم للشعوب، وهل هناك قضية أكثر حساسية من قضية فلسطين لكى يفتتح بها مزاده الأقليمى والدولى. ويبدو أن احلامه انتفخت أكثر وهو يستمع إلى وزير خارجيته البروفيسور أوغلو الذى يرى أن نفوذ تركيا يمتد من البحر الاسود إلى خليج هرمز ومن ارمينيا إلى موريتانيا!!.
أفتتح أوردوغان مزاده بفاصل حنجورى فى مواجهة شيمون بيريز فى مؤتمر دافوس العام الماضى،وهب فى تصرف صبيانى تاركا النقاش متهما مدير الحوار الكاتب الصحفى بجريدة الواشنطن بوست ديفيد أغناتيوس بأنه لم يعطيه الفرصة كما اعطى لبيريز ملمحا بأن ذلك يعود لأصول اغناتيوس الأرمينية المعادية لتركيا.
وبعد أن حصل على كم هائل من الأطراء من الجانب العربى وارتفعت شعبيته أكثر لدى الحزام الريفى المتدين فى تركيا أقبل على الخطوة الثانية وهى الترتيب لرفع الحصار عن منظمة حماس بغزة.اقنع أوردغان اصدقاءه الإسرائيليين بأن ما سمى باسطول الحرية هو عملية تعضيد معنوى لأهل غزة عبر مجموعة من الاتراك المسالمين، ولكن بعد الجريمة الإسرائيلية الغبية ضد مجموعة السفن المتوجهة لغزة اتضحت الأمور رويدا رويدا.
اتضح أن منظمة الأغاثة التركيةIHH هى منظمةإسلامية متطرفة لها سجل حافل من مساندة شبكات الجهاد الإسلامى عالميا منذ تأسيسها عام 1992. وأن الحكومة التركية قد قامت بأقتحام مقرها الرئيسى فى اسطنبول فى 5 ديسمبر 1997 واعتقلت قادتها، وفى 27 ابريل 1998 حولوا للمحاكمة بتهم تتعلق بتخزين اسلحة ووجود خطط لديها لمساندة جماعات إرهابية عالميا. ووفقا لدراسة للمعهد الدنماركى للدراسات الدولية نشرت عام 2006 فأن منظمة الأغاثة التركية متورطة عالميا فى دعم شبكات جهادية وخلايا إرهابية فى البوسنة وسوريا والعراق وافغانستان والشيشان،وأن دور المنظمة التركية كان القيام بالتسهيلات اللوجستية المتعلقة بتوصيل الأسلحة والأموال.
أيضا منظمة الأغاثة التركية هذه هى عضو فى ائتلاف الخير الذى أسسه الشيخ يوسف القرضاوى مع قيادة حماسية لمساندة حركة حماس فى مواجهة السلطة الفلسطينية، واستطاع ارسال عشرات الملايين إلى حركة حماس. أرتبط أيضا أسم منظمة الأغاثة التركية بالعملية الفاشلة التى خطط لها احمد راسم لتفجير مطار لوس انجلوس الدولى فى عشية الالفية فى31 ديسمبر 1999. وبما هو جدير بالذكر أن المنظمة موضوعة على لأئحة السى أى آيه للمنظمات التى تخضع للمراقبة.
نحن إذن امام منظمة عضو فى شبكة الإسلامية الدولية مترامية الاطراف، وذهبت إلى غزة لمساندة حليفتها حماس وليس لدعم أهل غزة المساكين، ولكن المؤسف هو تستر رئيس الوزراء التركى ونظامه اٌلإسلامى على هذه المنظمة بل ورعايتها.
اهل غزة المساكين الذين لا طاقة لهم ولا جمل دفعوا ثمنا ثقيلا من محاصرة المجتمع الدولى لحماس من الخارج ومحاصرة حماس لهم من الداخل وقد حولت حياتهم إلى جحيم،فى نفس الوقت الذى امتلأت جيوب قادة حماس بالملايين حتى اصبحوا أكثر فسادا من قيادات فتح مع مسحة دينية كاذبة يغطون بها فسادهم وديكتاتوريتهم.
ذهبت سفينة أردوغان إلى غزة وفى ذهنهم المقاومة حتى الموت والاستشهاد، ولهذا كما يقول عبد البارى عطوان فى القدس العربى قاوموا بكل ما اتيح لهم من أدوات للدفاع عن النفس.
لا توجد دولة فى العالم يحكمها إسلاميون إلا وتضع عداوة إسرائيل فى مقدمة أهدافها،فهم يرون أن الإسلام سينتصر على إسرائيل كما كان يقول حسن البنا أن الإسلام سيبطل قيام إسرائيل كما ابطل غيرها، ولهذا كانت إيران الشأه فى علاقة صداقة وتعاون عسكرى وثيق مع إسرائيل، وبمجرد استيلاء نظام آيات الله على الحكم حولوا الصداقة إلى عداوة. تركيا كانت من اوائل دول العالم التى اعترفت بإسرائيل بمجرد قيامها عام 1948 ولكن تركيا الإسلامية عندما تكتمل أركان الحكم الإسلامى فيها ستكون الخطوة المؤكدة هى إعلان عداوتها لإسرائيل.
السيناريو معروف ومحفوظ، قبل أن تتحول تركيا إلى إيران أخرى ستكون إيران نفسها فى خبر كان، وبعدها يبدأ حصار المجتمع الدولى لتركيا كما حدث مع إيران.
الخلاصة واضحة: الدول التى يحكمها الإسلاميون تعادى نفسها قبل أن تعادى الآخرين، وإذا استمر اردوغان فى هذا الطريق وهذا الغى، فالخاسر الأكبر هو الشعب التركى اولا، والشرق الأوسط ثانيا والعالم ثالثا.
فهل يتعظ أوردغان من تجارب الحكم الإسلامى الفاشل أم أن تاريخ الإسلاميين يكرر نفسه بصورة قد تكون متطابقة... ولن يكون أوردغان الأخير فى هذا الصدد؟.