في التاسع والعشرين من شهر ماي الماضي نشرت صحيفة التايمز البريطانية تقريرا حذرت فيه من أن فتيات إنجليزيات يدخلن الإسلام ويترددن على المساجد فيما تشهد الكنائس عزوفا كبيرا من المسيحيين وتدنّت نسبة حضورهم صلوات يوم الأحد إلى اثنتين في المئة. هذا المقال التقطته الجماعات والمؤسسات الإسلاموية فقامت بتحويره وترجمته على المقاس وادعت أن ثلاثين ألف بريطاني اعتنقوا الإسلام، وانتشرت هذه الادعاءات في عدد كبير من الجرائد العربية الورقية منها والإلكترونية، فيما جعلته المنتديات والمدونات مادة دسمة لها وأشبعه القراء تهليلا وتكبيرا باعتباره فتحا مبينا.

جريدة التايمز المحسوبة على اليمين المعادي للأجانب لم تنشر التقرير غيرةً على شقروات انجلترا ولا مدحا في الإسلام وإنما تقريرها جاء بعد يوم واحد فقط (28-04-2010) من تقرير موضوعي نشرته غريمتها صحيفة الغارديان الرصينة تحذر فيه من تنامي التطرف ومعاداة المسلمين في بريطانيا. الغارديان دخلت في أوساط متطرفي تنظيم مايسمى برابطة الدفاع الإنجليزي ونقلت شهادات مرعبة حول اعتزام عناصرها تنظيم مظاهرات عارمة هذا الصيف في مناطق ذات كثافة سكانية عالية من المسلمين لخلق حالة من عدم الاستقرار في بريطانيا.

بريطانيا، الأزمة الاقتصادية وتنامي التطرف:

الغارديان دعمت تقريرها الذي أنجزه الصحافي ماثيو تايلور بكاميرا خفية صورت تحركات اليمينيين البيض وتجمعاتهم منذ بداية العام. قالت الصحيفة إن الشعار الوحيد الذي جمع قرابة ثلاثة آلاف متطرف في بعض حانات مدينة بولتن شمالا هو طرد المسلمين من بريطانيا. شبابٌ بيض حليقو الرؤس على أجسادهم وشوم، غالبيتهم ينتمون إلى الطبقة العاملة والكثيرون منهم متعصبون لفرق كرة القدم (هوليغنز) ينوون تنظيم مسيرات صاخبة هذا الصيف في المناطق التي يقطنها المسلمون للاشتباك مع أعدائهم كما يصورونهم.

الشباب الذين بدؤوا في شرب الجعة قبل أربعة ساعات كانوا يستمعون إلى زعيمهم وهو في الأربعينات من عمره حيث دعاهم إلى وضع حد لغزو المسلمين لأرضهم.

بعد أربعين سنة سيحكموننا بقانون شريعتهم الإسلامية على أرضنا، هكذا كان يشحن أتباعه ويدعوهم للخروج إلى الشارع.

هؤلاء المتطرفون ينتمون إلى رابطة الدفاع الإنجليزي English Defence League وهي منظمة من أخطر التنظيمات تطرفا ومعاداة للأجانب وعلى رأسهم المسلمون.

يُنسق أعضاء هذه الرابطة مع زملائهم في الحزب الوطني البريطاني British National party الذي يتزعمه المتطرف ماك غريفين وقد خسر الحزب مقاعد كثيرة في الانتخابات التشريعية الآخيرة وهذا ما أدى بمناصريه إلى تحويل نشاطهم إلى الشوارع والحانات.

التنسيق لا يقتصر بين التنظيميْن الكبيرين بل يتعداه إلى العشرات من التنظيمات المتطرفة الصغيرة التي تتوعد المسلمين بالخروج إلى شوارع أكبر المدن البريطانية مثل لندن، مانشيستر، كارديف و آستون فيلا، للتعبير عن سخطها على الإسلام والمسلمين. انتهت ترجمة بعض الأجزاء من تقرير الغارديان.

المتخصصون في الجماعات المتطرفة البريطانية يقولون إن الأزمة المالية وفقدان أبناء البلد لوظائف كثيرة يولّد لديهم قناعة بأن الأجانب هم المتسببون في بطالتهم، لكن لماذا معاداة المسلمين بالذات؟ إضافة إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا والهجمات على وسائل النقل في لندن ومدريد...يذهب الكثيرون إلى أن جزءًا من وسائل الإعلام اليمينية يساهم في تشويه صورة الإسلام والمسلمين. وهي نفسها التي كانت تحرّض ضد اليهود إثر هجراتهم إلى بريطانيا أيام النازية، ثم السود الذين هاجروا من جزر الكارييب، وقد شهدت سنوات السبعينات أحداث عنف وشغب كبيرة واعتداءات متكررة على أقليّة السود. وإثر اندماج هاتين الأقليتين في المجتمع البريطاني ومؤسساته جاء دور المسلمين الآن ليصارعوا أفكار اليمين المتطرف.

تقارير التايمز اليمينية وغباء الإسلامويين:

صحيفة التايمز لم تنتظر أكثر من أربع وعشرين ساعة لترد على مراسل الغارديان وتنشر تقريرا لها من الجامع الكبير الواقع في ريجينت بارك وسط لندن. ورغم أن بعض الإحصائيات التي تناقلتها التايمز ليست دقيقة إلا أنها لم تكن في سذاجة من نقلوا عنها التقرير. فالتايمز ولأنها تحترم قراءها الإنجليز لم تتحدث عن عدد الأشخاص الذين اعتنقوا الإسلام وإنما تحدثت عن عينات، لكنها اتبعت أسلوبا مستفزا ألهب مشاعر القوميين الإنجليز.

موقعٌ إلكتروني إسلامويّ التقط مانشرته التايمز وأضاف إليه إحصائيات من نسج الخيال لتهييج العواطف في العالم العربي وقام بتوزيعه على بعض الفضائيات ونشرته على مواقعها على النت ليتناقله الآخرون دون معرفة خلفية التفاصيل. الموقع أشار إلى أن ثلاثين ألف انجليزي اعتنقوا الإسلام، ولم يكشف عن مصادر تلك الإحصائية ولا إلى تاريخها، فربما الثلاثون ألفا اعتنقوا الإسلام منذ أيام الحرب العالمية الثانية! وحتى إذا سلمنا بهذا، من أعطى هذه الإحصائيات للموقع؟ مصالح البلديات مثلا والتي لا تسأل الناس عن ديانتهم، أم مصالح وزارة الداخلية البريطانية؟ وهل الإنجليزي الذي يعتنق الإسلام يحتاج إلى ورقة إثبات من الدولة؟ في بلد يُعتبر فيه السؤال عن نوعية الديانة التي يعتنقها الناس نوعا من العنصرية، أو نوعا من الدخول في التفاصيل المُملة. كما أن إحصاءات وزارة الداخلية البريطانية عن أعداد المسلمين التي تقارب المليونين وأربعمئة ألف، هي إحصاءات تتناول الأسر المسلمة التي هاجرت إلى بريطانيا خصوصا من جنوب شرق آسيا ومن الدول العربية مؤخرا وأبناءها من الأجيال المتلاحقة والمتركزة في بعض المناطق التي يقطنها الباكستانيون والبنغال، أما عن البيض الذين يعتنقون الإسلام فلا تملك أي جهة رسمية إحصاءات دقيقة وتبقى كل الأرقام مجرد تقديرات وتخمينات، لأن البيض الذين يعتنقون الإسلام لا يسجلون تغيير ديانتهم في أوراق رسمية ولا يقطنون في مناطق ذات كثافة سكانية مسلمة عالية نظرا لتعقيدات اجتماعية وثقافية كثيرة.

ولفهم الأهداف الكامنة وراء فبركة هذا الخبر من طرف المتاجرين بالدين نستعرض الجملة التي أُقحمت في سياقها: (أفادت تقارير صحافية بريطانية بأن آلاف الشابات البريطانيات اللاتي يعشن في المملكة المتحدة قررن اعتناق الدين الإسلامي، وذلك في خضم الجدل الدائر الآن في أوروبا حول حظر ارتداء النقاب، وقالت صحيفة quot;ذي تايمزquot; إن أعداد المهتديات إلى الإسلام في ازدياد) إذن الأمر يتعلق بفرض النقاب على المجتمعات الغربية. والنقاب كما هو معلوم لا تقف وراءه جماعات وسطية معتدلة وإنما يمثل الإسلام الراديكالي المتحجر.

ألفٌ تساوي..أُفْ. والقوة ليست في العدد:

ولنفترض أن ثلاثين ألفا من البريطانيين يعتنقون الإسلام كل يوم جمعة. فهل الإسلام يحتاج إلى زيادة أعداد معتنقيه أم أهو بحاجة إلى فهمه فهما صحيحا ليكون شريكا في تحقيق التقدم الحضاري والعلمي لنفع البشرية؟ وهل المليار ونصف مليار مسلم في العالم غير قادرين على خدمة الإسلام وهم بحاجة إلى بضعة آلاف من الغربيين للانطلاق بالإسلام نحو (التمكين) كما يعتبر الكثيرون؟ طرحتُ هذا السؤال على أحدهم فأجاب، نعم إن دخول بريطانيّ أو أمريكية إلى الإسلام سيخدم الدين أكثر، لأن وزنهم يعادل وزن مئات الآلاف من المسلمين الخانعين النائمين.

وهنا الطامة الكبرى، هذا الجواب الذي تعتقد به الغالبية الكبرى ينمّ ضمنا عن حالة انهزامية مغروسة داخل المسلمين وهي المسؤولة عن تخلف الدول المسلمة عن ركب الحضارة. وبالمناسبة ففي الفترة التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن، شهدت الصحف والمنتديات الإسلامويّة سُعارا جماعيا، إثر ما اعتبروه دخول المئات من الغربيين الإسلام وأن أغلب المسلمين الجدد، أناس متعلمون وخريجو أكبر المعاهد والجامعات. وهكذا فإن قتل الآلاف من الأبرياء أضحى سببا وجيها في اعتناق الأجانب الإسلام!

لكن مالا يعرفه هؤلاء أن المخابرات الأمريكية والغربية قامت بأكبر عملية تجنيد للعملاء في وكالاتها لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية وذلك لمواجهة الإرهاب الأصولي واشترطت للالتحاق بها، الشهادة الجامعية ومعرفة اللغة العربية وبعض تعاليم الإسلام وطبائع المسلمين، وقد قامت بإرسال (المسلمين الجدد) إلى المساجد والمؤسسات والتجمعات الإسلامية لتقصي الأخبار. ورغم أن بعضا من هذه الوكالات نشر إعلانات التوظيف علنا على النت، إلا أن الغوغاء استمروا في حملتهم المُضللة. وهذا لا ينفي أن الكثير من الأجانب يدخلون الإسلام عن قناعة ودون أي خلفية سياسية أو مخابراتية، لأنهم وجدوا راحتهم النفسية في الإسلام، كما لا ينفي أيضا أن الكثير من المسلمين دخلوا المسيحية أو اعتنقوا البوذية أو ألحدوا سواء عن قناعة أو من أجل الحصول على عمل أو مال.

لكن التهليل لدخول الأجانب إلى الإسلام يعكس حالة من الشك يعيشها البعض اتجاه ديانته، فكلما كثر عدد الوافدين من كل فج، كلما زاد يقينه بأنه على الطريق الصواب.

الصورة النمطية عن الغرب:

حبذا لو أن الذين زوّروا تقرير صحيفة التايمز والإحصاءات التي اخترعوها، حبذا لو طرحوا القضية بصيغة أخرى وقالوا، ما أعظم شعب وحكومة هذا البلد العلماني (الكافر) الذي يتقبل (ارتداد) شبابه وشاباته عن ديانتهم المسيحية ويتسامح معهم ولا يضايقهم بالحبس أو بالجلد أو بتقطيع رؤوسهم. وحبذا لو تساءلوا كيف هي ردة فعلهم اتجاه اعتناق الشباب المسلم للمسيحية!

ولايخفى علينا أن العشرات من حالات إسلام الغربيات يكون رغبة منهن في مسايرة أزواجهن المسلمين وهنا يكون لعامل الحب والرومانسية دورا فعالا في أسلمة المرأة، وما أن تدب المشاكل بين الطرفين ويحدث الطلاق حتى تعود المرأة إلى ديانتها الأصلية وهنا أتحدث عن عشرات التجارب التي عشْتها شخصيا في بلاد الغرب. وهذا مالا تنقله وسائل الإعلام العربية، وكأن مهمتها تقتصر فقط على ترسيخ تلك الصورة النمطية السلبية عن الغرب المادي الذي يتهافت على الإسلام وعن معاناة المسلمين في دياره، وهذا ماينفيه الواقع تماما إذا علمنا بأن المهاجرين من المسلمين والعرب يهرولون إلى الدول الغربية هرولةً للاستفادة من مناخ الحرية والعدالة الاجتماعية مع الإقرار بوجود تجاوزات محدودة يفصل فيها القانون. وحتى اليمين المتطرف الذي نتحدث عنه فهو استثناء في المجتمعات الغربية ويبقى الأصل فيها هو التسامح واحترام الغير.

أعود إلى الغباء الإسلاموي الذي أسهم بشكل كبير في تحطيم صورة أي مسلم يستطيع النفوذ إلى الطبقات العليا في المجتمعات الغربية، فمن الممثلين إلى اللاعبين إلى السياسيين الذين لمعوا، كلما حاول أحد المسلمين الدخول في عالم السياسة أو الشهرة والمال إلا وبدأت تلك الأبواق تهلل للمسلم (حتى وإن كان لا يطبق الإسلام) الذي استطاع أن يصل إلى تلك المكانة، ومن هنا يصبح النجم الجديد محط أنظار مصالح النفوذ اليمينية حتى تطيحه أرضا وبالضربة القاضية!

أغلب السياسيين والمشاهير من اليهود والأرمن والبوذيين وغيرهم من ممثلي الأقليات في الغرب يتسللون إلى أرقى درجات السلم الاجتماعي دون ضجة، بل تعمل المؤسسات القريبة منهم جاهدة على إخفاء معتقداتهم ليخدموا أجندتها في صمت، لكن طريقة التعامل مع الإعلام والسياسة مختلفة تماما بالنسبة للمتاجرين بدين الإسلام الذين يستثمرون هذه المناسبات لجلب المزيد من الغوغاء نحو أجندتهم الحزبية والسياسية الضيقة على حساب مصالح استراتيجية أعمق وأبعد.