ــ كاتب المقال هو الصحفي المخضرم رؤوف تامر والذي يكتب زاويته اليومية منذ أكثر من ثلاثة عقود. أسلوبه ممتع وشيق بالرغم من الإختلاف في وجهات النظرمعه، إذ أن كاتبنا قومي الهوى ومع ذلك يأتي على ذكر الحقيقة أيضاً. في السنوات الأخيرة صار أكثر إعتدالاً.

أدناه ترجمة لإحدى مقالاته والتي تشير الى الضجر واليأس الذي أصاب الاتراك بسبب الحرب الدائرة منذ ربع قرن بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني والجيش التركي.

نص المقال:

هذا هو حال الوطن...
في جزءٍ منه حرب ضروس، وفي جزءٍ آخر شواطئ ورمال وشمس.
البعض من الأمهات تذرفن الدموع على فلذات الأكباد وأخريات تهيئن وتخططن لسعادة أبنائهن......خطوبة، زواج، عيد ميلاد، حفلات، دبكات السمر والغناء...
هذا هو واقع الحياة في الوطن...
البعض من الشباب يحاربون بشراسة في الجبال، بينما البعض الآخرمنغمس في اللهو والترف والشهرة والثروة.

من أديرنة (أقصى مدينة في الغرب التركي.المترجم) الى هكاري (مدينة كردية في أقصى الشرق في تركيا.المترجم) تسقط النارعلى بعض البيوت لتحرقها (يقصد الأسر التي يُقتل أبناؤها الجنود في المعارك الدائرة مع المحاربين الكرد.المترجم)، بينما بيوت أخرى تسقط عليها بطاقات اليانصيب وتفتح أبواب الحظ على مصاريعها.

المقارنة بين إنفجارلغمٍ في شرنخ (محافظة كردية نائية ومسرح لعمليات القتال.المترجم) وإنفجارقنابل الألعاب النارية في سماء مضيق االبوسفور (أجمل منطقة في استانبول يرتاد حاناتها أصحاب الإمتيازات وعائلاتهم.المترجم) لايختلف عن المقارنة بين السماء والأرض.

أشعر بالضيق والغثيان.

عينايّ لا تتحملان مشاهدة ذلك المنظر. منظر هؤلاء الشباب الذين لم يركبوا طائرةً في حياتهم ولكن جنازاتهم تنقل بالطائرات الى أسرهم المنكوبة.

في نفس تلك اللحظات يطير الآلاف الى المصايف والشواطئ.
تباً لك أيتها الجبال....أيتها الجبال الشامخة....
أيتها الجبال....هناك أيضاً شواطئ ورمال وتزلج...

أمر يبٌعث على الدهشة والحيرة...هذا يشبه تماماً تداخل الجنة والجحيم مع بعضمها البعض...
الذي يبعث على الحزن والأسى هو أننا مضطرون للقبول بهذا التناقض...
إلا أن هناك أمر آخر وهو وجوب معرفة الحقيقة...
ما الذي يحدث؟
هل هذه حرب أم هو إرهاب أم عصيان؟ (السؤال موجه الى الحكومة ورئاسة أركان الجيش بشكل خاص.المترجم).
ماهي عدد الآلاف الأخرى التي يجب أن تقضي نحبها في هذه الحرب؟
خمسون ألف؟.....مئة ألف؟
لا..لايكفي....
500 مئة ألف....أليس كذلك؟
في هذا الجو الحارنعمد للجلوس أمام المكيفات نقرر ونقطع الأحكام.
كلنا جهابذة وعلماء.....أنظروا الى المقالات والتحليلات وعناوين الصحف....

أمرعجيب ومدهش...

ولكن ليست هناك أية نتيجة على ارض الواقع.
بعد شهرين سيكون قد مضى على هذه الحرب ستة وعشرون عاماً بالتمام والكمال، ولازالت مستمرة.
تباً لك أيتها الجبال...أيتها الجبال الشامخة...
قلوبنا تتقطع دماً....
لا أصدق...
هل حقاً أنها نفس تلك الجبال التي حكوا لنا عنها في كتب التاريخ المدرسية؟؟(يقصد التاريخ المُزّورْ للدولة الذي لم تذكربأن هذه الجبال هي جبال كردية.المترجم).
أم أنها ولِدَتُ من جديد؟...

إنتهى المقال...

الكاتب هنا يفضح كبار ضباط الجيش والسياسيين وأصحاب المناصب الكبيرة في الدولة التركية. في مدة ربع قرن كامل لم يُقتلْ أي فردٍ من أبناء هؤلاء (هذه حقيقة وتنشرها الصحافة دائماً.المترجم) الذين لا يهمهم غيرجمع الثروة والإحتفاظ بالإمتيازات. القتلى، وهم بعشرات الألوف، كلهم من أبناء الفقراء والمساكين.

حرب غير عادلة بين الجيش التركي مدعوماً من كل إمكانيات الدولة ويعتبرثاني أكبرقوةٍ في حلف الناتو، وبين مقاتلين أشداء ليس لهم أية إمكانيات سوى إيمانهم بعدالة قضية شعبهم المظلوم، مأواهم الجبال والكهوف يعيشون على الكفاف وفي أقسى الظروف يتحدون مع الموت.

منذ ثلاث سنوات وطائرات التجسس الاسرائيلية والأمريكية تحصي على هؤلاء المقاتلين الأبطال أنفاسهم. لا يستطيعون التجمع أكثرمن ثلاثة أفراد، بل ليس في إمكانهم التجمع حتى في الكهوف. في ليالي الشتاء الباردة هم محرومون من الدفئ بنارالأحطاب وذلك بسبب كشف تلك الطائرات لأماكنهم عن طريق الكاميرات الحرارية. تلك الطائرات الاسرائيلية والامريكية الحليفة تٌرسل منها الاحداث الى الجيش التركي الذي يقوم بضرب الأهداف وكأن الطيارين في نزهة صيد.

الجنود يُرغمون على الحرب بأوامرمن تجار الحرب المذكورين أعلاه.

مقاتلات ومقاتلوا حزب العمال الكردستاني تركوا الأهل والمنزل والدفئ... وكل شيء بمحض إرادتهم واضعين أرواحهم على أكفهم يٌسطرون صفحات التاريخ، ليس لهم أية غاية إلا تحرير شعبهم من الإستبداد. شابات وشباب في عمر الورود تحولوا الى أسود في سبيل رفع الضيم عن شعبهم.

الحرب لن تحل أية قضية. نحن نتألم لكل جندي تركي يقتل. نحن نشعر بآلام الآباء والأمهات الذين يستقبلون جنازات أبنائهم وهم في ريعان الشباب. كلنا من لحم ودم وأحاسيس وضمير وعواطف...كل من ينادي بالعنف يجب الشك في إنسانيته...

سوف يأتي اليوم الذي تٌحل فيه القضية الكردية، ولسوف يسود السلام والمحبة ربوع تركيا... ولكن إلى ذلك الحين، كم من الدماء والأرواح ستذهب هدراً... وكم من المعاقين والأيتام والثكالى سوف يعانون من العذاب والحرمان حتى ذلك اليوم...

الدلائل مشجعة حتى وصل الأمر بالقوميين الى الإعتراف بعدم جدوى العنف والحرب وهم باتوا الآن يتساءلون: لمصلحة من كل هذا الجنون؟؟

[email protected]