أتذكر قصة حدثت في أحدى الحارات البسيطة، حيث كانت عائلة صغيرة تعاني من مرض كبيرها وعائلها بمرض عضال لا يرجى له السلامة منه، وأن أهل بيته من القصر والنساء والأطفال كانوا في حيرة مما ستؤول إليه حالتهم وحياتهم من بعده.


ولكن أهل الحل والربط في الحارة البسيطة لم يتركوا الأمر يسير على عواهنه ولم يتواكلوا، ولم يتعاموا عن رؤية الحق. فقاموا بما يجب عليهم كقائمين على المجتمع القيام به، بترتيب أمور تلك العائلة الحياتية والمادية في حاضرها ومستقبلها حتى لا تترك تائهة حزينة مصابة بمصابها، ومهمومة خائفة في يومها، وحائرة مترقبة في مستقبلها.
وتقدم الأخيار كما جرت عليه قوانين المجتمع الأصيل بتعيين عائل رسمي بديل مؤقت للعائلة المسكينة، والتبرع بجمع دخل معين للأطفال البائسين غير القادرين على طلب الرزق لكي لا تتأثر دراستهم وحياتهم. وقاموا بتهيئة الكبير منهم لتولي عمل بسيط بالإضافة إلى دراسته ليتمكن من تولي أمور عائلته مستقبلا.


ذلك ما يحدث في أبسط صوره بحاراتنا العربية الأصيلة، وما يحدث أيضا في المجتمعات الإنسانية المتكافلة المتحضرة. ولكن ما يحدث على مستوى الدول العربية أقل من ذلك بكثير. بل إن ما يحدث يدعو للحيرة والتعجب من هوان الشعوب وحيرتها وتشرذمها وعبث المجهول بمستقبلها وإنسانيتها وحقوقها.
فأكثر الشعوب العربية حائرة لا تعرف كيف سيكون الغد، ولا كيف ستسير دفة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في بلدانهم، التي هيمن عليها الخوف والجهل، بمجرد قرب موت الحاكم، الذي التصق على كرسيه لعقود متوالية!.


في الآونة الأخيرة قيل أن الرئيس المصري مبارك مصاب بمرض، وأن الإشاعات تتردد بأنه إما سيموت قريبا (والأعمار بيد الله). وأن أسرته المكونة من أكثر من ثمانون مليون نسمة مصابون بالحيرة والخوف والقلق الشديد مما يمكن أن يحدث لهم ولحياتهم ومستقبلهم الرمادي المجهول.
فهم لا يعرفون كيف ستسير الأمور السياسية من بعده!. وكأنهم يعيشون تحت رحمة وحش كاسر في غابة بلا قانون وبلا نظم. ولا يعرفون من سيخلفه في الحكم لعدم معرفتهم بنوع الحكم السائد في الدولة وهل هو ملكي وراثي جبري، أو جمهوري انتخابي ديمقراطي!. ولو أن جميع الدلائل تشير إلى أن ابنه الكبير سيخلفه بالقوة كما حدث في دول عربية أخرى، ودون نظر لمصالح الشعب أو رغباتهم!، ودون أدنى اعتبار لمفكري و مثقفي وعظماء هذا البلد.


ثمانون مليون نسمة لا يجدون من يطمئنهم على مستقبل حياتهم!. ولا يتمكنون من الحصول على نظام إنساني واضح عدلي لتعيين الرئيس الخلف للراحل السلف دون هرج ومرج، ودون مظاهرات تعم الشوارع، ودون حجارة تقذف وحرائق تضرم بالسيارات والمحال التجارية، ودون سجون ومعتقلات، ودون إضرابات وإعتصامات، ودون عمليات نهب وسرقة تتم في خضم ما يحدث من غيبة للنظام، ودون تأصيل لقانون الطوارئ، ودون تسلط لنخبة حاكمة تضرب بقيم الشعوب وعراقتها وأصالتها وتاريخها ومتطلباتها وأحلامها عرض الحائط ما دامت ترضي المريض وأبنه.
إنها لمقارنة بشعة تدعوا للدهشة، فالحارة البسيطة يوجد بها من النظام والعدل ما يكفل عدم ضياع أسرة بسيطة. بينما تظل أكبر الشعوب العربية وأعرقها حائرة خائفة لا تعرف كيف سيكون الغد.

[email protected]