مع إنتشار الفساد المالي والإداري في إقليم كردستان خلال السنوات التي أعقبت سقوط النظام السابق، ومع وصول مليارات الدولارات سنويا الى كردستان من ميزانية الدولة العراقية، وتورط بعض مسؤولي الحكومة في استنزاف موارد الحكومة بقصد الإنتفاع الشخصي، وتزايد الأزمات المعيشية والحياتية التي بدأت تهدد المواطن الكردستاني، إنعقدت آمال الشعب الكردي على إجراء تغيير ملموس على مستوى السلطة في كردستان لإنقاذ هذا الوضع المأساوي الفظيع الذي إتسم بطابع فوضوي، بعد أن كان يفترض مع تدفق كل تلك المليارات من الدولارات أن يعم الخير والبركة في كردستان وتتحقق رفاهية الشعب الكردي الذي عانى لسنوات طويلة من الحكم الإستبدادي والقمعي لنظام البعث المقبور،وقدم تضحيات جسام لنيل حريته،وكانت الأنظار تتجه الى الحكومة لإعتماد سياسة جديدة تقوم على الإستخدام الأمثل للموارد المتأتية من حكومة المركز، خصوصا وأن إقليم كردستان عاش لفترة طويلة في ظل إستقلال نسبي بعيدا عن حكم المركز، والذي تعزز بشكل أكبر مع سقوط النظام السابق.

كان هناك من يرشح ويسوق برهم صالح لهذه المهمة، وهي إنقاذ الإدارة الكردية من حالة الفساد المستشري. وكان لكل من رشح برهم سواء من الكتاب أو المثقفين المتحزبين أهداف معينة، سواء صدرت من بعضهم بحسن نية، أو من أراد من وراء ذلك الإنتفاع بوصول حزب الإتحاد الوطني الى دست الحكم.

وكان برهم الى حد ما مقبولا جماهيريا في بداية ظهوره بكردستان باعتباره شخصية اكاديمية وليبرالية ويمتلك ثقافة متحررة بحساب كونه قد أمضى معظم حياته في المجتمع الأوروبي، وقضى سنوات طويلة في بلد الديمقراطية الأول في العالم وهو أمريكا، فتعلقت آمال البعض به لينقذ إدارة الإقليم من الفساد، وأن يحقق العدالة في توزيع موارد الحكومة، وأن يبني إقليما قائما على أسس العدالة والمساواة.

فبعد سنوات طويلة من قيادة حكومة الإقليم من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، كانت هناك حاجة حتمية للتداول السلمي للسلطة بين هذا الحزب وغريمه الإتحاد الوطني ولو على سبيل التجربة أو لتشجيع المنافسة، رغم أن حكومة نيجيرفان بارزاني قد حققت الكثير من المكتسبات للشعب،وحققت تقدما واضحا في المجال الإقتصادي والعمراني، ولكن كانت هناك رغبة ملحة من الجماهير الكردستانية باحداث نوع من التغيير في السلطة.

ولابد من ذكر أنه قبل حوالي ثلاث سنوات كان هناك إتفاق مسبق بين الحزبين على تسليم السلطة الى الإتحاد الوطني لسنتين قبل الوصول الى موعد الإنتخابات البرلمانية التي جرت في 25 تموز من العام المنصرم، ولكن رئيس الإتحاد الوطني جلال طالباني تنازل عن ذلك الحق لرئيس الحكومة القائمة آنذاك نيجيرفان بارزاني ليكمل ولايته لأربعة سنوات كاملة. وقد ثارت في تلك الفترة مشاعر الغضب من قبل كوادر وأعضاء الإتحاد الوطني لذلك التنازل، حتى أن البعض من الإتحاديين كانوا يتحدثون في مجالسهم الخاصة أنه من المعيب أن تتنازل قيادة الإتحاد عن رئاسة الحكومة لخصمه رغم أحقيته، وكان التساؤل المثار هو، هل عدم في الإتحاد الوطني وجود شخص مؤهل ولائق لتسنم ذلك المنصب؟.

لقد كانت مشاركة الإتحاد الوطني في حكومة الإقليم بتشكيلتها الخامسة منذ البداية ضعيفة جدا، أو تكاد تكون معدومة بعد تعيين عمر فتاح نائبا لرئيس الحكومة، وهو شخص معروف عنه بأنه لا يزيد ولا ينقص في أي منصب يتبوأه، ويتعامل مع الوظائف والمناصب التي تعطى له على أساس تصريف أوقات دوامه الرسمي، دون أن يمتلك برنامجا محددا ليبدع أو ينتج شيئا من وراء تلك المناصب، وكان هذا هو الحال أثناء فترة حكمه، حتى أن الصحافة الأهلية في كردستان أطلقت عليه لقبا أعتقد بأنه كان يستحقه عندما وصفته بـquot; الضيف الخجولquot; على حكومة الإقليم.فطوال فترة وجوده نائبا لرئيس الحكومة لم تتجاوز مكاسبه المتحققة خارج حدود مكتبه الخاص بالحكومة، وإثراء بعض المقربين منه من نصف الميزانية الحكومية المخصصة لإدارته.

ورغم أن الإنتخابات البرلمانية التي جرت العام الماضي إنتهت بفوز القائمة الكردستانية التي تضم الحزبين الحليفينquot; الأوك والبارتيquot;، ورغم أنه وفقا للإتفاق الإستراتيجي الذي وقعه الحزبان في عام 2005، كان يفترض أن تعود رئاسة حكومة الإقليم الى الإتحاد الوطني لولاية كاملة تدوم أربع سنوات، ولكن قيادة الإتحاد الوطني قررت في إجتماع حزبي أنه إذا لم تنجح الحكومة القادمة برئاسة برهم صالح خلال العامين الأولين، فإن الإتحاد الوطني سينسحب من رئاستها ويتركها لحزب بارزاني!

كان هذا هو قرار قيادة الإتحاد الوطني منذ البداية وحتى قبل تسلمه لرئاسة الحكومة، وهذا يدل دلالة واضحة على أن الإتحاد الوطني كان بالأساس مترددا وخائفا، أو غير مؤمن بنجاح إدارته للحكومة القادمة، وهذا يعنى إعترافا مسبقا بالفشل وعدم القدرة على قيادة الحكومة.

ظل هذا الإحتمال واردا طيلة الفترة الماضية من رئاسة برهم صالح للتشكيلة السادسة لحكومة الإقليم، وكان برهم يدرك جيدا قرار حزبه بالإنسحاب بعد مرور سنتين، لذلك كان ينأى بنفسه عن الإجابة في لقاءاته ومؤتمراته الصحفية عندما يسأل عن فترة رئاسته للحكومة، وهل أنه سيكمل ولاية كاملة لأربع سنوات، أم سيرحل بعد سنتين؟

والغريب أن المتحدث الرسمي للإتحاد الوطني الكردستاني آزاد جندياني قد صرح قبل أيام لوسائل الإعلامquot;ما معناه quot; أن فترة السنتين غير كافية ليتمكن رئيس الحكومة من تنفيذ برنامج حكومته، على الرغم من أنه يدرك قبل غيره بأن قرار قيادة حزبه قد حدد مسبقا فترة السنتين لرئاسة برهم صالح.

المهم يفترض لتقييم أداء أية حكومة أن تكون هناك فترة مراقبة لهذا الأداء، ليتمكن الإنسان من أن يقيم هذا الأداء بإنصاف وبضمير مستريح ودون إطلاق الأحكام المسبقة، وأعتقد بأن مرور نصف عمر الحكومة، هو فترة مناسبة لإجراء هذا التقيم الآن، وسنحاول في المقال القادم أن نقيم أداء حكومة برهم صالح في النصف الأول من ترؤسه لحكومة إقليم كردستان.

[email protected]