أصحبت المدارس الاهلية في العراق ظاهرة ملحوظة بعد التغيير الذي حصل بسقوط نظام صدام حسين سنة 2003، ولم تكن ظاهرة المدارس الاهلية غريبة على العراقيين، فقد كانت هناك أكثر من مدرسة أهلية في العراق في العهد الملكي، ولعل من أشهرها المدرسة الجعفرية وكلية بغداد، ولكن الظاهرة تعرضت لانحسار الجزئي ثم الكبير بعد ( ثورة ) 14 تموز سنة 1958، لاسباب معقدة، ولكن في أكثرها أسباب سياسية.
المدارس الاهلية في العراق مشاريع تقوم عليها رؤوس أموال أهلية بطبيعة الحال، وهي عموما تلتزم بالمنهج الرسمي، ولكن مع حرية تصرف جزئية في المنهج الديني، وإنْ خارج المنهج الرسمي، وليس سرا أن بعض هذه المدارس بتأسيس أموال ذات نكهات مذهبية متعددة، وهو مما قد يؤشر على بعض سلبياتها بشكل عام.
المدرسة الأهلية ولأسباب ليست غائبة قد تكون إمكاناتها التعليمية والتربوية والتقنية أكثر مما هي عليه المدرسة الرسمية، مما يرشحها لتوفير فرص التعلم والتعمق بالمعرفة المدرسية أكثر مما توفره المدرسة الرسمية، فغالبا ما يكون مدرس أو معلم المدرسة الاهلية ممن شُهِد له بالتجربة والخبرة، وربما بجودة ا لمحتوى العلمي أيضا، وهو لما يتقاضاه من أجر مضاعف وجيد، قد يبذل جهدا مضاعفا وجيدا أيضا وهو يمارس مهنته في المدرسة الخاصة، وفي أكثر الاحيان تتميز المدرسة الاهلية الخاصة على نظيرتها الخاصة بجودة البناية المدرسية وتوفرها على الشروط الصحية والبيئية المطلوبة، بل حتى على مستوى الخدمات الدنيا، كالحراسة وا لتنظيف وما شاكها هناك تفوق ربما نوعي.
كل هذه المفارقات تؤدي بطبيعة الحال إلى أن طالب المدرسة الاهلية قد يحقق فرصة التفوق بنسبة أكبر مما يحقق طالب المدرسة الرسمية، وبالتالي، لذلك انعكاسات على فرص العمل ومستوى الدخل ومجال ممارسة الا ختصاص بين طلاب كلا المدرستين، اي الخاصة والرسمية.
ربما مثل هذا الكلام قد يكون مبالغا فيه، ولكن حينما تتحول المدارس الخاصة إلى ظاهرة، وهناك من يدعم هذه الظاهرة، وتأخذ بالانتشار السريع، فإن هذه المبالغة في محلها، بل هي حقيقة صارخة...
هذه الملاحظة يجب على وزارة التربية أن تأخذها بنظر الاعتبار، وليس لها في هذا المجال سوى الاسراع بتطوير عملية التعليم في العراق، خاصة المرحلتين الابتدائية والاعدادية، ليس على مستوى المنا هج وحسب، بل على مستوى التدريس، واعداد الكادر التعليمي الناجح، وتوفير البناية المدرسية اللائقة بالطالب،والمحفزة على الدرس والتحصيل بهمم عالية وجهود مركزة، كي تتساوى فرص العمل أمام الطلاب العراقيين في المستقبل سواء كانوا خريجي مدارس أهلية أو خاصة.
إن ا نتشار المدارس الاهلية في العراق بشكل مثير قد يوفر قاعدة صراع طبقي حاد فعلا، وهو وإن كان مضمرا ولكنه قد يظهر بقوة وشراسة فيما بعد، كما أنه تقسم الكتلة الطلابية بشكل عمودي حاد، وتخلق حالة من التنافر والتنابذ بين الطلاب في العراق، وهو أمر لا نريده ولا نستهديه ولا نحبذه، بل هو أمر مثير للشر والمشاكل.
المدرسة الاهلية غالبا ما تكون بيئة الطالب البرجوازي، الطالب المتمكن ماديا، والمدرسة الرسمية تضم شرائح مختلفة،ولكن تبقى ميزة البرجزة واضحة المعالم على طلاب المدرسة الاهلية، وهي تخلق بيئة طلابية تتميز بشي من التعالي والتشامخ، بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن حيث يشعر الطالب بذلك أو لا يشعر، بل هي ميزة تفاخر علني في كثير من الاحيان، حتى بين الاباء والأمهات للاسف الشديد.
لست ضد المدرسة الاهلية، ولكن أدعو وزارة التربية العراقية خاصة بوزيرها الجديد، أن تولي هذه القضية اهتماما مركزا، خاصة وإن الوزير السابق لم يكن من ذوي الخبرة التربوية، وربما يميل للمدرسة الخاصة لظروف نفسيه تخصه، وتخص بعض العاملين معه.
إذ انتشرت ظاهرة المدرسة الخاصة في العراق بشكل غير طبيعي فإن مستقبل العراق سيكون تحت رحمة الطلاب من ذوي الأسر الثرية، والعوائل البرجوازية، أو تحت رحمة هذه العوائل بالذات، وهذا ما لا يحمد عقباه في المستقبل.
يدافع بعضهم عن المدرسة الاهلية لانها أحدى أنجع الوسائل للنهوض بالمجتمع كما يقول، ولكن نسي هؤلاء إن لذلك تباعات اخرى كالتي ذكرتها سابقا، وهي تبعات ليست سهلة أبدا...
إن وزارة التربية العراقية مدعوة الى النظر بهذه المفارقة بعيون جادة، وأن تشكل لجنة لدراستها بدقة وموضوعية.
هناك نقطة أخرى جديرة بالرعاية والعهدة من قبل وزارة التربية والتعليم فيما يخص المدارس الخاصة، تلك هي مدى وفاء هذه المدرسة بتأصيل تربية المواطنة، والابتعاد عن التقوقع المذهبي والديني والعرقي، بدا من اسم المدرسة وحتى موادها (الخاصة) التي تغذي بها طلابها، خاصة على صعيد الدين والتاريخ، وهما المادتان المحرجتان في المدرسة العراقية عامة، حيث كنت وما زلت أدعو، إما إلى الغائهما أو تحيدهما تماما، اي الاكتفاء بالمبادي العامة للدين، وترك منحى البرهنة والمقارنة بين التوجهات العقدية بين الاديان أو بين المذاهب...
والضمير وراء القصد