وصلني من صديقة خبر إختيار الصحفية اليمنية الناشطة في حقوق الإنسان توكّل كرمان لمشاركة سيدتين أخرتين جائزة نوبل للسلام.. وهي المرة الأولى التي تمنح فيها الجائزة لإمرأة عربية.. طبعا سعدت بالنبأ.. ولكن تعجّب صديقتي وتساؤلها فيما إذا كان هناك هدف سياسي من وراء منحها الجائزة.. أعادني وعلى الفور إلى نظرية المؤامرة التي تعشعش في عقولنا..

سعادتي بالإعتراف العالمي بالمرأة العربية.. كان أكبر من أن أقف عند حدود الشك بالمؤامرة.. ومن ثم قبولي أيضا بانها وحتى إذا كانت مؤامرة فأنا أؤيدها.. لأنها مؤامرة تعمل بإيجابية لتمكين المرأة.. ولإحداث التغيير الديمقراطي اللازم لتطور المجتمع العربي واللحاق بالمجتمع العالمي....

منح هذه الجائزة وخاصة لإمرأة محجبة.. يؤكد إحترام الغرب للعقيدة الإسلامية... وأن رفضها للنقاب يقتصر فقط على رفض التطرف بإستعمال العقيدة.. ولكن إيمانه أيضا بأن قيمة المرأة كشريكة في الحياة والمجتمع والدول والعالم لا تقل على الإطلاق عن قيمة الرجل.. ولكنها وفي رأيي تتفوق عليه في الإنسانية.. وهو ما نحتاجه اليوم للإتصال بالعالم اكثر بكثير من تطور عمراني أو مدني.. أو إقتصادي..

إن إختيار ثلاث نساء عرفن بمناهضتهن للعنف ورفض الحرب.. وآمنّ بأن الطريق إلى الحرية أقصر وأفضل بإستعمال اللا عنف يؤكد بأن العالم كله يقف متحدا أمام رفض القوة العسكرية.. آجلا أم عاجلآ.. والمرأة الإنسانة هي التي يعتمد عليها في التغيير الذهني للمجتمع باكمله للتوجه للا عنف ورفض الحروب.. وأن إختيار السيدة كرمان اليمنية إنما هو إعتراف بحقوق شعوب المنطقة العربية كلها بالحرية والإنعتاق من أنظمة ديكتاتورية إستمرأت إبقاء مجتمعاتها في تخلف القرون الوسطى.. حفاظا على إمتيازاتها فقط..

إن عدم حصول وائل غنيم على الرغم من تقديري الكبير له.. وأدونيس للجائزة.. قد يكون أحد إمتحانات عدم الأنانية من الرجل الشرقي. وإمتحان لإعترافة الكامل بمساواة المرأة له وبقدرتها على أن تكون شريكة ليس فقط في النضال.. ولكن بالبناء الفعلي لمجتمع الغد الذي يسودة الإعتراف بحريتها.. وصيانة كرامتها من خلال القانون....

إن إتحاد الرجل والمرأة في هذه الإنتفاضات المطالبة بالتغيير وعلى جميع الأصعدة.. هو الضربة الموجعة للأنظمة التي عملت سنوات على تكميم الأفواه.. وساهمت في دونية المرأة من خلال عدم الجرأة على تغيير القوانين المجحفة بحقوقها حفاظا على دعم ومساندة أبواق الظلام وفقهاء عصور الظلام..

نعم الطريق إلى الحرية ونيل الحقوق لازال طويلا للمرأة العربية.. ومنح هذه الجائزة لن يغير الواقع بالسرعة المطلوبة.. ولكنه الخطوة الأولى لمنح الثقة والدعم لكل نساء المنطقة العربية لأن يصرخن وبأعلى أصواتهن.. بأن عهد العبودية إنتهى وأن هناك من سيسمع صرختها التي لا تخرج عن كونها حقا شرعيا للمطالبة بالحقوق والتعامل الآدمي مع مطالبها.. الإجتماعية والإقتصادية.. ثم حقوقها السياسية.. حقها في صياغة المستقبل.. وفي القرارات السياسية التي تمس مستقبل أبناؤها..

حصول السيدة كرمان على الجائزة ليس نصرا لأي حزب عربي.. إسلامي أم معتدل لأن كلاهما جبنا في تغيير الواقع القانوني الذي يمتهن كرامة المرأة في الدول العربية.. وجبنا عن إدانة الجرائم التي تنكال عليها سواء بإسم الدين ام بإسم التقاليد والعادات.. النصر فقط للمرأة وحدها التي وقفت أمام آلة الأنظمة العسكرية.. مثلها مثل الرجل الذي هو أبوها.. وأخوها.. وزوجها.. ثم الأغلى وهو الإبن.. ولم تخاف الموت.. ولم تتوارى عن الأنظار..
ألف مبروك لك سيدتي واختي في الإنسانية.. السيدة توكّل كرمان..

- باحثة وناشطة في حقوق الإنسان