عام 1917 قام البلاشفه الروس المنتصرون بالكشف عن اتفاق بريطاني ndash; فرنسي بموافقه الحكم القيصري (1915 ndash; 1916 ) على تقسيم منطقة الشرق الاوسط الواقعه انذاك تحت نفوذ الامبراطوريه العثمانيه بينهما، وادت الفضيحه السياسيه هذه الى تأخير تنفيذ الاتفاقيه، التي عرفت باسم وزيري خارجية البلدين سايكس ndash; بيكو، ولو الى حين، إذ مع إنتهاء الحرب العالميه الأولى جدد الطرفان الفرنسي والبريطاني إلتزامهما ببنود الاتفاقيه خلال مؤتمر سن ريمو عام 1920 ومن ثم أقرت من قبل عصبة الامم وفرض الانتداب المشترك على عموم المنطقه وفق ما اتفق عليه الطرفان بعد إجراء بعض التعديلات عليها في معاهدة لوزان تموز/ 1923، خاصة حذف البنود التي اقرت بحق الشعب الكوردي في تأسيس دولته في الاتفاقيه السابقه، نزولا عند رغبة تركيا الجديده وريثة الامبراطوريه العثمانيه.

اليوم وبعد مرور اكثر من تسعة عقود، يبدوا أن إتفاقيه سايكس ndash; بيكو جديده على الابواب مع وجود اللاعب الامريكي القوي كشريك أساسي، لاعادة تقسيم المنطقه وفق مصالحهم، تكون حصيلته النهائيه شرق اوسط (جديد) وليس (كبير)، لأن الكبير يفترض تجمع دول وشعوب المنطقه في اتحاد فيدرالي او كونفيدرالي او أي شكل اخر، وسيكون هذا الاتحاد بما لديه من موارد وطاقات بشريه كبيره وثروات طبيعيه هائله، بما فيها اكبر مخزون نفطي في العالم، وايضا سيطره على عدد من أهم الممرات المائيه، سيكون قطبا اخر في المعادله الجيوسياسيه الدوليه، مما يزيد مشاكل القطب الواحد الحالي الذي ينظر بحذر وترقب شديدين نمو اقطاب جديده في العالم والتي عاجلا او اجلا ستحد من المجال الحيوي للقطب الواحد.

لما سبق فالمتوقع ان يتجه ال (سايكس ndash; بيكو) الجديد الى إنشاء شرق اوسط (جديد)، دول ودويلات وكانتونات ومقاطعات واقاليم صغيره متصارعه مع نفسها ومع محيطها، ضعيفه وهشه غير قادره على البقاء والعيش دون حماية الاخ الاكبر وحلفائه، وسيجري كل هذا تحت يافطه براقه من حق الشعوب في تقرير مصيرها وشعارات رنانه كمثل الديموقراطيه وحقوق الانسان والعداله والشفافيه والتي يمكن ادراجها جميعا تحت قائمه بأسم (كلمة حق يراد بها باطل).

بداية هذا الشرق الاوسط الجديد لم يكن بمشروع (بايدن) المعروف وإنما مع سقوط النظام الدكتاتوري في العراق وزاد من وتيرة تسارع المشروع، صواريخ حزب الله التي وضعت الامن الاستراتيجي الاسرائيلي في وضع حرج، ومن ثم بدأت ما يمكن تسميته بمرحلة التطبيق الفعلي وعلى نطاق واسع مع ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، الذي سرعان ما وقع فريسة سهله لأقطاب سايكس ndash; بيكو الجديد وتم إحتواءو تجيير الانتفاضه الوطنيه الديموقراطيه المشروعة والعادله كل العداله للشارع العربي لصالح مشروع الاخ الاكبر الذي سيعيد تقسيم المنطقه برمتها بين الثلاث الكبار اميركا وبرطانيا وفرنسا مع بعض الفتات للطليان الذين يمرون بازمه اقتصاديه خطيره، فكل الذي جرى حتى الان لم يخرج عن إطار تبديل الحكام المتعفنين الذين ساندهم الغرب طيلة عقود ومنحهم الضوء الاخضر لسحق شعوبهم ووأد أي تجربه ديموقراطيه، مع بعض الاصلاحات الشكليه غير الجوهريه وبالاتفاق الضمني غير المعلن مع ما يمكن تسميته بالاسلام السياسي الاصلاحي المعتدل، في نفس الوقت الذي يتم فيه تفجير كل الصراعات الدينيه والقوميه والطائفيه القابله للتفجير عن عمد وسبق إصرار والتي من الممكن ان تؤدي في مجتمعات مؤسسه على ثقافة العنف والغاء الاخر الى بلقنة المنطقه دون جهد يذكر ومن الشمال الافريقي الى باكستان وستتهاوى حتى الانظمه التي تعتبر نفسها مقربه وحليفه لأطراف سايكس ndash; بيكو الجديد.

ان القاء نظره سريعه على التكوينات القوميه والدينيه والطائفيه لعموم المنطقه ولكل دوله على حده، يظهر بجلاء مدى هشاشة هذه التكوينات القائمه وسهولة اشعال فتيل الحروب العبثيه، وعليه لن يكون صعبا ابدا تحول العراق الى ثلاث كيانات وسوريا الى اربع او خمس سنيه وعلويه ودرزيه على عربيه كورديه، ولبنان الى لبنانيين او ثلاث وحتى دول مثل مصر قد تنقسم الى عربيه وقبطيه إضافة الى النوبيين في الجنوب والبجايين في جبال البحر الاحمر وكذا العبابده والبشاريين، وايضا الشمال الافريقي بين العرب والامازيغ والطوارق والقبائل المتصارعه والبدو.......الخ ومن ثم يأتي الدور على التقسيم الديني والطائفي: مسلمون ومسيحيون، سنه وشيعه وعلويون ودرزيون، كاثوليك وبروتستانت و الطوائف نفسها قد لا تنجو على سبيل المثال الشيعه بين الاماميه والجعفريه والاسماعيليه والزيديه...... الخ ولن يكون هناك طرف بمأمن بسبب قدراته كما تعتقد ايران او بسبب تحالفاتها كما تعتقد تركيا، ففي ايران الفرس والكورد والاذريين والعرب والبلوش والارمن وبين سنه وشيعه، وفي تركيا الترك والكورد والعرب والارمن واليونانيون...وايضا بين سنه وشيعه وعلويين ومسيحين ويزيدين....

ان سايكس ndash; بيكو الجديده بغض النظر عن نوع وحجم التقسيمات المتوقعه ومناطق نفوذ القوى المؤتلفه فيه سيكرس السيطره المطلقه لهذه القوى وهيمنتها الكامله على هذه المنطقه الحيويه من العالم وعلى مصيرها وثرواتها وحياة شعوبها.

الان: هل يملك حكام المنطقه واحزابها وكتلها السياسيه الحاكمه على اختلاف مشاربهم، الشجاعه والقدره على مواجهة هذا التحدي الكبير بالرجوع الى إرادة شعوبها وإجراء التغييرات الديموقراطيه الحقيقيه واحترام حقوق الانسان ومحاربة التخلف والفساد و.....الخ، أم انها ستواصل دفن رأسها في الرمال المتحركه حولها غير ابهة بمصيرها ومصير شعوبها، كما هو الحال الان، هذا إذا لم يكن الكثيرون من هذه الاطراف اساسا جزء من مشروع سايكس ndash; بيكو الجديد.

bull;كاتب عراقي
bull;[email protected]