التحالف مع الكيان الصهيوني يأتي في خيار بعض الدول كشرّلا بد منه لكسب ود أمركا والغرب من ناحية، ومن ثم تتحقق الشراكات المتنوعة التي تخدم مصلحة هذه الدول، ومن ناحية أخري لكف أذي أجهزة الدولة الصهيونية بعض الشئ عن هذه الدول، حيث يعتبر الموساد الإسرائيلي أن العالم بسمائه وأرضه ملكية خاصة يضرب رجليه حيث شاء فيهما..!، ولكن واقع الحال أن ما من دولة تعاونت مع الكيان الصهيوني إلا ونالها الأّذي منه وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ؛ غير أن المكاسب الآنية تمنع هذه الدول من أخذ أية إجراءات من شأنها قطع أو تهديد هذه المصالح ؛ الأمر الذي يدفع بهذه البلاد الإبقاء علي العلاقات الحميمة مع الكيان هذا.

وليس دفاعا عن تركيا أو مصر أقول ما أقول، ولكن لطالما بقيت تركيا ومصر علي وجه الخصوص أعدى أعداء الكيان الصهيوني، ولم يثق الكيان الصهيوني يوما أن هاتين الدولتين ستبقيان علي حميمتهما معه، ولذا سعي جاهدا للسيطرة عليهما مخابراتيا وعسكريا واقتصاديا، وسعي للتغلغل إلي جميع أنشطتيهما حتي يكون قريبا من منبع المعلومات فيهما، مما يجعله ماسكا دوما بزمام المبادرة.

وفي الفقه الإسلامي مبدأ يقوم علي تغير الفتوى بحسب الزمان والمكان، ولذا فالعالم لا يفتي إلا إذا كان عالما بشئون الدين والدنيا معا، فرسولنا صلوات ربي وتسليماته عليه عامل اليهود وصادقهم، فلما خانوه عاهدهم، ولما نقضوا العهد أمهلهم ثم قاتلهم، وكان ذلك في حقب مختلفة من عمر إنشاء الدولة المدنية الإسلامية، وهذا التدرج يأتي وفق المنهج المحمدي الواعي والمحيط بشئون الوحي وشئون الدنيا معا.

إذا فليس كل اتفاق لدولة عربية أو إسلامية مع الكيان الصهيوني يعتبر في ذاته خيانة إلا إذا جاء مشروطا بما يضر بالمصالح المباشرة لدولة أو أكثر عربية كانت أو إسلامية. فمثلا اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية كانت في نظر كل البلاد العربية والإسلامية آنذاك عدا تركيا خيانة للقضية الفلسطينية برغم أن الدول العربية والإسلامية بعدها بقيادة السعودية قدّموا مبادرات لا تحصي من أجل الحصول علي عشر ما اتفق عليه السادات مع الصهاينة لإنشاء الدولة الفلسطينية، وهذا ما يجعلنا نري ضرورة لفهم الموقف السياسي وفق العامل الزمني والمكاني وقدرات الدولة العربية والإسلامية حيال عدوّها آنذاك.

ثم لو جئنا علي تركيا لرأينا موقفها اليوم يختلف من الضد إلي الضد تقريبا تجاه التصرفات والممارسات الإسرائيلية، حيث أن تركيا اليوم أقوي وأقدر علي اتخاذ قرارات مؤدّبة لدولة الكيان الصهيوني.

وأود الإشارة هنا إلي الفارق العظيم بين اتفاقات الدول الأعضاء في الأمم المتحدةفيما بينها وبين اتفاقات عصابة أو جماعة من داخل الدولة مع كيان دولة معادية لنظام الدولة القائم، كما في الحالة الكردية في العراق. فالفارق عظيم بين الاتفاقيات العربية والإسلامية مثلا مع الدولة الصهيونية، ومع حكومة أقليم الشمال التي لا أجد لها تصنيفا حتي الآن، ولا أعرف معنا لوجودها..!!

فإني أتمني أن يخرج علينا أحد الخبراء السياسيين أو الاستراتيجيين أو القانونيين من الكرد أو من الغرب ؛ لكون الخبراء العرب شوفينيين وعنصريين في نظر الإخوة الأكراد، يخرجوا لنا بمصطلح أو مادة قانونية مقبولة ومعتبرة تعرّف لنا حال إقليم الشمال ورئاسته وحكومته، والقواعد القانونية الدولية التي يستند إليها بعد رحيل نظام صدام حسين.
ما هو السند القانوني المعتدّ به دوليا، الذي يتيح لبرهم صالح عقد الصفقات والاتفاقيات في معزل من الدولة العراقية ورئاسة وزارتها.

لكن نعود إلي موضوع مقالنا والذي نؤكد فيه قبل الإنتقال إلي نقطته الثانية أن الدولة الصهيونية ما كانت ولن تكون صديقة لأي دولة في العالم إسلامية كانت أو مسيحية، ولكنها تسير وفق أولويات مصالحها، فتبحث عن هضم الدول العربية والإسلامية أولا لأنها الأضعف والأكثر قبولا لمؤامرات الكيان الصهيوني، حيث كثرة الخلافات التي زرعها الإحتلال الغربي بين هذه الدول، وسيطرته التي لم تزل علي مصانعهم وسلاحهم وتجارتهم وبترولهم ومصادر معلوماتهم واتخاذ قراراتهم وعلومهم، فالجهل المتفشي في العالم العربي والإسلامي رأس كل المصائب.

بينما يلقي الكيان الصهيوني بثقله الاقتصادي والعلمي في الدول المسيحية التي يكتفي حاليا بالسيطرة علي إعلامها واقتصادها، وما أن يتفرغ من هضم دول العالم الإسلامي ويلقي بهم في خندق الصراعات والمواجهات الشعبية والحدودية فيحرقوا أرضهم بأيديهم خدمة لعدوهم، فما أن يتم هذا، ويحتل الكيان الصهيوني ديار الإسلام والمسلمين حتي سيتجه غربا للسيطرة علي العالم وسيجد حينها من يناصره من أتباع المسيحية المتصهينة أو الصهيونية المتمسيحة الذين تتضاعف أعدادهم كل يوم منخدعين بشعارات الصهاينة القائمة علي مبالغات وأكاذيب لا حصر لها قديما وحديثا..!

أما نقطتنا الثانية في هذا المقال والتي نستمر من خلالها في تسليط الضوء علي المستفيدين من الإنفجارات التي جرت ولم تزل تجر في تركيا مستهدفة شعبها تارة وجيشها تارة واقتصادها تارة أخري ستظهر لنا إيران..

أجل إيران إحدى الدول المستفيدة من كل ما من شأنه إعادة عجلة النمو التركي إلي الوراء، وهذا لأسباب لا حصر لها.. أولاها الحقد الدفين علي الدولة التركية التي لم تنس إيران يوما أنها وريثة الدولة العثمانية التي حاربت الدولة الصفوية الفارسية واقتطعت منها دولا لا تزال إيران تعلن بين الفينة والفينة أنها جزء من أراضيها كما هو الحال مع البصرة في العراق، والبحرين والجزر الإماراتية وغيرها من التصريحات الكاشفة لطبيعة الدولة الملالية، ومسألة الحقد هذه وإن كانت تقع تحت وطأة نظرية المؤامرة والتي يطالبنا عقلاء السياسية النأي عنها غير أننا لا نخفي إيماننا بوجودها طوال الوقت ما بقي الإيمان بالمصالح، وموقف الإتحاد الأوروبي من تركيا شاهد واقف علي مسألة الحقد هذه.

ثانيا : التعاون التركي علي النطاق العسكري والإستخباراتي مع الشيطان الأكبر بحسب الإعلان الظاهر لإيران ndash; الولايات المتحدة الأمريكية -، والدولة الصهيونية لم يكن ليمرّ دون أن يثير شكوك الدولة الملالية طوال الوقت تجاه تركيا ويجعلها دائما في وضع الأهبة والتحفز لحماية ما يمكن أن يهدده هذا التعاون التركي الصهيوأمريكي، ولا يعني هذا أن المخابرات الإيرانية ليست علي اتصال مع نظرائها في امركا وإسرائيل وهذا ما قد نشير إليه في مقالنا بمشيئة الله.

ثالثا : إيران دولة شيعية ملالية ndash; راديكالية ndash; يقوم منهجها الشيعي علي مبدأ التقية القائم علي نفاق أهل السنة، فلا يظهرون بغضهم وأمانيهم بهلاكهم ؛ لكن هذا المبدأ يبقي مهيمنا عليهم ليس حبا في الإمام علي ولا الحسن ولا الحسين، وإنما وسيلة خبيثة وخسيسة للدخول إلي عمق القلب الإسلامي والنيل منه عن طريق الفرقة الطائفية.

فإيران ممثلة في الفئة الحاكمة والمدارس القمّية الشيعية لازالت فارسية أكثر منها إسلامية، والإرث الفارسي في دماء الإيرانيين المتلبسين بالمذهب الشيعي خداعا وقربا للمسلمين لا زال هو المهيمن علي قلوب وعقول الحاكمين فيها. وربما يأتي لهذا ذكره لاحقا ولكن فقط نشير إلي أن مذهب التشيع القائم علي حب آل البيت، وحب الحبيب الذي استغفر حتي للمنافقين وعلي رأسهم عبدالله بن أبي بن سلول حتي عاتبه ربه بقوله تعالي ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ).. لا يمكن للمحبين لآل البيت أن يقبلوا بسب السيدة عائشة واتهامها في عرضها والجزم بأنها وخير صحابة الحبيب وعلي رأسهم أبوبكر وعمر وعثمان أنهم في النار..!
هذه الثلاثة هي التي تجعل من إيران مستفيدا كبيرا لكل تفجير يجري علي أرض تركيا العثمانية السنيّة وسنعرّج بعد علي كل عنصر علي حده.


صحافي وباحث مصري