حسنا فعلت الكاتبة الجريئة راغدة درغان بنشر مقالها الأخير في صحيفة الحياة (وهو بعنوان: دور النساء في أنظمة ما بعد الثورات العربية)، وحسنا فعلت إيلاف بإعادة نشر المقال على صفحة جريدة الجرائد، تعميما للفائدة.
بدأت السيدة درغام مقالها برسالة تحذير من خطر quot;تدجين المرأة العربية إذا استولت الأحزاب الإسلامية على السلطة في دول التغيير.quot; تلى ذلك دعوة للمرأة للعمل المبكر و quot; بوسائل وأدوات جديدة quot; مذكرة بما قامت به النسوة في الانتفاضات الشعبية العربية الأخيرة و اختفائهن بعد ذلك من مراكز صنع القرار، كما حصل بوضوح في مصر بعد سقوط نظام مبارك.
لكن النقطة الأساسية التي اختلف فيها مع الكاتبة تتمثل في دعوتها إلى quot;ضرورة تشكيل أحزاب نسوية - أحزاب وليس تجمعات أو جمعيات... واضحة في برامجها وأهدافها وتركيزها على أدوار النساء في صنع القرار.quot; تكوين أحزاب نسوية من هذا المنطلق سوف يكون كتكوين أحزاب قبطية في مصر أو تكوين أحزاب لليهود و للسود في أمريكا. نحن نعلم الوجود القوي لليهود الأمريكيين في كافة المجالات، مثل مراكز التفكير (معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط...) و الصحافة (وول ستريت و الواشنطن تايمز...) و جمعيات الضغط السياسي (PAC)، بينما لا نجد أي وجود يذكر لأي حزب سياسي يهودي في تلك الدولة. و قس على ذلك فيما يخص أقلية السود هناك، إذ وصل المواطن الأسود باراك اوباما إلى الرئاسة عن طريق انخراطه في حزب الأغلبية البيض ndash; الحزب الديمقراطي ndash; و ما كان ليصل إلى هذا المنصب على الأرجح لو عول على العمل ضمن حزب سياسي للسود الأمريكيين.
إن الدعوة لتأسيس أحزاب نسوية عربية تشبه الدعوة لتأسيس أحزاب لليهود و السود في أمريكا، و من هنا أدعو شخصيا للتخلي عنها. و في المقابل، أرى أن استئناس المرأة العربية بطرق عمل و نشاط الأقلية اليهودية و أقلية السود في أمريكا يتطلب منها العمل على جبهتين. أولا، و دون التنكر للدور الهام الذي تلعبه المنظمات المتكونة من النساء
- مثل جمعية النساء الديمقراطيات في تونس ndash; فالأولوية يجب أن تكون لانخراط المرأة في سائر المنظمات الأخرى، كي لا تبقى حكرا على الذكور، و من ثم العمل على تبوء المرأة المناصب العليا فيها، كما حصل في تونس الحداثة حيث تترأس السيدة سندس قربوج فرع تونس لمنظمة العفو الدولية و تترأس السيدة سهير يلحسن الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان و تترأس السيدة سهام بين سدرين المجلس الوطني للحريات، كما تترأس الأستاذة راضية النصراوي المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب...
أما بخصوص الأحزاب السياسية - الساعية للوصول للحكم - فان المطلوب من النساء هو دخول هذه الأحزاب بقوة و العمل على الوصول للمناصب القيادية فيها، مثل المكتب السياسي للحزب و ترؤس القائمات الانتخابية، مما يجعلهن على مرمى حجر من صنع القرار. و هنا أيضا يمكن الاستئناس بما حصل في تونس خلال الانتخابات الأخيرة عندما أقرت اللجنة العليا المستقلة مبدأ المناصفة في القائمات الانتخابية - أي أن يكون عدد النساء يساوي عدد الرجال - كما يمكن تجاوز هذا المبدأ بالمطالبة بالمناصفة بين الجنسين على مستوى رؤوس القائمات، و هو المبدأ الذي التزم به القطب الديمقراطي الحداثي في الانتخابات التونسية الأخيرة، و الذي ساعد أمثال المخرجة السينمائية سلمى بكار على الوصول إلى المجلس التأسيسي.
من المهم أيضا أن تعطي المرأة و القوى الداعمة لها في المجتمع مناهج التعليم الأولوية التي تستحقها، إذ غالبا ما تعكس دونية المرأة في الشارع و في مؤسسات الدولة ما يتم تكريسه في المدارس. و عندما يتحقق كل هذا فلن يكون من المستحيل أن نرى المرأة تصل إلى رئاسة الأحزاب السياسية حتى لو كانت أغلبية أعضائها من الرجال، تماما كما
حصل في تونس مع ترأس السيدة مية الجريبي الحزب الديمقراطي التقدمي.
هذه دعوة لعدم تقوقع المرأة العربية في أحزاب quot;للنسوة فقطquot; مع الدعوة لعملها المشترك مع القوى الأخرى التي تشاركها نفس الأهداف للوصول إلى المناصب القيادية في المنظمات و الأحزاب السياسية، و من ثم العمل على إصلاح منظومة التعليم و الإعلام و الخطاب الديني، بهدف الارتقاء إلى المساواة الكاملة بين الجنسين.

و العقل ولي التوفيق...