سقط مئات القتلى والجرحى في مواجهات مستمرة في ليبيا، وسط اتهامات لقوات الأمن الليبي ومرتزقة بارتكاب مجازر ضد المحتجين. في غضون ذلك انضمت قبيلة ترهونة إلى ورفلة، وهما أكبر قبيلتين في ليبيا ويناهز عددهم مليونين، إلى المتظاهرين ضد نظام معمر القذافي. فقد قالت مصادر طبية في مستشفى بنغازي شرقي ليبيا إن ما لا يقل عن 200 شخص قتلوا في الاحتجاجات التي تشهدها المدينة. كما أفادت مصادر طبية أخرى بأن نحو 50 شخصا قتلوا في مدينة بنغازي منذ ظهر الأحد. وتحدثت منظمات حقوقية أجنبية عن مقتل 300 شخص وجرح مئات آخرين في الاحتجاجات المتواصلة في مدن ليبية عدة. ونقلت وكالة رويترز عن شاهد عيان قوله إن المتظاهرين يتعرضون لما سمتها مجزرة.

بعد هذه اللوحة الدموية خرج البارحة سيف الاسلام القذافي وكأنه صاحب مزرعة، ولا نعرف بالضبط موقعه في النظام الليبي، ليقول أنه سياقتل حتى آخر رجل!! ومن ثم يعترف بأن مناطق باتت خارج سيطرة سلطة أبيه، ويهدد العالم والشعب الليبي بأنه أعلنت إمارة إسلامية وسيكون هنالك حروبا أهلية..
كما أن موقف الدول الغربية وخاصة إيطاليا كان مخزيا، ولا داعي للتعليق، النفط وهدايا العقيد لنخب السياسة هناك..

إن استخدام الرصاص الحي والقتل والترويع هو في الواقع ما كان متوقع من العقيد القذافي ونظامه، لهذا كنت أميل إلى أن الشعب الليبي لن يتحرك، وكتبت في هذا الشأن أكثر من مقال منذ ثورة تونس وماقبلها أيضا، لكن الشعب الليبي خرق جدار المستحيل في الواقع، وهذا ما يمكننا تسميته ودون مبالغة: أن الثورة الليبية برأي هي الثورة التي تحتاج منا إلى وقفة حقيقية لسببين:

الأول- عام وهو أن الشعب الليبي تحرك بفعل تأثره بالثورتين التونسية والمصرية وسجل فتحا في هذا المجال، بأنه ربما أول شعب يتحرك في هذا الزمن بوجه نظام ديكتاتوري دموي، ويعرف نتائج تحركه، ودون تخطيط مسبق..هكذا الناس نزلت الشوارع ولعبت القبائل دورا في هذا الموضوع، والشباب هم عماد الثورة الليبية لم يكونوا خاضعين لقيادات تقليدية معارضة..

والثاني- خاص لأنه نظام يشبه النظام السوري، ولازلنا كسوريين ندرس لماذا الشعب السوري لم يتحرك؟
اعترف بداية أن الشعب الليبي خرق المستحيل كما كنت أراه...

خرق المستحيل هذا جاء بفضل ثورتي الجارتين والشعبين الشقيقين المصري والتونسي، لذلك هدد سيف الاسلام القذافي الشعب الليبي بأن مصر وتونس الجديدتان ستتقاسمان النفوذ في ليبيا في حال سقط نظام أبيه.

والعقيد لم يخرج بعد إلى العلن منذ اندلاع الثورة، بحجة أنه يقود المعركة حتى آخر رجل كما قال نجله في خطابه..إن الثورة في ليبيا تجعل المرء يعيد النظر في بعض من مسلماته التي طالما اقتنع بها..لكنها بالمقابل تؤكد أن لكل بلد عربي خصوصيته وظروفه التاريخية الخاصة، وتؤكد من جديد أن التعميم في حالتنا العربية قلما يفيد المرء الباحث عما يجري فعلا فيها..لهذا يتطلب منا الأمر اعتذارا للشعب الليبي لأنه فعلا قد سجل درسا حقيقيا في ثورة بيضاء كان متوقعا أن تواجه بالرصاص والدم، وهذه ميزة تحتاج منا الدرس من جديد..فتحية لشعب ليبيا.