من يتابع و لو بشكل خفيف مسيرة و تاريخ السينما المصرية سيدرك على الفور من أن كل الملفات الشائكة و الفضائحية المفتوحة اليوم بعد إنتفاضة الشباب المصري وفرض التغيير كانت قد كشفت تلك السينما بعضا من خفاياها و أشارت لملفاتها و لو بشكل خجول يأخذ بنظر الإعتبار تربص جهاز الرقابة السينمائية و الدور الأمني الذي كانت تقوم فيه السلطة السابقة ومع ذلك فقد إستطاعت السينما المصرية وبذكاء ملفت للنظر رغم قلة الإمكانيات من تجاوز الحصار و عرض مايدور و كشف المستور والمحظور و الممنوع الإقتراب منه بأسلوب فني راقي أوصل الرسالة و أدى الأمانة للجماهير، فأفلام من طراز الكرنك و زائر الفجر و حب تحت المطر و ثرثرة على النيل و غيرها العشرات رسمت معالم صورة الحياة المصرية خلال الفترة الناصرية في ستينيات القرن الماضي وهي الفترة التي شهدت تعاظم دور الأجهزة الأمنية السرية و تعملق النظام الفردي الإستبدادي المغلف بالنظرة الثورية و الأبوية لجمال عبد الناصر و كذلك ما حدث من هزيمة عسكرية و سياسية وحضارية و إجتماعية كبرى في 5 يونيو/ حزيران 1967 ثم كشف إنحراف جهاز المخابرات العامة الذي كان جزءا مركزيا من حالة الفساد و الصراع السلطوي بعد نحر الرجل الأول مكرر في النظام الناصري و احد أهم مراكز الإستقطاب السلطوي المشير عبد الحكيم عامر في سبتمبر 1967 ثم إندلاع حرب الإستنزاف و تطور مراكز القوى التي دخلت في صراع مفتوح على السلطة بعد رحيل جمال عبد الناصر المفاجيء عام 1970، كل تلكم الأحداث و غيرها الكثير و الأخطر تناولتها السينما المصرية كما تناولت فيما بعد حرب أكتوبر 1973 ورصدت أوضاع الإنفتاح الإقتصادي بعد تلك الحرب و رصدت الظواهر السلبية الناجمة عن إنفلات النزعة الإستهلاكية و المتغيرات الهائلة في البنية الطبقية المصرية.

ما أريد قوله في هذه المقالة إن السينما المصرية كانت قد تنبأت بإنهيار دولة الفساد و الإنحراف ووضعت أصابعها على الجراح بل أشارت أيضا حتى للإغتيالات الإستخبارية الغامضة عن طريق الرمي من الشرفات ( البلكونات )!! كما حصل في لندن مثلا مع قائد الحرس الجمهوري المصري السابق الليثي ناصف و مع الفنانة سعاد حسني وفي نفس المجمع السكني غرب لندن و كذلك مع الدكتور أشرف مروان في بيلوغرافيا اللندنية الراقية!! وجميع تلك العمليات يقف خلفها دون شك جهاز أمني و إستخباري محترف للغاية لربما يستعين بخدمات مافيات القتل و التصفية الجسدية بأسرع الطرق و أكثرها سرية و إنعداما للأدلة و القرائن !، و لعل التركيز على ملف الفنانة الراحلة سعاد حسني و ربط مصرعها المأساوي بملف و تاريخ رئيس مجلس الشورى المصري و أحد كبار رجال و معاوني الرئيس السابق حسني مبارك وهو السيد صفوت الشريف كانت السينما المصرية قد أشارت للملف مبكرا و لو بشكل غير متطابق بالكامل وذلك في فيلم ( الراقصة و السياسي ) الذي قدمت فيه الفنانة نبيلة عبيد دور راقصة إستعانت بخدماتها إحدى أجهزة الدولة السرية عن طريق الضابط المخابراتي المكلف بشؤون الفرفشة و الأنس و الليالي الحمراء الذي تحول لسياسي مهم في البلد و قد أدى الدور المرحوم (صلاح قابيل ) وكذلك أدى الفنان يوسف شعبان دور الضابط المتقاعد في الريف و الذي يهرب من ذكريا وفضائح المرحلة السابقة و ملفاتها القذرة التي كان مشرفا عليها و يدير حلقاتها وكانت نهاية تلك الراقصة هي التصفية الجسدية بعد أن هددت السياسي بكشف المستور و كتابة مذكراتها التي ستفضح الكثير !!

في قصة الفيلم عناصر تطابق كثيرة مع قصة سعاد حسني و ماقيل و كتب و أشيع عن دورها و تجنيدها في مخابرات ( صلاح نصر ) في مهام خاصة و كان صفوت الشريف بالذات أحد عناصر و ضباط تلك المرحلة و من المكلفين بتجنيد الفنانات للمهام المخابراتية الخاصة أسوة بمخابرات أوروبا الشرقية و المعسكر الشيوعي السابق وحتى الموساد وحيث للجنس دور أسطوري في الوصول لأسرار غامضة.. المهم إن الضابط صفوت الشريف و كان إسمه الحركي في جهاز المخابرات ( موافي ) كان من الذين شملتهم حملات التطهير بعد إعلان إنحراف جهاز المخابرات عام 1968 و تقديم كل من رئيس الجهاز صلاح نصر و معاونه حسن عليش وغيرهم للمحكمة العسكرية الخاصة فيما طرد بعض العناصر و منهم ( موافي ) الذي أتيحت له الفرصة أن يعود لتسلق سلالم السلطة و يصل لقمتها و لتطالب جماهير الشعب المصري في ميدان التحرير بسقوطه ووصفه بأقذع الأوصاف وهو ما حصل فعلا وحيث يواجه اليوم ملفات إتهام عديدة بالفساد و أهم تلك القضايا و الإتهامات شهرة هي قضية مصرع الفنانة ( سعاد حسني ) التي قيل الكثير عن غوامضها خصوصا و إن له علاقة خاصة جدا بذلك الملف وهو ما ستظهره أو تنفيه التحقيقات المكثفة المقبلة، ولكن بصرف النظر عن مصداقية التهم أو منافاتها للواقع و تضخيمها فإن جماهير الثورة المصرية قد نجحت في فتح كل الملفات المحظورة و الغامضة و التي كانت تعتبر من الأسرار القومية، لربما لم تحقق ثورة الجماهير تطلعاتها بالكامل فما زالت المسافة بعيدة بين الشعارات المرفوعة و الواقع المعاش إلا أنها أسقطت رموز الفساد و غيرت الواقع الميداني ورسمت خطوطا حمراء لا يستطيع أي مسؤول تجاوزها مستقبلا، لقد خط شباب مصر بدمائهم خارطة طريق مستقبلية جديدة للعمل السياسي و الإداري و نجحوا في فرض الشفافية وفي كسر هيبة الظلم و التسلط وهم قادرون على فعل المزيد خصوصا و أن النخب الفنية و المثقفة في مصر تمتلك جهاز إستشعار متقدم يطرح مشاكل الجماهير و يفضح كل ملفات الإنحراف، جماهير ثورة يناير تحاول جاهدة تنظيف مصر من أدران و قذارات إلتصقت بجسدها منذ 23 يوليو 1952 و حتى اليوم وهي مهمة شاقة و معقدة و تتطلب الكثير من الصر و التضحيات و الإصرار...

ملف سعاد حسني لن يكون سوى البداية في إنهيار كامل لأهرام الفساد في مصر، شباب مصر الأحرار قد رسموا مستقبل العالم العربي دون شك.

[email protected]