quot;علينا أن نقول غير مانفعل ونفعل غيرَ مانقولquot;
هي مقولة بن غوريون أول رئيس أسرائيلي، وخصها في تفكيره الصهيوني للتوسع على الأرض الفلسطينية وشن حروب أسرائيل ضد العرب منذ عام 1948. فما يقال عن السلام يعني التهيأة للحرب بعنصر المفاجأة والخديعة، ومايقال عن التهديد بالحرب قد يكون التهيأة للسلام. ففي ظروف أنشاء الدولة اليهودية، كان من الطبيعي أن تتبع أسرائيل أستراتيجية الهدف المعلن والهدف المخفي.

وفي العراق اليوم، هناك أكثر من بن غوريون، يُطلق تصريحات بالهدف المعلن والهدف المخفي، ويكتسب بسهولة الشعبية المطلوبة بتهيئة خطاب عن أنجازات لم تُنجز وخزنة قديمة من أصلاحات لم تتم، ووعود أطلاق سراح من هم في السجون العراقية لجرائم كبرى. فالأعلان عن نية البرلمان أو الحكومة quot; أصدار قوانينquot; قد تعني لهم وللجماهير المُغفلة أنها أُنجزت. فالقول يعني العمل وعدم الفعل يعني الفعل لأنه يُلقى على شكل خطاب، بحماس ووطنية،على الجماهير بوسائل أعلامية ( تُبخر) للخبر المُحزن و تغطيه بفطنة. فالرواتب والمنافع الاجتماعية والأمتيازات للوزراء والنواب في العراق، التي تشكل الأعلى مقارنة مع الوزراء والبرلمانيين دول أُخرى، تم أخيراً تخفيضها بنسبة معينة دون معرفة جدول الرواتب الذي يحدده قانون الرواتب والعلاوات.

العارفون والواهمون (منا) يدركون أنه ليس من السهولة فهم قرارات قانونية عراقية، سواء أكان المُعلن عنها أو تلك التي تتراكم فوق بعضها بأنتظار من يُحركها وأصدار قانون بشأنها.

فالى أشهر قريبة حاولت، معرفة مايصلني عن طريق بعض الأخوة من غموض يتعلق بمناصب رئاسة الجمهورية ومن يُشغلها دستورياً، وكذلك فهم رغبة ديمقراطية المليشيات في عقد مؤتمر القمة العربي في بغداد، وجهود تشكيل المجلس الأعلى للسياسات الإستراتيجية ليرأسه علاوي، والضغوط المبذولة من السيد الهاشمي والصدر، الشخصيتان اللتان تطلب من الحكومة البت في أمور السجناء وأطلاق سراحهم، فلم أصل أِلا الى خطوط تختفي وتتباعد عن العين المجردة كلما تابعتها، وتجعلك ترفع راية الأستسلام قبل نهاية البحث عن الحقيقة.

سيل من خرافات أنصاف الحلول يقدمها جيل سياسي مُخدر في مجلس النواب يُشرّع quot; قوانين سياسية quot; ويُهمل تشريعات quot; قوانين أجتماعيةquot; خدمية ينتظرها الشعب منذ 7 سنوات. منهج منظم من أنظمة مُسيّرة بعقلية عشائرية تتقاسم نهب ثروات البلاد بمساومات داخلية وشراء ذمم الآخرين وتوظيف جيوش المرتزقة المنفذين. هذا على الأقل، مايصلني من مصادر تؤكد ( مثلاً) أن الجهود الأستخبارية لمكافحة أرهاب القتلة المجرمين المحترفين، يتم أحباطها من داخل السلطة وتضّيع قبضة أجهزة الأمن على الأجرام بأطلاق سراح المئات من المُدانين وأفلاتهم من العدالة، ليعاودا أِثر ذلك، العمل الأرهابي والتخطيط للأغتيالات والتفجيرات بأسماء مستعارة، ويوظفون من جديد لتنفيذ الأغتيالات بعلم بعض المسؤولين في الحكومة.

ففي عمل المتنفذين أن مايجري وراء الكواليس من خداع وتقديم وتأخير، مُحرم الكشف عنه، ولايحتاج الى بحث وتمحيص وتدقيق لمعرفة الحقيقة، والشفافية ومحاربة الطائفية التي يتفنن بعضهم في وصفها لاتعني الشفافية كما يفهمها العالم المتحضر، أنما أشباع أعلامي لأحزاب تسندها مليشيات مُسلحة مختلفة تخضع لعقلية تقليدية متحجرة تعود الى عصور الستينات من القرن الماضي، وهي أكثر بطشاً من عصابات صدام أو فلول طالبان. أما لماذا تم أختياري لهذا العنوان quot;علينا أن نقول غير مانفعل ونفعل غيرَ مانقولquot; ولهذه المقدمة الطويلة؟ فلدي هذه الأسباب.

سلطات بلا قيود
للتذكير بسلطات مجلس رئاسة الجمهورية، ينبغي أن نقول بدقة أن هذا المجلس طائفي بالدرجة الأولى بتشكيلته الفريدة من الكردي والشيعي والسني. ولم يحدد الدستور ومجلس النواب ألية نظامه الداخلي بقانون واضح يحدد طبيعة علاقته بالحكومة ومؤسسات الدولة الفدرالية. وعلى الصعيد الشعبي والمجتمع المدني العراقي، فأن العراقيين أوصلوا أصواتهم لهم مراراً وتكراراً... لاتطعمونا طعاماً أردغانياً تركياً ولا خمينياً فارسياً ولا وهابياً أصولياً، نريد خبزاً عراقياً وفكراً عراقياً وولاءاً عراقياً ودولة ديمقراطيةً عصرية لامكان للمليشيات فيها. القلة القليلة منهم تتمتع بالصدقية والمصداقية، والكثرة الكثيرة تتربع على عروش برلمانية ويتبنون بشكل أعمى (نقول غير مانفعل ونفعل غيرَ مانقول) بالتطبيق العملي لشعار بن غوريون، والأختلاف الوحيد أنه يطبق في العراق على نحو لامثيل له ويستطيع المستقرء للأحداث أن يُدرج تطبيقه في: الأستغلال المالي وملئ الجيوب.مزايدات المطالبة الكاذبة بكشف الأموال المسروقة من خزينة الدولة. أفراغ العراق من العلماء والأطباء وقادة الفكر في المجتمع بالترهيب والأغتيال. التنازل عن الأرض والحقوق لجيران المنطقة. تقديم الوعود الكاذبة لأصلاحات مرتقبة. أطلاق سراح أعتى القتلة المجرمين السجناء وتسميتهم quot; بالسجناء الأبرياء، بالضغط على الأجهزة الأمنية بصيغ رسمية صادرة من كتل في السلطة. والمطالبة، في وقت أمني عصيب، بعقد مؤتمر قمة الأمراض العربية في بغداد والرغبة الشديدة بالترحيب بزعماء لفضتهم شعوبهم.

وبعض الكتل وقياداتها تروج للفساد السياسي والمالي والأمني بنفس درجة ترويجها ومساندتها للأرهاب الفكري الداخلي عن طريق تصريحاتهم وتصريحات ممثليهم. فممثلو القائمة العراقية يجدون في عقد مؤتمر القمة العربي في بغداد quot; ان امام العراق فرصة تاريخية لاثبات دوره الحضاري خلال القمة العربية المقبلة quot;، في وقتِِ ترك القائمة العديد من أعضائها ومناصريها لأسباب عقائدية وفلسفية. أما كيف سيُكتب للقمة النجاح في وقت تطالب الشعوب بتنحية حكامها وسلاطينها، فهو أمر أتركه للمجلس الأعلى للسياسات الإستراتيجية quot; الذي تتمثل فيه كل العيوب القانونية لتشكيله وتلكأت الحكومة العراقية في البت فيه لأنه يضم نخب بعثية قديمة لها أغراضها الخاصة. والصيغ المنوه عنها أعلاه هي أخطر أمراض المجتمع التي تنخر جسد السلطة وتهددها بالانهيار الكامل.

ولنضيف أيضاً أن العبرة ليست في بحث الأمور وأعلائها سطح الحدث، وأنما في خواتِمها. سرقة المال العام والفساد المالي والأداري، واحالة 35 مسؤولا الى التحقيق بتهم فساد مختلفة كشراء أجهزة كشف متفجرات لاتعمل، وتبرع رئيس مجلس النواب العراقي بتاريخ 21 شباط فبراير 2011 للحديث عن السرقات والتحقيق لكشف أختفاء 40 بليون دولار من خزينة الدولة، كلها تدخل في باب الحديث الى أن تأخذ العدالة مجراها. فهل تمَّ كشف المتواطئين وأسترجعتْ الأموال المسروقة،أم هي بداية النهاية ولا يجب أن نقلق في عصر ديمقراطية المليشيات والحمايات الخاصة. ولأنه تمَّ الحديث عنها فأن الموضوع يصبح مننتهياً. ويبدو أن هذه السرقة وخيوط تفاصيلها قد أودعتْ في ملف أحدى اللجان البرلمانية أوسُجلت السرقة ضد مجهول بعد أن تم بحث الموضوع. أليست هذه هي المسؤولية والشفافية المطلوبة؟

معجزة الأنجازات التي تحققت ْ، كمبادرة رئاسة الجمهورية،الطائفية المولد والسلوك والتصرف، لتوسيع الرئاسة، ليست أنجازاً وأنما لف ودوران وأعادة توجه وسلوك، يَخرجُ عن كل أطر النظام الدستوري. فالسادة الذين يشغلون هذه الرئاسة وسعيهم في أقامة نظام يحقق للعراق مصالحه العليا، لهم مطاليبهم وآرائهم الخاصة بالأضافة الى توجهاتهم السياسية، والرئيس طالباني المنتخب دستورياً، لا يسمو بمنصبه الى أعلى المثالية والسعى لضمان وحدة وقدسية تربة العراق، بالكف عن الحديث عن كركوك بطريقة تخالف القسم الذي أداه لخدمة الجمهورية. وثانياً، أنه يدعو الى أضافة نائب ثالث له، في وقت تتبنى دساتير معظم ديمقراطيات العالم تنصيب رئيس واحد لرئاسة الجمهورية، علماُ بأن النائبين الحاليين يمارسان صلاحياتهما كنائبين للرئيس دون أن يصوت عليهما أعضاء مجلس النواب ولم تتم الموافقة النهائية على ترشيحهما، وهما يشغلان منصبيهما بتفويض شخصي من الرئيس. وأستقالة الدكتور عادل عبد المهدي الرسمية أثبات ودليل على الفوضى العامة في رئاسة الجمهورية. فمتى تُرفع الستارة ويزول خلل اللعبة الخافية لأنصاف الحلول وعدم الأصرار على أتخاذ خطوة الى الأمام وخطوة الى الوراء والأخذ والرد بين قرار المحكمة الأتحادية ومجلس النواب الذي ترك أمر البت بنواب الرئيس الى عالم الغيب والبخور. ومن الناحية السياسية والأدارية، فقد كانت توجهات رئيس الجمهورية ونائبيه من المعوقات التي وقفت كحجر عثرة لتقدم البلاد في السنوات الماضية، وكان تناقض التصريحات قد سببت البلبلة والأضطراب وزيادة العنف والتخريب الطائفي، نظراً لآنتماءات الأشخاص الثلاثة الى أحزاب تتناقض في العقيدة مع بعضها.
العراقيون لايهمهم من يقوم بواجبات رئاسة الجمهورية مادامت تتوفر فيه الكفاءة السياسية، النزاهة، الولاء الوطني، والمسؤولية.

باحث سياسي وأستاذ جامعي
[email protected]