دائماً ما يقع النظام الإيراني في تناقض يفضح طبيعته العنصرية، وسياسته ذات الرؤية الأحادية، ففي نفس التوقيت الذي تمارس فيه قوات الأمن شتى أنواع القمع على إقليم الأحواز في مظاهرة الغضب يوم الجمعة الماضية (15 /4)، يخرج علينا وزير الخارجية الإيراني (على أكبر صالحي) ليناشد مجلس الأمن التدخل في أزمة البحرين، دفاعاً عن حرية الشعب البحريني وما يتعرض له من قمع سياسي وأمني، في حين لم يخرج علينا تصريح إيراني واحد يندد أو يشجب ما يحدث في سوريا من قتل جماعي وانتهاك واضح لكل حقوق الإنسان .فالنظام في إيران سقط في هاوية التناقض بين مصالحة الخاصة والمعلن من تصريحات الحرية والثورية، التي يحاول من خلالها الاستغلال المباشر لكل ما تمر به المنطقة العربية من خلل سياسي.
تشكل الأحواز ذات الطبيعة السكانية العربية، والتي يتجاوز عدد سكانها 2 مليون، بؤرة دائمة الاشتعال في إيران، يمتد تاريخياً إلى الدولة الساسانية في إيران القديمة، مروراً بالصراع الصفوي والعثماني في العصور الوسطى، وصولاً للدخول العسكري الممنهج في عهد الشاه رضا بهلوي في عام 1925، وإعلانها كمنطقة تابعة للحدود الإيرانية.ومع قيام الدولة الإيرانية في العصر الحديث بدأ فاصل جديد من معاناة العرب في إقليم خوزستان والتي تعتبر الأحواز عاصمة له، بحيث تجاوزت القضية مجرد حلبة للصراع العربي الإيراني خاصة بعد اكتشاف آبار البترول سواء في الإقليم أو داخل مياه الخليج الذي تشرف منطقة خوزستان على الجانب الشمالي منه، أي الصراع على مصدر أصيل من مصادر الطاقة، إلى اضطهاد عنصري تمارسه الدولة الإيرانية الشيعية ضد العرب السنة، فرغم ما يمثله الإقليم من مصدر للدخل القومي الإيرانية يتجاوز 80 %، إلا أنه من أكثر المناطق التي تعاني من سوء الخدمات المدنية، ومحاولات دائمة للسيطرة على مجمل القبائل العربية المنتشرة على طول الإقليم.
فدائماً إقليم الأحواز ضحية للجدل والتوترات السياسية بين إيران وجيرانها العرب صعوداً وهبوطاً، فالنظام الإيراني يحسب ذلك الإقليم سياسياً على المنطقة العربية، ويعتبره هو المدخل الذهبي لفرض أي توتر سياسي تساهم في دول الجوار العربي إلى الداخل الإيراني، وبالتالي يتعامل معها بحسم يصل لحدود العنصرية القومية والمذهبية.وفي ظل تأزم الوضع السياسي بين إيران ودول الخليج، نتيجة لأحداث البحرين الأخيرة، ومحاولات إيران فرض وصايتها الدينية والسياسية على شعب البحرين على خلفية البعد المذهبي المشترك بين النظام الإيراني والأغلبية الشيعية في البحرين، والتهديدات المباشرة المتبادلة بين السعودية وإيران، وانكشاف شبكات التجسس الإيرانية في البحرين والكويت والتي يروج إعلامياً لها بشكل سلبي من الجانبين، أدى لتحويل قضية البحرين من شعب أراد أن ينال حرية رآها مناسبة له، إلى صراع مذهبي ديني على منابر المساجد والحسينيات وخطب الجمعة.
كل تلك العناصر مجتمعة خلق من منطقة الأحواز ساحة جديدة للصراع العربي الإيراني، والذي بالطبع أخذ طابعه المذهبي، كما هي طبيعة كل القضايا التي تخص الشأن الإيراني، فكانت الانتفاضة الأحوازية التي بدأت الآن وحصيلتها جملة من الاعتقالات والقتلى، يصاحب ذلك صمت إعلامي إيراني، وتضخيم عربي، سيؤدي في النهاية إلى اختزال المطالبات الأحوازية بالعدالة والحرية، إلى حالة من الصراع المذهبي القومي سيفرغ القضية الأحوازية من محتواها، وسيعطي النظام الإيراني مبررات دعائية لقمع أي تظاهرات داخلية تحت مسمى الحفاظ على الوحدة الإيرانية في الداخل، واعتبار الشعب الأحوازي مجرد جماعة من الإرهابيين الخارجين عن القانون.
فالشعب الأحوازي أقلية يقع عليها كل الاضطهاد السياسي الممارس على بقية الأقليات التي شملها حكم النظام الإيراني الذي يمارس عنصريته ضد كل من يخالفه عرقياً أو دينياً أو سياسياً، ومن المحتمل أن تكون انتفاضة الأحواز بداية لحركة شعبية شاملة تغير من وجه هذا النظام، بشرط أن تتوحد مطالب الأقليات باختلافها، وكذلك تبني المعارضة الإيرانية المتمثلة في الحركة الخضراء لتلك المطالب التي قد تؤدي مجتمعة إلى انهيار الوجه التمييزي لنظام الحكم في إيران.بحيث لا تنتهي تلك الانتفاضة نفس نهاية انتفاضة عام 2005، و أدت إلى مزيد من القمع السياسي والأمني لإقليم الأحواز، والتي كانت ضحية لتوتر العلاقات العربية الإيرانية منذ بداية رئاسة أحمدي نجاد.
فالأحواز وإقليم خوزستان بشكل عام يُعد بمثابة الطائر الذي يبيض ذهباً على الصعيد الاقتصادي لإيران، وبالتالي مهما تسبب في توترات سياسية لن يفرط فيه النظام بسهولة، ولن يمنحه أي استقلال ولو نسبي كما يحلم الشعب الأحوازي، فالحل القمعي هو الأقرب إلى الاستخدام، من أي سياق تفاوضي ممكن.بل أن النظام سيحاول وضع قضية الأحواز دائماً بين سندان القومية ومطرقة المذهبية، خشية أن يتحول إقليم الأحواز إلى قنبلة قد تنفجر بشكل تسلسلي لتفجر معها كل أزمات الأقليات العرقية والدينية في إيران.

أكاديمي مصري
[email protected]