على ما يبدو،
فإنّ النظام السوري مصرّ على المضيّ قدمًا في سفك دماء المواطنين. غير أنّ هذه الدماء المسفوكة هي بمثابة مستنقع من وحل عميق سيغوص فيه النظام ومن والاه من أصحاب المصالح. بإصراره على المضيّ في ارتكاب هذه المذابح، لن يتبقّى أمام هذا النّظام خطّ رجعة لأنّه يعلم أنّ نهايته ستكون وخيمة. في الواقع، إنّ الطبيعة القبليّة لهذا النّوع من الأنظمة هي طبيعة مافيوزية، أي هي طبيعة تنشد سيطرة العصابة على مناطق نفوذ سياسية، اقتصادية واجتماعية. وفي السّياق السّوري فإنّ مناطق النفوذ التي تتشبّث بها هذه العصابة البعثيّة تسمّى الدولة السورية.

هل هنالك إمكانية
للخروج من هذا المأزق؟ الإجابة على السؤال ليست بالأمر السّهل، كما قد يظنّ البعض. فهنالك سلسلة من الأخطار التي تعترض طريق المجتمع السّوري المتشكّل من كلّ هذه الإثنيات والطوائف والمذاهب والقبائل. وعلى العموم فإنّ هذا المجتمع لا يختلف في هذه الأمور عن تشكيلات المجتمعات العربية الأخرى التي لم تصل حتّى الآن إلى بناء الهويّة الجامعة أو دولة المواطنة الواحدة التي يتساوى فيها الأفراد دون فرق في خلفيّاتهم المذكورة آنفًا.

إنّ ما يزيد المسألة
عواصة على الحلّ هو ما يصدر عن بعض ما يسمّى المعارضة من مقولات، أقلّ ما يقال عنها إنّها قبليّة وعنصرية هي الأخرى وموجّهة لطائفة أخرى. كما إنّ السّلفيّين من أشباه القرضاوي ومن لفّ لفّه ولفّهم، على ما يمثّله كلّ هؤلاء من عنصريّة وطائفيّة، لا يبشّرون بخير لأحد العباد من أهل البلاد. لهذا السّبب، على كلّ الصّادقين الّذين ينشدون الحريّة أن يكونوا على حذر من كلّ هذه الأخطار المحدقة بهم جميعًا من أقوال تصدر عن صنف أولئك العنصريين والسلفيين على جميع أصنافهم. إذ لا يمكن محاربة القبلية والطائفية بقبلية وطائفية مضادّتين. إذ أنّ حربًا كهذه هي حرب خاسرة بكلّ المعايير، كما إنّ نتائجها المأساوية على جميع النّاس معروفة مسبقًا.

هل يستطيع زبانية النّظام
تحكيم العقل في ما يتّخذونه من خطوات؟ في الواقع، إنّ هذا النّظام هو نظام فاقد للشرعيّة منذ البدء، إذ كيف يمكن أن يمتلك النّظام شرعيّة أيًّا كانت، بعد أن تمّ ابتداع هذا التوريث الجمهوري القبليّ في العلوم السياسية العربية؟ لقد سلك النّظام البعثي بهذا التّوريث طريقًا لم تترك له خطّ رجعة. وها هي السّنوات قد مرّت. لقد مرّت عشر سنوات ونيّف على هذا التّوريث، فما الّذي جرى في هذه السنوات؟ لم يتغيّر شيء. ظلّ الفساد والظّلم قائمين على صدور العباد، وأمّا زبانية النّظام فما بدّلوا تبديلاً.

وإذا كان الرئيس الوريث شابًّا،
فهل هذا يعني أنّ الشّعب السوري قد كُتب عليه أن يقبل بوجود هذا الرئيس لعقود طويلة مستقبلاً؟ وهل كتب على الشعب السوري أن ينتظر عقودًا ن الزّمن حتّى تُضحي حال بشّار الأسد كحال حسني مبارك، والقذافي وعلي عبد الله الصالح بعد سنوات طويلة من الحكم والظلم والفساد والاستبداد؟

أيّ أمّة هي هذه
التي تقبل أن يبقى الرئيس، أيًّا ما كان هذا الرئيس، على سدّة الحكم طوال كلّ هذه العقود من الزّمان؟ وكلّ هذا دون أن نأخذ بالحسبان أنّ الفساد والطغيان هما سمة هذا النّوع من الأنظمة. لقد دخل العالم قرنًا جديدًا وألفيّة جديدة، بينما لا زال العرب يعيشون في الطّور القبليّ الذي ينخر فيهم فلا يترك لهم متّسعًا للتّحرّك خارج نطاق هذا الداء، هذا الوباء.

بوسع هذا النّظام البعثي
أن يتدارك الوضع الآن، قبل فوات الأوان. هنالك عدّة خطوات يمكن أن تُتّخذ ابتغاء درء مخاطر التّفتّت القبليّ والطائفي كما حصل في العراق:

الخطوة الأولى - المبادرة إلى عقد مؤتمر جامع للطوائف والإثنيات السورية لتدارك الوضع الخطير المحدق بالجميع.
الخطوة الثانية - هي أن يعلن الرئيس الأسد أمام المؤتمر أنّه لن يرشّح نفسه لفترة رئاسية قادمة. فحتّى أميركا العظمى لا يبقى فيها الرئيس أكثر من عشر سنوات.
الخطوة الثالثة - أن يُجمع المؤتمرون على مبدأ فصل الدين والقبيلة والطائفة عن الدولة، وعلى حظر الأحزاب الدينية والقبلية والطائفية على جميع أشكالها.
الخطوة الرابعة - الإجماع على تحديد المدّة الرئاسيّة لدورتين لا تزيدان على عشر سنوات، يُحال بعدها الرئيس إلى التقاعد معزّزًا مكرّمًا، كما هي الحال لدى الشعوب المتحضّرة.
الخطوة الخامسة - إطلاق الحريّات العامّة في التفكير والتعبير والإبداع في شتّى مجالات الحياة، لأنّ هذه هي الضمانة الوحيدة لدفع المجتمعات قدمًا.
الخطوة السادسة - الإجماع على أنّ المواطنين سواسية أمام دستور مدني متحضّر دون فرق بين رجل وامرأة، بين سنّي وشيعي وعلوي ودرزي وإسماعيلي ومسيحي وكردي وأشوري أو أيًّا ما كانت خلفيته.

هذه بعض المبادئ العامّة التي يجب الإجماع عليها. إنّها المحكّ لمعرفة النّوايا. من يعترض عليها يكشف في الحقيقة عن نواياه الخبيثة. وما لم يتمّ تبنّي هذه المبادئ فإنّ المستقبل لا يبشّر بأيّ خير.

قد يقول البعض إنّ هذه الخطوات هي ضرب من الأوهام، أو شكل من أشكال أحلام اليقظة. لكن، ماذا نكون نحن، إن لم يكن لدينا أحلام.
ففي نهاية المطاف، الحلم هو الإنسان.

والعقل وليّ التوفيق!
*
موقع الكاتب: rdquo;من جهة أخرىldquo;
http://salmaghari.blogspot.com
***