انتفضت شعوب العالم العربي بعد عقود الصمت لتهدم عبادة الفرد أمام سطوة المجموع، صنم الديكتاتور الذي ساهم الجميع في صناعته وتجميله، يعاني من اختبار حقيقي، فإما أن يوضع في متحف التاريخ كغيرنا من المجتمعات التي مرت بذلك الاختبار مسبقاً، وإما أن نعيد نحته وتجميله من جديد. المهم أن البداية كانت هنا، حيث نقف الآن ، عالم بلا حدود من الحرية، شبكة المعلومات التي حولت الواقع إلى تعليقات على المواقع الاجتماعية، وسيل هادر من الآراء المتباينة، ومتابعات لحظية يمارس الجميع دوره فيها بقدر، بل أن قيم الواقع نفسها قد تغيرت تحت ثقل المثال الافتراضي، فأصبح الحلم الحقيقي الوحيد أن نجعل عالمنا المعاش بنفس الرحابة والحرية. فوجودنا سيتحدد بحسب ما تساهم به شخصياتنا الافتراضية في هذا العالم وليس العكس.
فالعالم الذي حاول حكامنا السابقون أن يجعلوه مجرد أداة للسيطرة، انقلب عليهم وانهاروا أمام ما يمنحه من سطوة لامتناهية. و انسحب هذا بطبيعة الحال على الخبر الصحفي كقيمة وحق من حقوق الإنسان، فبعد أن مارست النظم القديمة والحالية ديكتاتورية كاملة على الواقع وصحفه الورقية، قدمت شبكة المعلومات الحل الأمثل لكل صحافة أرادت حرية التعبير ونقل الحقيقة، ومع الوقت انقلبت الآية فأصبح المصدر الوحيد للصحافة الورقية جرائد الواقع الافتراضي، فأمام بعض الآلاف من قارئي الأوراق تجمهر الملايين أمام شاشات الحاسوب الذي تجاوز حدود مجرد المعرفة الخبرية إلى المشاركة الفعالة، فالواقع الذي احتكر الحقيقة على بعض من الكتاب وأوراق المطابع لعقود طويلة، أصبح غير قادر على مواجهة كل هذا التناقض والتباين والاختلاف الذي يمارسه الجميع في رحابة شبكة المعلومات، مما حتم في نهاية الأمر أن ينطلق التغير من هنا لينتهي في أرض بعيدة كنا نسميها في عهد سابق الواقع وكان يطلق عليها البعض الحقيقة الوحيدة.
وقد خاضت إيلاف هذه التجربة التي مثلت مغامرة حقيقية منذ عقد من الزمان، لتخاطب عاملنا العربي بلغة لم يكن يفهمها في ذلك الوقت، فحاولت أن تتجاوز التوازنات السياسية، وسطوة الجرائد الورقية المسيسة بطبيعة الحال، لتنقل لنا حقيقة جديدة، فرضت وجودها كأمر واقع ينقل لنا حرية العالم الافتراضي النابعة من الأساس من حرية الفرد المستقلة عن أهداف المجموع أو توجهاته، وبالتالي تحولت إيلاف تدريجياً إلى مادة خصبة من الأخبار والمتابعات والآراء التي تخاطب كل فرد عربي منفرداً، لتحقق له حضوره الأصيل في العالم المفتوح، فتجاوزت بذلك سلطة الخطاب الفوقي الذي تمارسه الجرائد والصحف الورقية، لتجعل من القارئ عنصر أساسي في مملكة الصحافة التي لم تعد الأن حكراً على أحد.
على إيلاف الآن وفي ظل أحداث تهز عروش الدول الديكتاتورية أن تستمر في دعم الصحافة الحرة، وتهيئة المناخ لتتكرر تجربتها الرائدة في الواقع الافتراضي الجديد، بعيداً عن أي تحزبات أو توازنات سياسية أو دينية أودت بغيرها من الصحف الورقية إلى عالم النسيان. فهي تجربة أعطت الكثير وما زالت تحتاج إلى الكثير.

أكاديمي مصري
ahmedlashin@hotmail. co. uk