امّا وقد شكل quot;حزب اللهquot; الايراني الحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، لا بدّ من بدء الكلام عن الخسائر التي يحتمل ان تترتب على الوطن الصغير وابنائه بكل فئاتهم.
يخرج لبنان الخاسر الاوّل من هذا التطور الذي اثبت ان في امكان ميليشيا مذهبية مسلحة القيام بانقلاب وفرض ارادتها على اللبنانيين وارغامهم على ان يكونوا تابعين للمحور الايراني- السوري الذي يتبين يوما بعد يوم انه لا يستطيع الاّ ان يكون في خانة الناشرين لثقافة الموت والبؤس والتطرف.
وفي حسابات الربح والخسارة ايضا، خسر نجيب ميقاتي، رجل الاعمال الناجح والسياسي الذكي الكثير من رصيده، خصوصا انه لم يستطع المحافظة على اهمية موقع رئيس مجلس الوزراء، الموقع السنّي الاول في لبنان. لم يكتف quot;حزب اللهquot; وتوابعه بفرض وزراء من سقط المتاع على نجيب ميقاتي، بل تجرأت عليه تلك الدمية المتحركة التي اسمها النائب ميشال عون. تجرأ عون على الشخصية المكلفة تشكيل الحكومة اللبنانية بفضل سلاح quot;حزب اللهquot; الموجه الى صدور اللبنانيين وذلك بهدف واحد وحيد هو اذلال اهل السنّة في لبنان وتهميشهم من جهة والاتيان بوزراء مسيحيين يستحي من يمتلك حدا ادنى من الكرامة والحياء من ذكر اسمائهم. هل من اذلال اكبر من هذا الاذلال يلحق بمسيحيي لبنان بعد ذلك الظلم الذي لحق بدروزه؟ ليس كافيا ان يكون نجيب ميقاتي عيّن وزيرا مسيحيا يتمتع بحد ادنى من الكفاءة والاخلاق كي لا يقال ان التمثيل المسيحي في الحكومة دون الصفر، بل يمثل اهانة لكل لبناني يحترم نفسه بغض النظر عن الطائفة او المنطقة التي ينتمي اليها.
كان في استطاعة نجيب ميقاتي، بغض النظر عن الظروف التي اوصلته الى موقع المكلف تشكيل الحكومة، الاتيان بوزراء من نوع مختلف ينتمون الى طبقة الناجحين بديلا من طبقة الحاقدين على كل نجاح. كان في استطاعته، انطلاقا من خبرته الواسعة في ادارة المؤسسات ان يساعد في نهوض الدولة اللبنانية بدل العمل على تدميرها عن طريق حكومة من الفاشلين المستعدين لعمل اي شيء من اجل حمل لقب quot;معالي الوزيرquot;. كان في استطاعة نجيب ميقاتي ان يقف شامخا ويقول لكل من يعنيه الامر ان الذين اوصلوه الى موقع رئيس الوزراء في حاجة اليه اكثر بكثير مما هو في حاجة اليهم. فاذا كان طموحه الحصول يوما على لقب quot;دولة الرئيسquot;، فانّ هذا اللقب صار في جيبه منذ العام 2005.
لم يكن نجيب ميقاتي في حاجة الى ان يكون في الوضع الذي هو فيه اليوم، اي تحت رحمة بعض اشباه الرجال الذين يتلقون تعليماتهم من quot;حزب اللهquot; بكل ما يمثله ويجسده من انتماء الى ثقافة الموت من جهة وعداء لمؤسسات الدولة اللبنانية والعيش المشترك بين اللبنانيين من جهة اخرى.
يبقى في النهاية لماذا قبل نجيب ميقاتي تشكيل حكومة بهذا المستوى قد لا تتمكن من الحصول على ثقة مجلس النواب الا بصعوبة كبيرة... هذا اذا كانت هناك رغبة في الحصول على الثقة؟ هل ذلك عائد الى حاجة الرئيس بشار الاسد الى القول للعالم انه لا يزال ممسكا بالورقة اللبنانية وانه لا يزال قادرا على التحكم بمصير رؤساء الحكومة في لبنان وبالبلد نفسه وانه مثلما اسقط حكومة سعد الحريري، يستطيع ان يفرض حكومة برئاسة نجيب ميقاتي؟
ربما كان ذلك صحيحا لولا امرين. الاوّل ان على الاسد الابن ان يقنع العالم اوّلا بانه يمسك بسوريا كي يكون هناك من هو على قناعة بانه قادر على ان يتحكم بلبنان. هذه لعبة من عصر آخر تخطاها الزمن وتخطتها الاحداث كان يمارسها السوري ولا يزال يمارسها بسسب رفضه الاعتراف بالواقع الجديد داخل سوريا نفسها وفي المنطقة. الامر الآخر ان الرئيس السوري ربما نسي ان من يسقط الحكومات في لبنان هذه الايام ومن يشكلها هو quot;حزب اللهquot; الذي مرجعيته في طهران وليس في دمشق...
ربما هناك سبب آخر لتشكيل الحكومة الميقاتية بالاسم فقط. هذا السبب عائد الى اقتراب موعد صدور القرار الاتهامي عن المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. من يخشى المحكمة التي ستكشف هوية قتلة رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الاخرى التي تلت تلك تلك الجريمة، لا يمكن ان يقبل في الاسابيع القليلة المقبلة بان تكون في لبنان حكومة برئاسة سعد الحريري، حتى لو كانت هذه الحكومة مجرد حكومة تصريف اعمال. اكثر من ذلك، كان مطلوبا التخلص من وزير العدل في حكومة سعد الحريري والاتيان بوزير تابع لميشال عون، التابع بدوره لـquot;حزب اللهquot; الذي يشكو من المحكمة الدولية ومن سيف العدالة قبل صدور القرار الاتهامي...
ما الذي سيفعله نجيب ميقاتي عندما سيتوجب على النظام السوري مواجهة المجتمع الدولي خلال اسبوعين، في ابعد تقدير، عندما سينظر مجلس الامن التابع للامم المتحدة في الجرائم المرتكبة في هذه المدينة السورية او تلك وعندما ستطرح جديا مسألة حماية المدنيين السوريين، خصوصا في المناطق المحاذية للحدود التركية؟ ما الذي سيفعله رئيس مجلس الوزراء اللبناني عند صدور القرار الاتهامي في قضية اغتيال رفيق الحريري ورفاقه؟ هل مطلوب ان يقف لبنان عبر حكومته مع جلادي الشعب في سوريا ومع رافضي العدالة الدولية في لبنان؟
خرج نجيب ميقاتي من السراي في العام 2005 كرجل دولة بكل معنى الكلمة نظرا الى انه عرف كيف يحافظ على موقع رئيس الوزراء وحمايته. كانت تجربته ناجحة الى حدّ كبير. قد يظهر يوما لماذا كان عليه القبول بتشكيل حكومة من هذا المستوى المتدني، حكومة جعلت حتى طلال ارسلان يستقيل منها. هل كان حجم الضغوط كبيرا الى درجة لم يكن لديه اي خيار آخر... ام ان كل المطلوب منه تشكيل حكومة تكون وسيلة لمتابعة تنفيذ عملية الاغتيال السياسي التي يتعرض لها سعد الحريري منذ فترة لا باس بها؟