تحت عنوان quot;quot; بلا تعليق quot;quot;.. وصلني عبر بريدي الإلكتروني إيميل من صديق أعتز بفكره وصداقته.. الرابط الإلكتروني لفيلم quot; فتنة quot; لأحد المخرجين الهولنديين.. وبالرغم من رفضي مشاهدة هذا الفيلم سابقا.. إلا أن إرساله من صديق أحترم رأيه دفعني لمشاهدته..وبمنتهى قدرتي على تمالك نفسي وأعصابي شاهدت الفيلم..قد يقول العديدون بأنه فيلم مغرض هدفه الإساءة إلى الإسلام.. ولكن في مواسم الربيع العربي.. مواسم الإنتفاضات نحن أحوج ما نكون للفهم الأعمق لماذا نقف في أيام صيف لاهب على ضفة نهر واسع ولا نستطيع تخفيف اللهب الذي نحترق فيه بالقفز في النهر.. والعالم كلة يقف متفرجا لاهيا مستمتعا بعذوبة المياة على الضفة الأخرى ومندهشا من تلفّفنا بعباءات سوداء تزيد من هذا الحر الخانق.. لماذا يحاربنا العالم..؟؟ برغم التأكيد المتواصل أن من يروجون لمثل هذا التفكير الهمجي والعقيم هم قلة..

من هنا أرى أن من واجبنا مشاهدة الفيلم لنستطيع رؤية كيف يرانا العالم من حولنا.. كيف يرانا الغرب الذي لا تربطه بنا سوى مصالحه ولولاها لأدار ظهره لنا وقال إنعموا بجهلكم.. وإلى ماذا يستند هذا الغرب في هجومه على ديننا.. وكيف نستطيع الخروج من المصيبة والورطة التي ورّطنا بها فكر القاعدة وإبن لادن.. وفقهاء الجهل والتجهيل.. في عداء يزداد عمقا وفجوة بيننا وبين العالم من حولنا..

يبدأ الفيلم بمشهد تقشعّر له الأبدان..وهو مشهد ذبح أحد الرهائن.. ثم ينتقل ليسرد بعضا من الأحاديث التي تقول أن الإسلام هو الدين الوحيد وما عداه من الأديان الأخرى ومعتنقوها فهم ضالون أو كفرة.. ثم يبدأ بتلاوة عدد من الآيات التي تدعو المسلمين إلى الجهاد في سبيل الله لنشر الدعوة.. إضافة إلى خطب العديد من فقهاء الدين الذين يحثوا المسلمين على الجهاد والتاكيد بان يوما ما قريب جدا سيحكم الإسلام فيه كل العالم خاصة اوروبا والتي فيها ما يقرب من 25 مليون مسلم ومن خلال صناديق الإقتراع وما تتيحه الديمقراطية من حرية.. فإن الإسلام سيكون شكلا من أشكال الحكومة العالمية ليحكم العالم كله.
وأترك لك سيدي القارىء والقارئة تخيّل إحساس أي غربي حين يشاهد هذه المقاطع !!!

في ما يقرب من الساعة من مشاهدة الفيلم وبرغم كل ما ذكر وكل مشاهد العنف.. لم أقتنع بما يروّج له الفيلم.. لأنني وجدت العنف واردا في الديانات الأخرى وأن كل هذه الديانات تعتقد بأنها الديانة الوحيدة الصحيحة وما عداها فهو خطأ.. وأنها الوحيدة المبشرة بالجنة والآخرون إلى النار..وأنها إنتشرت بالعنف وبالحروب...

ولكن ما أثّر بي مشهد مسجل لمذيعه تسأل طفلة محجبة في الثالثة والنصف من العمر هل تعرفين اليهود.. وتجيب الطفلة على إستحياء نعم.. أعرفهم من القرآن.. وتسألها هل تحبيهم.. لأ.. س-- عشان هم إية.. تجيب الطفلة قردة وخنازير.. فتسألها من قال عنهم ذلك وتجيب الطفلة.. بمنتهى البراءة ربنا.. وتكمل المذيعة لأن اليهود أهل غدر وخيانة..
وهنا يصيح شيخ من الأستوديو ومعه أطفالا آخرون.. الله أكبر.. هذا هو التعليم الإسلامي الصحيح.. نريد الأم التي تعلم أولادها من الصغر الجهاد وحب الله ورسولة والتضحية من أجل الإسلام وحب بلاد المسلمين!

ثم ينتقل إلى مشهد آخر لمذيع تلفزيوني يتلقى مكالمة من طفل في الثانية عشر.. يسأله المذيع ماذا تتمنى.. يجيب.. أتمنى ان اكون شهيدا في سبيل الله..

ذكّرني المشهد الأول في وصف اليهود بالقردة والخنازير.. بمشهد مديرة مدرسة الملك فهد في لندن.. قبل سنة تقريبا والتي دعيت للمشاركة في برنامج أخبار الليلية مع المذيع المشهور جيرمي باكسمان الذي جاء إلى علمه بان المدرسة تعّلم تلامذتها أن اليهود قردة وخنازير. وحاول باكسمان محاورتها.. وسألها هل ستعملين على محو هذه الأقوال.. وعجزت المدرّسة عن الإجابة أو التعليل أو شراء الوقت بالقول بأنها ستعمل على التشاور مع المسؤولين للعمل على محو.. حذف.. تغيير هذه المعلومة التي تسيء إلينا أكثر مما تسي لليهود أنفسهم.. مما إضطر مقدم البرنامج لما يشبه من طردها من الأستوديو..
في المشهد الثاني.. وفي إجابة الطفل الذي أصبحت أمنيته في الحياة أن يموت شهيدا.. ذكرّني وفي واحدة من زياراتي للأرض المحتلة. وفي عيد الأضحى.. حين رأيت أطفالا ما بين العاشرة والثانية عشرة.. من بين كل 5 منهم هناك 3 يحملون كلاشينكوفات بلاستيكية.. يلعبون بها. وحين سألتهم أليس من الخطر حمل
هذه الألعاب والتي تشبه إلى حد بعيد الأسلحه الحقيقية لأن خوف الجندي الإسرائيلي سيدفعه لإطلاق النار قبل أن يتعرّف أنها لعبة بلاستيكية.. صعقت للرد.. نتمنى الموت شهداء..
أطفال في عمر الورود لا يحلمون سوى بالموت.. والمصيبة أنهم قد لا يحظوا به.. والإحتمال الأكبر. حصولهم على الإعاقة.. !!!
كنت أتمنى أن أسمعهم يتمنون الدراسة.. ان يصبحوا أطباء.. علماء.. مهندسين.. ولكنهم يحلمون بالموت بالتاكيد هناك مسؤولية على دولة الإحتلال. ولكن هناك مسؤولية أكبر على رجال الدين الذين روّجوا لثقافة الموت.. بدل ثقافة السلام.. ومسؤولية أخرى على الحكومة التي سمحت بإستيراد مثل هذه الألعاب مع علمها بخطورة الموقف..

ثقافة الموت التي علمناها للجيل الجديد بحيث لم يعد يتفهم ثقافة السلام التي تتمثل في التعايش مع الآخر والمختلف.. وأن بإستطاعتنا تحقيق أحلامنا بالحرية في مقاومة لا عنفية أكثر بكثير من حمل السلاح وثقافة العنف.. وأن من حقنا الحياة وخلقنا أيضا للإستمتاع بها..

أعتقد جازمة بأننا في القرن الحادي والعشرين مجرمون بحق أبنائنا والجيل الجديد حين نعلمهم مثل هذا الكره.. ومجرمون بحق أنفسنا.. لأننا سلخنا عنا إنسانيتنا.. وسكتنا عما يبثة فقهاء الدين من ظلام في قلوبنا وعقولنا.. وسنكون أكثر ظلما لأنفسنا إن سكتنا أو حاولنا تجميل ما نعلّمه لأطفالنا تحت إعتقاد أن هذا هو ديننا..

ويستمر الفيلم ليرينا كيف أن الأزهر عمل على إصدار كتاب محمد عمارة الذي ينادي بتكفير الأقباط.. وتوزيع الكتاب مجانا وبتمويل من الحكومة المصرية.. بدلا من المساهمة في إصدار كتب عن علاج الفتنة الطائفية وإستئصالها من الذهنية المصرية خاصة وهي لم تكن بهذه الحدّة في السابق.. غير مستوعب بأن الكتاب ليس إلا تشجيعا وتأصيلا لفكر متطرف مدمر لمستقبل الحياة والتعايش في المجتمع المصري بين المسلمين والأقباط كمواطنين متساوون وأنه يرسّخ للفتنة بل ويعمل على إشعال جذوتها كلما خمدت.. بما يؤكد المثل الشعبي quot;جنت على نفسها براقش quot;.

هناك وقفات كثيرة في الفيلم.. تدعونا جميعا للتوقف والبحث وإعادة النظر في كثير من الأمور الدينية التي نرفض مناقشتها وتدعونا بشدة لأن نطرحها بعمق وبموضوعية وبصدق مع النفس على بساط البحث.. وضرورة إصلاح المناهج التعليمية برمتها.. لأن تغيير الثقافة السلبية التي تعوّدنا عليها لن يحصل بدون تغيير المناهج.... ولكن ليس بأنصاف حلول بل بحلول جذرية تصل إلى تغيير وتطوير مناهج التعليم مستندة إلى الحقوق الإنسانية للبشر.. ومبادىء حقوق الإنسان.. وحقوق المرأه.. وإلا فالعواقب التي تنتظرنا وخيمة جدا وستقع على رؤوسنا أولا... وستنقلب الإنتفاضات الرائعة إلى كوارث قد تؤدي لتمّني الإنسان العربي عودة عقارب الساعة إلى ما قبل هذه الإنتفاضات لأنها لم تحقق له لا العدالة ولا الثورة ولا الأمن..
التعليم وإخراس فقهاء الدين هما الطريق الوحيد لإثبات وجودنا كبشر في هذا العالم !!!!


باحثة وناشطة في حقوق الإنسان