خطوة تركيا لمساعدة الصومال تعادل ألف خطوة في الطريق الصحيح لنيل مصداقية دولية..
يتصاعد نجم تركيا الإقليمي والعالمي بتماثل وإستمرار مواقفها السياسية الأخلاقية بدءا من مواجهتها لإسرائيل والتصميم على عدم إعادة سفيرها قبل إعتذارها عن قتل تسعة مواطنين أتراك كانوا على متن سفينة المساعدات التي أبحرت لمساعدة الفلسطينيين في غزة.. ثم موقفها الأخلاقي من ثورات العالم العربي.. ومحاولتها السياسية الأخيرة حث النظام السوري المتهالك على وقف العنف ضد المتظاهرين المعارضين للنظام.. ووقف آلة القتل العسكرية نظرا لشرعية مطالبهم في الإصلاح.. والآن تتوج تركيا هذه المبادرات الأخلاقية بمبادرة جديدة تقدمت بها إلى منظمة التعاون الإسلامي.. لحثها على تقديم المساعدات الفورية للصومال.. مقدما السيد أردوغان نفسة كمثلا يحتذي به إقليميا ودوليا في تعامله الإنساني وعزمه على الذهاب مع عائلته بمصاحبة وفد كبير من الحكومة التركية مع رؤساء منظمات خيرية عديدة ورجال اعمال.. معظمهم سيذهب مع زوجاتهم وعائلاتهم لزيارة للصومال والوقوف على كيفية مساعدة هذه الدولة بأسرع وأفضل ما يمكن.

الزيارة.. تقدم العديد من الدلائل على المستوى الإنساني والأخلاقي.. الذي تتمتع به دولة إسلامية تريد التعايش مع العالم.. وتعمل على إيقاظ الضمير الدولي الإنساني.. بأنها كدولة إسلامية لا تقل عنه تحضرا وفهما للروابط الإنسانية.. تجاه دولة صغيرة تمر بأزمة مجاعة بغض النظر عن حروبها الداخلية التي عطلت وصول الكثير من المساعدات الدولية سابقا.. هذه الخطوة تؤكد إختراق الحكومة التركية للعديد من الحواجز السياسية والنفسية على الصعيدين الإقليمي والدولي لتؤكد بها بأنها دولة راقية ومتحضرة مسؤولة تستحق الإعجاب والمصداقية على المستوى الدولي.. تعاظم قوة تركيا ودورها السلمي الإقليمي بدأ حين تحركت بمحاولة حث نظام الأسد بضرورة إنهاء الصراع مع إسرائيل لإستنفاذه الكثير من طاقة سوريا والتي من الأفضل أن توجه للمواطنين السوريين.. وبالفعل وبعد ثلاث سنوات من الجهود التركية.. كانت سوريا على وشك الوقيع.. إلا أن ضرب إسرائيل لغزة غيّر من مسار العملية التفاوضية السلمية ووقفت تركيا بعزم وجرأة ضد القصف الإسرائيلي وأدانته..

هذا الدور أكسبها مصداقية شرق اوسطية بأنها قوة إقليمية صاعدة.. تستطيع بجدراة تمثيل نفسها والعمل على السلام لمصلحة منطقة الشرق ألأوسط كلها.. وهو الدور الكبير الذي يختلف إختلافا كليا مع السياسة الإيرانية التي في تهّورها تقدم دليلا تلو الآخر يعزز الخوف منها ومن سياساتها ومما تضمرة للمنطقة ويعزز الخوف العالمي من الإسلام المتطرف.
بكبرياء وجرأة بدون إستعلاء ولا مواجهة العالم الغربي بالتهديد والوعيد.. ولكن بالطرق الديبلومساية السياسية إستمرت الدولة التركية في تقديم المثل تلو الآخر على أنها دولة تريد العيش بأمن وإستقرار.. ولكن بدون التضحية بالمبادىء..بقصد أو بدون قصد الخطوات التركية وضعت إيران في زاوية أكثر ظلمة مما هي عليه.. فبينما لا زالت الدولة الإيرانية تتحدى العالم بالتهديد والوعيد.. وتبرز صورة ظلامية لإسلام متشدد لا يمت للقرن بصلة.. عملت تركيا على تقديم صورة جديدة ومشرقة لإسلام معتدل يتبنى مفاهيم حقوق الإنسان الدولية والتي وعت تركيا الدولة بأنها لا تتعارض مع الإسلام نفسه.. إضافة إلى أنها فهمت الرسالة الغربية بأن دخولها كعضو في الإتحاد الأوروبي لن تثمر على الإطلاق.. ولكن وجودها في محيط الشرق الأوسط وخطواتها السياسية المتوازنة يؤهلها للعب دور إقليمي متوازن ما بين مصالحها ومصالح المنطقة.. إضافة إلى دور متوازن على المستوى العالمي ما بين الإسلام المتشدد والإسلام المعتدل..

التاريخ يشهد بأن الدولة التركية كانت بمنتهى الذكاء في حساب المصالح الذي تقوم علية العلاقات الدولية.. فبرغم معارضتها لتقسيم فلسطين عام 1947 إلا أنها كانت أول دولة إسلامية تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل في 28 مارس 1949.. والسبب في ذلك يكمن في.. سياستها في الإبتعاد عن الحروب كليا.. عزمها ودأبها في محاولة اللحاق بركب الحضارة الغربية ثم حاجتها آنذاك لمساعدات الغرب والناتو.. ولكن تركيا اليوم دولة أقوى مما كانت عليه آنذاك.. وقّوتها وتصرفها العقلاني بدأ بمحاولة تخطي ازماتها الداخلية والعمل على تصحيحها بجدارة.. كمثل تعاملها مع إعتذارها عن مذابحها ضد الأرمن.. وإن لم يكن بطريقة علنية إلا ان زيارة أحد وزرائها لهم.. ومحاولة إعادة بناء جسور الود معهم.. هي بمثابة نوع من الإعتذار..ثم إستقبالها لجموع المهاجرين السوريين ومساعدتهم في محنتهم.. ثم وقوفها مع الحقوق الفلسطينية في إنهاء الإحتلال وحقهم بالإعتراف بهم كدولة. مخاطرة بعلاقاتها مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة التي تمارس الضغوط على إسرائيل لحثها على الإعتذار لعلمها المسبق بأن عدم الإعتذار لتركيا سيضعها في موقف صعب حين تتقدم فلسطين بطلب العضوية في الهيئة الدولية.. نظرا لحاجتها للدور التركي على جميع الأصعدة في الشرق الأوسط مشكلة تركيا الوحيدة على الصعيد العالمي.. عدم الإمتثال للطموحات الكردية وحق الشعب الكردي في تقرير مصيره.. وهو ما نأمل ان تعمل الحكومة التركية على التعامل بما يتماشى مع القوانين الدولية في هذا الحق.. ولكن ومن كل ما سبق يؤكد لي صدق النوايا التركية.. ولكن ومهما كان هذا الصدق لا أريد لأي دولة من الدول العربية أن تكون ذيلا لا لتركيا.. وقطعا لا للنوايا الإيرانية الغير مطمئنة على الإطلاق.. ولكن قطعا أريد علاقات إقتصادية وسياسية متعاونة تقوم على تنسيق القضايا المركزية والإستراتيجية للمنطقة.. وتنبع من مبدأ موحد هو حماية مصالح كل هذه الدول المتجاورة.. ولكن ليس على حساب المساس بكرامة أو حرية المواطن العربي.. والشرق أوسطي بشكل عام..

باحثة وناشطة في حقوق الإنسان