أرسل إلي أحد الإخوة مقالةً يرجع فيها سبب تأخر الثورة في سوريا عن تحقيق أهدافها، وسقوط أكثر من 2600 شهيد فيها حتى الآن إلى أنها ليست في سبيل الله، وأنها بدل أن ترفع شعارات إسلامية فإنها ترفع شعارات من قبيل لا للطائفية ولا للتدخل الأجنبي ونعم للسلمية..

دليل الأخ أن هذه الثورة ليست في سبيل الله هو أنها لم تقل ذلك صراحةً..وهذا يعيدنا إلى مناقشة أساس القضية وهو كيف نكون في سبيل الله؟، وكيف نصبح خارجين عن هذا السبيل؟..

رددت على الأخ بالقول إن (في سبيل الله) ليس مجرد شعار نظري، أو كلمة تبح الحناجر بالهتاف بها، بل إن كل جهاد يبتغى به الحق والخير والعدل فهو في سبيل الله

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف (من قتل دون ماله فهو شهيد،ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد)..

هذا الحديث يعني أن الإنسان قد يقتل في سبيل الله دون أن يرفع أي شعار ديني، وأن مجرد الدفاع عن الحقوق المدنية يدخل الإنسان في دائرة (سبيل الله).

فحين يهجم معتد على رجل آمن وهو في بيته أو ليسرق ماله فيقاتله ويطرده فهو في سبيل الله، ولو قتل في هذه الحالة فهو شهيد مع أنه لم يرفع يافطة عريضة كتب عليها (أنا أحارب في سبيل الله)، ولو أسعفه الوقت لكتابه هذه اليافطة لكتب فيها شعارات من قبيل (اخرج من بيتي)، أو (لن أدعك تسرق مالي)..وهي شعارات مشابهة من حيث صياغتها المدنية للشعارات التي ترفعها الشعوب العربية في ثوراتها ضد الأنظمة الجائرة، ومع ذلك فهو في سبيل الله حسبما نفهم من حديث النبي عليه الصلاة والسلام.

بل إن هذا الرجل الذي يعنيه الحديث لم يكن يدافع عن أكثر من حقوقه الشخصية كالمال والبيت وهو سلوك فطري يلجأ إليه أي إنسان ولا يوجد فيه وجه بطولة وتميز، فهو لم يكن يبحث عن مصلحة الناس، ولا عن نصرة قضايا العدل والحق، ومع ذلك عده الإسلام شهيداً، لأن فلسفة الإسلام قائمة على تقوية الحسنة مهما كانت صغيرة، ولأن البديل عن دفاع هذا الرجل عن ماله وبيته هو الخنوع والاستكانة وهو ما يرفضه الإسلام الذي جاء برسالة تحرير الإنسان..

فإذا كانت هذه هي نظرة الإسلام تجاه مع من يدافع عن حقه الشخصي فكيف بمن يدافع عن حقوق الناس في الحرية والعدالة والكرامة!!

بهذا الفهم فإن الشعوب العربية في ثوراتها ما دامت تناهض الظلم وتأمر بالقسط فهي في سبيل الله، بل إن صنيعها هو جوهر الدين وحقيقته الكبرى.

فرسالة الدين الكبرى قبل أن تكون مظاهر وشعارات تسمى إسلامية فهي تحرير الإنسان من العبودية والخضوع لغير الله.

وما يفعله أهلنا في سوريا هو حقيقة التوحيد لأنهم بخروجهم على النظام الاستبدادي فإنهم يقولون بلسان الحال قبل لسان المقال إن هذا الطاغية ليس إلهاً ونحن لن نخضع إلا لله..وهل التوحيد سوى الثورة على المستكبرين المتألهين في الأرض..

لقد تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا النوع من الجهاد الذي تمارسه الشعوب العربية الآن ووصفه بأنه أعظم الجهاد فقال: quot;أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائرquot;..

وتصنيف ما هو إسلامي وما هو غير إسلامي لا يكون بالنظر إلى ظاهر الشعارات، وما يلصق بها من نصوص دينية بل بالنظر إلى مضامينها، فكل دعوة إلى الحق والعدل والخير هي جزء من الدين كما قال ابن القيم رحمه الله quot;حيثما كان العدل فثم شرع اللهquot;..لذا فإن شعارات مثل رفض التدخل الأجنبي أو رفض الطائفية أو الإصرار على سلمية الثورة هي من الدين لأنها تدعو إلى العدل وإلى القسط وإلى الحكمة..

مع تقريرنا لهذا المبدأ فإن أثر الدين حاضر بقوة في ثورة أهلنا في سوريا حتى في الشعارات، وهذا يدلل على عمق ارتباط الأمة بدينها وتاريخها، ويكفي لنستدل على ذلك بأن محط انطلاق التظاهرات دائماً هو من المساجد، وأوقات ازدياد زخمها هو أيام الجمعات وفي شهر رمضان المبارك.

والله الهادي إلى سواء السبيل..

[email protected]