فى فترة شبابى كنت مغرما بمجلة الحوادث اللبنانية والتى كانت واسعة الإنتشار وقتها فى القاهرة، وفى عهد عبد الناصر منعت الحوادث من دخول مصر لسبب غريب جدا فلقد نشرت المجلة تحقيقا عن أم كلثوم (كوكب الشرق) أوضحت فيه حقائق لم يكن يعلمها جمهورها العريض مثل عمرها الحقيقى وأنها تزوجت ثلاث مرات وزادت الطين بلة بأن نشرت صورة قبيحة لأم كلثوم (والتى لم تكن ملكة جمال على أية حال)، فإتصلت أم كلثوم على الفور بالسلطات العليا فى مصر وتقرر منع الحوادث من دخول مصر والتى كان توزيعها فى مصر أضعاف ماتوزعه فى باقى العالم العربى، وجن جنون المرحوم (سليم اللوزى) صاحب الحوادث، ونصحه ذوو الشأن إلى أن يذهب إلى أم كلثوم ويعتذر لها، وقد كان... ذهب سليم اللوزى وقبل يد أم كلثوم، وكانت النكتة تقول أنها جعلته يغنى أغنيتها الشهيرة من فيلم سلامة والتى تقول فيها: أبوس القدم ... وأبدى الندم ... على غلطتى فى حق الغنم!!
وكان كان هذا أمرا هينا على سليم اللوزى بالقياس لما حدث له من النظام السورى.
ففى أوائل عام 1980 وجدت جثته ملقاه فى منطقة جبلية فى لبنان وعثر عليها راعى غنم وكانت يده متحللة نتيجة وضعها فى سائل حمضى مركز وذلك إنتقاما منه وردعا لأمثاله لأنه كتب بيده ينتقد نظام حافظ الأسد، ودم سليم اللوزى سوف يسأل عنه ياسر عرفات وزهير محسن (منظمة التحرير) وحافظ الأسد، والحقيقة أن أمثال سليم اللوزى (مثلى) قد إرتعدوا خوفا من التصرفات الأجرامية لنظام الحكم السورى وأعوانه من الفلسطينيين الذين لم يقدروا على إسرائيل فتشطروا على اللبنانيين وعلى أقراهم من الفلسطينيين، وأنا فى الحقيقة كنت خائفا من كتابة أى شئ ضد النظام السورى، ولم أكتب إلا مقالة واحدة منذ فترة أيام الإحتلال السورى فى لبنان وكان عنوانها: quot;الإحتلال السورى للبنان... زيتنا فى دقيقناquot; ولقد لقت المقالة وقتها إعجابا من اللبنانيين عامة ووجدت إمتعاضا من الحكومة السورية والحمد لله لم يتم وضع يدى فى الحامض حتى الآن حيث أننى فى حماية العم (سام).
ومؤخرا لا منى العديد من أصدقائى السوريين عن تجاهل ما يحدث فى سوريا حيث أننى لم أكتب أى شئ عن الثورة السورية، وعن ضحايا تلك الثورة الذين يسقطون بشكل يومى، وكان عذرى لهم أننى لا أعرف تماما ما يدور فى سوريا نتيجة التعتيم الإعلامى والذى نجح نظام الحكم فى سوريا عن إخفاء ما يحدث عن وسائل الإعلام العالمية والعربية،أما السبب الحقيقى الذى لم أذكره وهو أن: quot;العمر مش بعزقةquot; ففى مساء 6 يوليو (تموز) الحالي، عثر على جثة مرمية في مجرى نهر العاصي قرب حماه. تبين أنها عائدة لـlaquo;بلبل الثورة السوريةraquo; إبراهيم قاشوش، صاحب أغنية laquo;ارحل يا بشارraquo;، التي غناها ملايين السوريين في الشوارع ليل نهار، ولا سيما في laquo;جمعة ارحلraquo;.
اللافت أن قاشوش ذبح من laquo;حنجرتهraquo; واقتلعت الحنجرة من مكانها، ثم رميت الجثة في العاصي، وذلك حتى يكون عبرة لكل من سولت له نفسه بالغناء ضد أسد سوريا.
...

واللافت فى موضوع سوريا هو التجاهل العربى والدولى عما يحدث فى سوريا، فمثلا أيام الثورة على حسنى مبارك (والذى يعتبر ملاكا بالنسبة لنظام الأسد) هاجت الدنيا وماجت وقال أوباما: quot;أن على مبارك أن يرحل الآن... وأعنى الآنquot;، وفى ليبيا تحركت قوات الناتو بجلالة قدرها وساعدت ثوار ليبيا فى التخلص من القذافى والذى يبدو أنه (مزنوق زنقة سودة فى مكان مجهول من أفريقيا) حتى بوركينا فاسو رفضت أن تعطيه حق اللجوء السياسى!!
أما فى حالة سوريا فالوضع معقد جدا فسوريا حليفة لإيران وتركيا وحليفة لحزب الله، وسقوط سوريا يعنى سقوط حزب الله ويعنى تقلص نفوذ إيران فى المنطقة، وسوريا لها أخطر حدود مع إسرائيل، ويبدو أن إسرائيل راضية عن حكم الأسد وأبيه وهما لم يطلقا طلقة واحدة ضد إسرائيل منذ عام 1973، ورفض quot;الأسدانquot; بعزة وشمم أى حديث عن الصلح كما جبن quot;الأسدانquot; عن خوض الحرب. وإسرائيل تخشى أن يحكم سوريا الأخوان المسلمون كما قد يحدث فى مصر أيضا، ولكن الجبهة السورية أخطر كثيرا على إسرائيل من الجبهة المصرية.
ويبدو أن الغرب أيضا رأى أن هناك إحتمال أن يتولى الأخوان مع تنظيم القاعدة بالمغرب من حكم ليبيا، ويكون بهذا قد خلع القذافى ووضع بدلا من قيادة تابعة للقاعدة، والغرب وأمريكا فى الحقيقة لا يهمها من يحكم البلاد العربية طالما هناك ضمان لأمن إسرائيل أولا، وضمان لإمدادت البترول ثانيا. ولكن فى نفس الوقت لا يضمن الغرب وأمريكا ماذا يحدث لو إستولى الإسلام السياسى المتطرف على أنظمة الحكم الثورية، لذلك فإن الوضع فى سوريا قد يظل هكذا لفترة ليست بالقصيرة.
...

بالنسبة لبشار الأسد: أنا لا أصدق كيف إنقلب هذا الطبيب الوديع وله زوجته الجميلة والرقيقة فجأة إلى حاكم يقتل شعبه بشكل يومى، وكلما زاد القتل كلما أزدادت المقاومة الشعبية وأزداد العنف مرة أخرى وتدخل سوريا فى هذه الحلقة الجهنمية من العنف والثورة والعنف المضاد، وأنا فى يقينى أن الأسد ومن حوله أصبحوا على يقين تام بأنها مسالأة حياة أو موت (وخاصة بعدما رأوا بأعينهم البهدلة التى يتبهدلها مبارك لأسباب أقل كثيرا مما فعلوا فى سوريا، وزنقة.. زنقة القذافى) وخاصة أن عرين الأسد (وأعنى به الجيش السورى) ومعظم أعمدة نظام سوريا هم من الطائفة العلوية (الأقلية) لذ1لك فهم يخشون (وقد يكون لهم الحق فى هذا) فى أنهم لو تخلوا عن السلطة طواعية فسوف يكون مصيرهم التصفية الجسدية إنتقاما لما إرتكبوه من جرائم، وقد يتعدى الإنتقام إلى معظم أفراد الطائفة العلوية وحتى إن لم يكن لها فى الثور أو الطحين! لذلك فإن الأسد وعرينه يعرفون يقينا بأنهم يحاربون المعركة الأخيرة، فإما أن يتمكنوا من إخماد تلك الثورة بالحديد والنار والعالم يقف موقف المتفرج، أو أن ينتهوا أسوأ نهاية لأسوأ نظام دكتاتورى.
وأنا رأئى أن أى محاولات تسوية للأزمة الحالية سوف تكون محاولات فاشلة، وأى مسكنات يعرضها النظام السورى حاليا إنما هى محاولة للإلتفاف على الثورة، وأى نظام حكم يقتل شعبه بالدبابات والمدافع والسفن الحربية لا يستحق أن يعيش ومصيره هو المحكمة الدولية فى لاهاى (هذا إن سمح له السوريون بالخروج من زنقته فى سوريا)!
وأرجو من الله أن يحقق لأخواننا فى سوريا ما يتمنوه من العيش بحرية وكرامة وعدالة.
[email protected]