بعد عشر سنوات على جرائم 11 سبتمبر، لابد من وقفة تأمل وتبصر.
بادئ ذي بدء، علينا تحية ذكرى الضحايا الأبرياء، وأن نشد على أيدي الضحايا الذين ظلوا على قيد الحياة بعد جروح ومعاناة، وان نسأل من جديد أية دوافع، وأي فكر وثقافة دفعت بحفنة المجرمين لاقتراف جريمتهم الهمجية الجبانة، وهل اتعظت الأكثرية من العرب والمسلمين بما أحدثته الجريمة من إساءة لسمعة الدين والمسلمين؟ هل اتعظ مثلا من أرادوا بناء مسجد في مكان الجريمة في نيويورك، وأصروا على ذلك المكان بالذات!!؟
لقد كتبنا عن الموضوع عشرات المرات، وتكرار بعض الأفكار والحقائق مفيد، ومطلوب.
هناك، مثلا، الوقائع والحقائق التالية:
قبل 11 سبتمبر، نفذ الإرهابيون المسلمون سلسة من الجرائم الكبيرة في العالمين الإسلامي والغرب وقارات أخرى. نذكر، مثلا، خطف إيران للرهائن الأميركيين [ واقعة السفارة]، وتنظيمها لأعمال العنف في مكة في الثمانينات، واغتيال شابور بختيار في باريس والمناضل الكردي عبد الرحمن قاسملو في فينا. ونذكر عمليات تفجير محطات القطار الأرضي في باريس من جانب الجماعة الإسلامية الجزائرية المسلحة، التي انضمت للقاعدة؛ تفجيرات السفارتين الأميركيتين في عاصمتين أفريقيتين؛ خطف وقتل السياح الغربيين في دول عربية، وغيرها كثير-عدا الخطط الإرهابية التي تم كشفها قبل التنفيذ، ومنها في فرنسا وحدها محاولة تفجير سوق وكاتدرائية كبرى برج إيفيل ومحاولة صنع قنبلة كيمائية تستخدم ضد السفارة الأميركية، والقائمة أطول من أن تحصى في هذا المقال.
الإرهاب الإسلامي هو أولا أيديولوجيا شمولية مغلقة برقعها ديني، وهدفها سياسي، وأساليبها العنف والقتل الجماعي لنشر الرعب والفوضى في المجتمعات الغربية والمسلمة وغيرها على السواء. وعندما يتأصل هذا الفكر لحد اقتراف عمليات الإرهاب، فإن من المعجزة أن يعيد حملته حقا النظر و يتخذوا quot;سواء السبيلquot;. وقد دلت المعلومات المنشورة على أن ما لا يقل عن ربع من أمر أوباما بإطلاق سراحهم من غوانتينامو قد عادوا للإرهاب مع تبديل الميدان.
هذا الفكر quot; الجهاديquot; قائم على ثقافة الكراهية، وادعاء احتكار الحقيقة، والتطرف الديني، وهو ما عبر عنه بكل وضوح مفزع كل من سيد قطب ومؤلف كتاب quot; إدارة التوحشquot;، [الذي يعتقد أنه الضابط المصري المصري سيف العدل، وهو من قادة القاعدة، وكان في إيران لحد زمن قريب]. هذه الكتب وأمثالها، وخطب دعاة التطرف الإسلامي المعروفين، والمسجون بعضهم، من أمثال عمر بكري وأبي حمزة، تروج لثقافة التدمير الشامل، تدمير كل شيء لينتصر الإسلام على الأرض ويحكم المتطرفون في دولة الخلافة الدولية.إنه فكر لا يطيق رأيا مخالفا بل يبيح قتل صاحبه، ولا يتورع عن تكفير مجتمعات ودول مسلمة والدعوة لهدمها لبناء الجديد، أي جديد الكهوف المظلمة.
لقد قتل بن لادن، وكان الحدث ضربة معنوية للقاعدة، ونصرا لضحاياها في كل مكان، ومنهم ضحايانا في العراق. وكان مقتله تحقيقا للعدالة، وتقوية للنضال الدولي ضد جرائم القاعدة ومخططاتها اللعينة.
لقد اختار بن لادن ، كما كتب أحد الكتاب العراقيين، ثروته المالية quot;في الشر، بل في أسوأ أنواع الشر: الإرهاب. وكانت الحصيلة أن أحرق ملايين الدولارات في نسف المباني الكبيرة بالعاملين فيها، والمجمعات السكنية بسكانها، وفي تفجير الأسواق والمدارس والمستشفيات والجوامع والكنائس والسفارات والمطارات ومحطات السكك الحديد والطائرات وباصات النقل العامquot; ألخ ..[ من مقال لعدنان حسين].
بعد عشر سنوات، لابد من التساؤل عن هذا الفكر التدميري الذي ينشر الكراهية ورائحة الموت: هل بذلت الحكومات والنخب في الدول الإسلامية جهودا كبيرة وجادة لاقتلاع هذا النمط من الفكر والتثقيف بمبادئ الانفتاح على الآخر والتسامح الديني، وقيم حرية المعتقد، وحرية النشر، وحقوق المرأة، ومبدأ المواطنة؟ وسؤال آخر: هل صحيح أن القاعدة ستهزم بعد شهور، كما صرح منذ أسابيع بعض المسئولين الأميركيين؟ وهذا ما نحاول الإجابة عليه في مقال تال.
لا أنهي هذه السطور قبل العودة مجددا لجريمة الإرهابي المتطرف الأصولي النرويجي، بريفيك، والتي علقت عليها في حين الجريمة في أكثر من مقال، لأكرر: أن نعم إن التطرف موجود في كل الأديان، وقبل بريفيك كانت جريمة أوكلاهوما عام 1995 التي اقترفها إرهابي يميني متطرف أميركي من طراز بريفيك. وأرى ضروريا التأكيد من جديد على أن مخاطر اليمين الغربي العنصري، المتطرف، القريب من الفكر النازي، والميال للعنف قائمة، وخصوصا المجموعات والتيارات التي تستغل سلوك وتطرف شرائح من المسلمين في الغرب. هذا خطر في الغرب لا ينكر، ولكنه مع ذلك محدود، وغير عابر للقارات كخطر الإرهاب الإسلامي بكل مدارسه ومذاهبه وجنسياته. وإن كل محاولة من دعاة ورجال دين أو مثقفين مسلمين، أو جمعيات إسلامية، في الغرب، وأيضا في العالم الإسلامي، لاستغلال جريمة بريفيك للتقليل من خطر الجهادية الإسلامية، أو محاولة صرف النظر عن جرائمها أو تبريرها، ليست لصالح المسلمين والعالم. إنها تعني إدارة الظهر لواجبات الحكومات الإسلامية والنخب والمثقفين المسلمين في الغرب والعالم الإسلامي في التصدي بالفضح والعزل للمتطرفين وسلوكهم، وأفكار كراهية غير المسلم التي تبث حتى في المدارس الإسلامية في الغرب، والتي تمولها وترعاها حكومات إسلامية.