لم أكن في يوم من الأيّام
من المعجبين بالأنظمة الملكيّة، وعلى وجه الخصوص تلك الأنظمة الملكيّة التي نشأت في العالم العربي مع انهيار الإمبراطورية العثمانية، وجلاء الاستعمار الغربي لاحقًا. هنالك من يقول إنّ كلّ هذه الدويلات والإمارات والسلطنات هي كيانات مصطنعة من مخلّفات سايكس-بيكو التي هدفت إلى تقطيع أوصال العالم العربي ابتغاء الحفاظ على المصالح الاستعمارية بعد جلائه.

قد يكون في هذا الكلام بعض الحقيقة، ولكنّه ليس كلّ الحقيقة. إذ أنّ الكثير الكثير من دول هذا العالم الواسع هي كيانات مصطنعة أيضًا. أو ليست كيانات مثل الباكستان وبنغلاديش وغيرهما في آسيا، أو النّمسا وبلجيكا وغيرهما في أوروبا هي أيضًا كيانات مصطنعة؟ هذا ناهيك عن أنّ الدول الأفريقية التي خرجت من الاستعمار قد شُطرت ورُسمت حدودها عابرة لإثنيّات وقبائل وشعوب وأديان مختلفة. إذن، العالم العربي، على ما فيه من كيانات، كالكويت أو قطر مثلاً، أو سورية ولبنان والأردن والعراق والسعودية وسائر الأقطار العربية، لا يختلف كثيرًا عن سائر العالم، فكيانات هذا العالم العربي بأسره هي كيانات مصطنعة أيضًا وضع الاستعمار حدودها على هواه.

ومع انهيار الشيوعية، وانفراط عقد منظومتها خرجت إلى العلن دول وكيانات جديدة في آسيا وأوروبا، ولا زالت هنالك نزاعات على الحدود بين الكثير من هذه الكيانات الجديدة. مثلما هنالك نزاعات على الحدود في الكثير من دول العالم الأخرى.

هذا هو العالم الآن الّذي ينضوي
تحت مظلّة الأمم المتّحدة ومنظومة القوانين الدولية التي تُحدّد التعامل بين الكيانات السياسية المختلفة. الكيانات السياسية لا تعني في الواقع شعوبًا، إذ أنّ الشعوب والإثنيات الدينية والطائفية قد تكون عابرة لهذه الحدود السياسيّة. ولكن، ومن جهة أخرى فإنّ هذه الكيانات السياسيّة قد تخلق شعوبًا على مرّ الزّمن. لأجل هذا الغرض يجب أن تمرّ هذه الكيانات بمرحلة صهر المواطنين على اختلاف خلفيّاتهم الدينية والإثنية في بوتقة المواطنة المتساوية، والحقوق والواجبات المتساوية للرجال والنساء على حدّ سواء. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلاّ في الدولة المدنية التي تفصل الدين والقبيلة والطائفة عن الدولة.

العالم العربي لم يمرّ بعد
ولم يصل بعد إلى هذه المرحلة المتقدّمة من الدولة. فالعصبيّات القبليّة والدينية لا زالت تنخر جسد هذه البقعة من الأرض بسكّانها، ومنذ قديم الزّمان. لقد انتقلت هذه العصبيّات من الجاهلية إلى الإسلام عبر التاريخ ولا زالت قائمة في هذه الأيّام. ربّما يكون هذا هو العامل الجوهري الذي أبقى الشعوب العربية في مؤخّرة الشعوب من ناحية التطوّر الاجتماعي والسياسي والعلمي. إذ لا يوضع الشخص الملائم في المكان الملائم، بل إنّ السلطة، بجميع هيئاتها تتشكّل على أسس من العصبيّة القبليّة والمذهبيّة، وهي أسس لا علاقة لها بأيّ حال بدفع عجلة التمدُّن البشري. بل على العكس من ذلك، فهي تشدّه دائمًا إلى الخلف للتخبّط في أوحال الماضي.

وإذا أضفنا إلى ذلك، كون نصف المجتمع العربي ولأسباب تتعلّق بالذهنيّة الذكوريّة العربيّة المتجذّرة في هذه المجتمعات، وأعني به المرأة العربية، مُعطّلاً، فإنّ الوضع يصبح أكثر تعقيدًا. إذ لا يمكن لمجتمع أن يتحرّك برِجْل واحدة هي رجل الذكر، بل سيظلّ واقفًا على هذه الرِّجْل دون حراك، بينما يشاهد قوافل المجتمعات الأخرى تسير قدمًا وهو مراوح مكانه.

من هنا، يمكننا القول قطعًا
إنّ ما أطلق عليه اسم rdquo;الربيع العربيldquo; لن يأتي بأيّ نتيجة ما دامت المرأة العربية خارج السياسة، وخارج الاقتصاد، وخارج المجتمع وخارج دوائر صنع القرار وتحديد السياسات على جميع الأصعدة.

وإذا وضعنا جانبًا الناحية الأخلاقيّة، وعلى الأصحّ عدم-الأخلاقيّة في التمسُّك بتقديم الرجال على النساء، فإنّ هذا المجتمع الذي يشلّ نصفه في حياته على هذه الأرض سيُبقي بلا شكّ نصفه الآخر عالة عليه، ومن ثمّ سيظلّ هو عالة على سائر الشعوب المتقدّمة التي تشارك فيها المرأة في دفع المجتمعات في كلّ مناحي الحياة.

لقد كنت في الماضي قد أطلقت شعارًا، وعلى ما يبدو ما زال نافعًا في هذا الأوان العربي. هنالك طريق أمام الأجيال العربية الشابّة، وخاصة الذكور منهم للسير في ركب الحضارة البشرية. ما على هذه الأجيال إلاّ أن تقتنع أنّه ما من طريق سوى رفع الشعار الّذي سيحدث التحوّلات السياسة والاجتماعية والاقتصادية والثقافية المنشودة. والشعار الذي سيفتح الباب لإصلاح الخراب هو: rdquo;الرّجُل العربي هو المشكلة، المرأة هي الحلّ.ldquo;

والعقل وليّ التوفيق!

موقع الكاتب: rdquo;من جهة أخرىldquo;
ـــــــــ