quot;التاريخ يعيد نفسهquot; مقولة تصدق على الواقع الحالي، الرئيس محمد مرسي يلغي الإعلان الدستوري الصادر في 22 نوفمبر الماضي ويصدر إعلانا دستوريا جديدا، ويبقي الاستفتاء على مشروع الدستور في موعده في 15 ديسمبر الجاري، على أمل أن تأتي نتيجة الاستفتاء بنعم، جماعة الإخوان يرغبون في الخروج من الأزمة بأقل الخسائر، ونقطة النور في الاعلان الدستوري الجديد هي انه ألغى التحصين على قرارات الرئيس وما يصدره من قوانين، وانتخاب الشعب لجمعية تأسيسية جديدة بشكل مباشر، وتشكيلها في غضون ثلاثة أشهر.

رفض غالبية الشعب المصري لمشروع دستور جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم، ليس حدثا جديدا في الحياة السياسية المصرية، ولأن الإخوان يفتقدون للذاكرة التاريخية، نذكرهم فقط بمشاهد حدثت منذ أكثر من ثمانية عقود، في عام 1930 عين الملك quot;فؤادquot; حكومة جديدة برئاسة quot;إسماعيل صدقي باشاquot;، وهي الحكومة الرابعة في خلال عامين، بعد اربع حكومات سابقة لم تنجح في تحقيق هدف الملك المتمثل في الغاء دستور 1923 الذي قيد صلاحياته، قام صدقي بهذه المهمة، ألغى دستور23، المقبول شعبيا quot;كانت مصر ملكية دستورية لدى البرلمان والحكومة صلاحيات كبيرةquot; وأصدر دستورا جديدا يستعيد سلطة الملك من ناحية، ويرضي سلطات الإحتلال البريطاني الذي كان يهدف للإنتقام من الأمة المصرية، والسبب عدم قبول الحكومات البرلمانية السابقة، ومن بينها حكومة الوفد برئاسة quot;مصطفى النحاسquot; مشروع معاهدة تضمن سيطرة بريطانيا على مصر.

ما جمع الماضي والحاضر الجدل الكبير الذي صاحب لجنة اعداد الدستور، وكان يرأسها quot;عبد الخالق ثروتquot;، أنسحب quot;سعد زغلولquot; من لجنة إعداد دستور عام 1930، ووصفها بأنها quot;لجنة الأشقياءquot;، كما يحلو للبعض وصف دستور الإخوان بأنه دستور quot;أم أيمنquot;، طالب quot;سعد باشاquot; أن يكتب الدستور جمعية تأسيسية منتخبة، وليست لجنة حكومية، حتى تتجنب أي ضغوط من الحكومة، اللجنة التأسيسية بزعامة المستشار quot;حسام الغريانيquot; باطلة ببطلان قانون الانتخابات فاللجنة أنتخبها مجلس شعب منحل بحكم قضائي، وكادت اللجنة التأسيسية أن تحل بحكم قضائي في الثاني من ديمسبر، قبل يوم واحد من الانتهاء من الدستور، لذا جاء التصويت على مواد الدستور في جلسة أستغرقت نحو ثمانية عشر ساعة، وعرضه الغرياني على الرئيس quot;محمد مرسيquot; في نفس اليوم، ليدعو بعدها quot;مرسيquot; الشعب إلى الاستفتاء على الدستور يوم 15 ديسمبر الجاري، هل قرأ مرسي مواد الدستور؟ هل إستوعبها؟ أم أن مكتب الإرشاد رتب له كل شيء؟ وأخبروه بأن الدستور أعظم دساتير العالم، ومكتب المرشد أقره وما عليه إلا السمع والطاعة، على أية حال ما دار في الكواليس سيكشفه التاريخ يوما ما، خرج الدستور ببعض مواده الفضفاضة والكارثيه معبراً عن تيار الاسلام السياسي.

جماعة الاخوان بزعامة quot;حسن البناquot; التي لم يكن مضى على تأسيسها عام 1928 سوى عامين أدارت ظهرها لما يحدث، بل وناصبت الحركة الوطنية والوفد برئاسة quot;مصطفى النحاس باشاquot; العداء، غير عابئين بالدماء التي سالت نحو خمس سنوات، وهو ما تفعله جماعة الأخوان اليوم تتهم جميع القوى الوطنية التي وقفت معها بالأمس بالخيانة، وتعادي الثوار وتتاجر بدم الشهداء
وتضحك على البسطاء بتصوير أن المعركة بين الإخوان والقوى الوطنية صراع بين الحق والباطل.

الدستور المشئوم المفصل على مقاس الاخوان وحلفائهم، يهدف إلى الانتقام من ثلاث فئات : الفئة الأولى: هم الثوار الذين يرفضون الاستبداد، والفئة الثانية: هم جموع الشعب المصري عامة، هؤلاء لا يريدون لأحد أن يتدخل في نمط معيشتهم تحت أي مسمى، كما هو واضح في المادة 15 من الدستور، والفئة الثالية : كل من كان عضوا في الحزب الوطني المنحل، بعضهم له شعبية في المناطق التي تعتمد على العصبيات كالصعيد، الإخوان يريدوا حرمانهم من العمل السياسي لمدة عشر سنوات بمقتضى مادة العزل السياسي،حتى يخلو لهم الجو في هذه المناطق للوصول الى إلبرلمان والمجلس المحلية، رغم أن الإخوان أنفسهم يتحالفون مع الفلول بدعوى خبرتهم في إدارة الدولة، الدستور المثير للجدل يهدف إلى الانتقام من فئات معينة لأغراض إنتخابية، ويسعى الإخوان إلى التمكين لأنفسهم وحلفائهم، ليظلوا في السلطة إلى الأبد، وهو ما يطرح تساؤلاً : ما الفرق بين دستور 1930 لإسماعيل صدقي أبان الاحتلال البريطاني لمصر ومشروع دستور 2012؟.

ظلت مصر في حالة غليان واحتقان سياسي وشعبي طوال خمس سنوات، تخللتها عمليات اغتيال، وسجن، وتنكيل بالمعارضين لدستور quot;إسماعيل صدقيquot;، وأستمرت حكومته رغماً عن إرادة الشعب ثلاث سنوات حتى استقالت عام 1933، وجاءت حكومة quot;محمد توفيق نسيمquot;، إنتفض الشعب المصري عام 1935، وأجبر الملك على الغاء دستور 1930، وإعادة دستور 1923، شكل مصطفى النحاس الحكومة وتم توقيع اتفاقية 1936 بين بريطانيا ومصر، والتي نظمت العلاقة بين الجانبين حتى تم الغاؤها عام 1951، ولعل الشيء الأبرز في هذه الفترة هو أن جيل ثورة 1919 هو الذين قام بثورة 1935 ضد الظلم والاستبداد، تماما كما يفعل الشباب المصري الأن، يثبت الشعب المصري أنه خط أحمر، رغم الحوادث الدموية التي ارتكبتها حكومة quot;صدقيquot; فإن الشعب كان يملك عزيمة لا تلين، وحقق مطالبه المشروعة، لن ترهب تهديدات الإخوان، وحلفائهم الشعب المصري، وسيواصل كفاحه السلمي حتى يسترد ثورته ويستعيد حقوقه.

إعلامي مصري