عنوان هذا المقال (quot;الميّةquot; تُكذِّب الغطَّاس) مثل شعبي مصري يعني، أن الغطاس الكاذب، سوف يُكتشف أمر كذبه بالغطس في الماء، أو شيئاً من هذا القبيل. واختيارنا هذا العنوان، لمقالنا اليوم، جاء بعد أن وجدنا أن كثيراً من القراء، ومن عبدة النظام السياسي الأردني.. الرُكَّع السُجود، يشككون بكل الحقائق التاريخية التي أوردناه في السابق لمؤرخين عرب موثوقين، عن هاشميي الأردن، ويهملون هذه الأسماء، ولا يوجهون لها الملامة وquot;المسبةquot;، بقدر ما يوجهونها إلينا نحن ناقلي هذا quot;الكفرquot;!

الأردن كتسوية وكضرورة

يُجمع كثير من المؤرخين العرب، ومنهم المؤرخ اللبناني مسود ضاهر، على أن شرقي الأردن، ظهرت كدولة على المسرح العربي، نتيجة ضرورات وتسويات في السياسة الدولية. وظلت حقيقة سياسية غير ثابتة، لا حدود واضحة لها خلال العشر سنوات الأولى من عمرها. وقيام إمارة شرقي الأردن، يتقاطع جذرياً مع المشروع البريطاني لإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين، استناداً إلى وعد بلفور. وهكذا أُنشئت إمارة شرق الأردن لأهداف ترتبط بسياسة بريطانيا تجاه المشروع الاستيطاني الصهيوني. (quot;المشرق العربي المعاصر: من البداوة إلى الدولة الحديثةquot;، ص245-247).

ويضيف ضاهر:

كان الأردن، حتى قيام الكيان الهاشمي في أواسط القرن العشرين بدوياً بالدرجة الأولى، حيث يتمتع زعماء القبائل الموالية بالسلطة التشريعية، والاقتصادية، والتنفيذية، وسواها. ولم يبدأ وجهها بالتغير الجذري إلا بعد 1948 ، حيث لعب الفلسطينيون الدور الأساسي في تبدل الطبيعة الجغرافية، والبشرية، والاقتصادية، استناداً إلى الأسس الراسخة التي أرساها الانتداب البريطاني. (quot;المشرق العربي المعاصر: من البداوة إلى الدولة الحديثةquot;، ص 267.)

وكافة الباحثين، يجمعون، على استحالة قيام إمارة شرق الأردن، وترسيخ أقدامها، لولا المساعدات الخارجية التي قدمتها بريطانيا إليها، ثم أمريكا في النصف الثاني من القرن العشرين. كما أن الدول العربية النفطية مدَّت الأردن بمساعدات مالية ضخمة. وها هي أمريكا تقف الآن من النظام الهاشمي الحالي، موقف المدافع والمنافح الحامي. وهو الموقف الذي يذكرنا بموقف بريطانيا منذ 1921، وحتى إلغاء المعاهدة البريطانية- الأردنية عام 1957.

مزيد من الحقائق التاريخية

ومن الحقائق التاريخية التي قرأنها في الأسبوع الماضي في سياق ما قرأناه عن تاريخ الهاشميين في الأردن، والتي ينكرها المنكرون، من سدنة quot;المعبد الهاشميquot; المتهالك، قول quot;عزة خليلquot;، الباحثة المصرية في التاريخ العربي الحديث، في كتابها ، (quot;الحركات الاجتماعية في العالم العربيquot;، ص 208):

quot;اتخذت السلطات الأردنية موقفاً سلبياً صريحاً، ولعدة عقود من الأحزاب السياسية، واعتبرتها مسؤولة عن تهديد أمن الكيان الأردني، واستقرار الحياة السياسية، وحتى بعد إقرار قانون الأحزاب السياسية، وتكريس شرعية، وتعددية الأحزاب السياسية. وبالمثل، فقد تعاملت السلطات الأردنية بحذر، وأحياناً بعدوانية تجاه الحركات الاجتماعية، والمنظمات غير الحكومية التي تقودها قوى المعارضة، وتلعب دوراً سياسياً، وتسعى إلى تعبئة أعضائها والرأي العام، لاتخاذ مواقف سياسية، لا تتفق بالضرورة مع سياسيات الحكم.quot;

الهدف الأكبر: quot;سوريا الكبرىquot;!

يقول المؤرخ الأردني، والأستاذ الجامعي (علي المحافظة)، في كتابه المهم (quot;العلاقات الأردنية ndash; البريطانية، من تأسيس الأمارة حتى إلغاء المعاهدة (1921-1957)quot;، ص 34):

في عام 1920 شرع الأمير عبد الله (الملك فيما بعد) بالاتصال بأعيان سوريا، ولبنان، وفلسطين، والأردن، من أجل تنصيبه ملكاً على quot;سوريا الكبرىquot;. وطلب من الزعماء السوريين، الثورة في وجه فرنسا من أجل تحقيق هذا الحلم. وأعلن نفسه نائباً لملك سوريا (فيصل بن الحسين)، ودعا أعضاء المؤتمر السوري الى الاجتماع به في معان. وناشد الجنود والضباط من الجيش العربي السوري الالتحاق به في معان (مدينة أردنية في الجنوب وقريبة من الحدود السعودية ndash; الأردنية). ولكن الاستجابة لهذا كانت ضعيفة.

هل لا زالت سوريا حُلم الهاشميينquot;؟!

ويضيف المؤرخ الأردني، والأستاذ الجامعي (علي المحافظة)، في كتابه المهم (quot;العلاقات الأردنية ndash; البريطانية، من تأسيس الأمارة حتى إلغاء المعاهدة (1921-1957)quot;، ص 126، 140) بقوله:

في عام 1943 ، تقدم الأمير (المؤسس) عبد الله بن الحسين بمشروع وحدة سورية شاملة. وفي خطاب العرش عام 1946 ، طالب الملك بوحدة quot;سورية الطبيعيةquot; (سوريا الكبرى)، ضمن الشروط التالية:

1- إنشاء دولة سورية موحدة مستقلة وذات سيادة، يكون نظام الحكم فيها ملكياً دستورياً.

2- تشمل هذه الدولة سوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين.

3- إلغاء وعد بلفور.

4- منح الأمير عبد الله الحق، في توليه الحكم في quot;سوريا الكبرىquot;، لكونه وريث الحسين بن علي، ولمساهمته في مساعدة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ووعد تشرشل له عام 1921.

وإذا تعذر قيام الدولة السورية الموحدة، فهناك اقتراح بقيام اتحاد سوري مركزي يُعنى بشؤون الدفاع، والمواصلات، والاقتصاد الوطني، والسياسة الخارجية، والثقافة، والقضاء. ويكون له مجلس تشريعي منتخب. ومنه ينتخب رئيس وزراء الاتحاد، وأعضاء السلطة التنفيذية. ويكون الأمير عبد الله الرئيس لهذا الاتحاد. ومن الملاحظ، أن مصر والسعودية، كانتا تعارضان قيام اتحاد سوري رئيسه أمير هاشمي. كذلك فعلت الجامعة العربية.

الحل الفلسطيني لصالح الهاشميين فقط!

يقول الباحث أحمد عبد الرحيم مصطفى، في (quot;مشروع سوريا الكبرى وعلاقته بضم الضفة الغربيةquot;، ص 36، 37):

ثمة ما يشير الى محاولة بريطانيا حل المشكلة الفلسطينية لصالح الملك عبد الله الأول، خاصة وأن الدوائر البريطانية كانت تتوقع ضعف الدولة الفلسطينية التي نص عليها قرار التقسيم (181) لعام 1947، مما يستتبع هيمنة الدولة اليهودية عليها. وبدا أن الملك عبد الله الأول، يود استغلال الموقف البريطاني من فلسطين لصالح مشروعاته بالاستناد الى حسن نية بريطانيا.

ولم تكن مصر راضية عن تدخل الهاشميين على هذا النحو بالشؤون الفلسطينية. كذلك كان موقف السعوديين، والسوريين، والجامعة العربية. وبذا، دخل العرب حرب فلسطين ضد اليهود 1948، وهم مختلفون ومتنازعون، فخسروا تلك الحرب خسارة كبيرة، وفاز اليهود بالدولة والوطن، دون مقابل، كما سبق وتنبأ السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في بداية القرن العشرين، وقبل عزله. بل إن بعض المؤرخين يقول بأن مصر دخلت حرب فلسطين من أجل عرقلة مشروع الملك عبد الله بضم ما تبقى من فلسطين الى الأردن. ولكن الملك عبد الله نجح في عام 1950 بضم الضفة الغربية الى الضفة الشرقية، وإعلان quot;المملكة الأردنية الهاشميةquot; وحدة سياسية واحدة. وبذا حقق الملك عبد الله جزءاً يسيراً من طموحاته السياسية العريضة لإقامة quot;سوريا الكبرىquot;، وتنصيب نفسه ملكاً عليها. ولكنه دفع حياته ثمناً لتلك الخطوة السياسية الجريئة، عندما جرى اغتياله على باب المسجد الأقصى عام 1951. وهدأت ردود الفعل ذات الطبيعة الصراعية التي ترتبت على ضم الأردن للأجزاء غير المحتلة من فلسطين عام 1950 كنوع من القبول بالأمر الواقع، وليس انطلاقاً من حل جذري للمشكلة، كما يقول المؤرخ أحمد يوسف أحمد، في كتابه (quot;الصراعات العربية- العربية 1945-1981quot;، ص 119).

السلام عليكم.