حروب التصريحات الساخنة وتلك المضادة لها أضحت من حقائق المشهدين الإعلامي و السياسي في العراق، فالسلطة التي تمتلك النفوذ والمال وقوة الجهاز الإداري و الأمني و الإعلامي هي وحدها من يستطيع إدارة ملف الأزمات المشحون في العراق والعامر بكل ماهو مثير للفتن و الأحقاد و السخرية أيضا، وأزاء الفشل السياسي والإداري و الأمني الكبير فإن عباقرة حكومة بغداد من المستشارين وتجار الخردة وممارسي العمل السياسي من الباب الطائفي لم يعد أمامهم حاليا من هدف مركزي ومقدس سوى التمادي المفجع في نبش ملفات الأحقاد التاريخية وإستحضار حتى الروايات الخرافية أو تلك الضعيفة تاريخيا من أجل كسب معركة توجيه الرأي العام العراقي التاته في بحور الأزمات الأمنية و الخدمية و التموينية!، ولعل في جعل الشعب الكردي و التجربة السياسية القائمة في كردستان الجنوبية وإعادة حالة التعبئة العسكرية والرغبة في إستحضار أشباح الماضي من القيادات العسكرية العراقية الفاشلة ومحاولة زجها في حرب داخلية عنصرية طاحنة شعواء هو جزء فاعل من خطوات مركزية لإدارة الأزمة الداخلية في العراق بمنهج تعبوي جديد تديره الأحزاب الدينية والطائفية ولا يختلف في توجهاته الستراتيجية الكبرى عن أسلوب الأنظمة العسكرية التي تعاقبت على حكم العراق منذ عام 1958 وفي طليعتها تجربة البعث البائد و التي تعنبر القمة في ممارسة الفاشية وفرض الأسلوب القهري وإباحة دماء الشعب الكردي من أجل سطوة مطلقة لم تتحقق ولا يمكن لها أن تتحقق أصلا لأن ذلك مخالف للحتمية التاريخية وخلاصتها النهائية القاضية بإنتصار إرادة التحرر و الإستقلال وحتمية إنهيار الطغاة مهما تجبروا، ولا تنسى أبدا دور الساحة الكردية في تهبئة مستلزمات العمل الميداني للمعارضة العراقية السابقة وأدوارها الفاعلة في إنهاء الإستبداد وحكم الحزب والفرد الواحد، وبرغم كل المتغيرات الهائلة في مختلف الميادين وعلى المستوى الكوني إلا أن أنه للأسف لم تزل هنالك مساحات هائلة للخرافة يتمدد تحت ظلالها أهل الرؤى الخرافية الذين أضحت لهم حاليا سوق رائجة للخرافة في العراق، ولعل إستحضار الخرافة في محاربة الشعب الكردي ولجم إنطلاقته الحضارية ومحاولة إفشال تجربته الناجحة بوسائل بدائية هي إحدى الوسائل الجديدة لإدارة الأزمة الداخلية وفق منطق العصور الوسطى!! وهي حالة غير مسبوقة في التجارب السياسية الكونية ولا أظنها ستتكرر في أي مكان في العالم سوى العراق الذي يعيش للأسف اليوم حالة الحرب الإعلامية التي حدثت بعد معركة الجمل قبل خمسة عشر قرنا من الزمان!!!.. وتلك معضلة حقيقية تمثل ردة فكرية وحضارية رهيبة ومفجعة في دلالاتها وإرهاصاتها، لقد طالبني أحد القراء الكرام من ليبيا الحرة بذكر حقيقة أفكار أحد شيوخ السلطة الراهنة في العراق ومواقفه من الشعب الكردي؟ وهنا لا أزعم بانني قد أتيت بجديد سوى أن ذلك الشيخ المعمم الذي يدير أحد المساجد و المرتبط بالمجلس الأعلى الذي هو أصلا مؤسسة إيرانية مرتبطة بمجلس الوزراء الإيراني منذ تأسيسه عام 1981 قد أصدر سلسلة من التصريحات ذات الأبعاد الخرافية ضد مكون رئيسي وفاعل من مكونات الشعب العراقي وهو الشعب الكردي حينما وصمه بصفة ( المارقة ) الموجودة في كتب الملاحم و الفتن التي تذكر رواياتها حول مرحلة ظهور الإمام الغائب وما سوف يفعله بعد عودته؟ و كيف يمارس سلطاته؟ ويدير معاركه؟ وقد جعل هذا الشيخ من تلك القصة سيناريو رعب حقيقي لحرب إبادة و إستئصال لا وجود لها أصلا في الفكر الإسلامي الحقيقي النقي الخالي من الشوائب والروايات التدليسية و الخرافية و من الإسرائيليات التي أقحمت في الفكر الإسلامي، قذلك الشيخ يدعي بأن أكراد العراق فقط وحصريا هم الذين سيستأصلهم المهدي المنتظر حين عودته وليس أكراد سوريا أو تركيا أو روسيا أو إيران؟ ولا أدري السبب في ذلك؟ ولماذا الإستثناء؟ وطبعا معروفة أيضا للجميع تلك الرؤية الخرافية التي تزعم بأن أصل الأكراد يعود أساسا لكونهم قوم من الجن!!... طبعا ذلك الشيخ الزاعق بمنطلقاته الفكرية المضحكة ورؤاه السقيمة لا يعبر أبدا عن حقيقة الفكر الشيعي العلوي بقدر مايعبر عن توجهات متطرفة ودخيلة ذات أبعاد عنصرية وسياسية واضحة، ولكنها في المحصلة آراء قد تخدم توجهات بعض الفاشيين الجدد، وينبغي على السلطة العراقية لو كانت جادة فعلا في جهودها لتوحيد العراق ولم شعثه و إعادة بنائه محاسبة من يروج لتلك الأفكار العنصرية السقيمة و محاكمتها وفقا لروح العقيدة الإسلامية السمحاء التي تنكر كل تلك الترهات الغريبة و البعيدة عن سماحة الإسلام الذي لعب فيه الأكراد دورا تاريخيا و مجيدا ولا زالوا حتى اليوم بقامات علمائهم الكرام يمثلون زهورا يانعة في حديقة الفكر الإسلامي الحضاري المتفتح وليس العنصري أو الإستئصالي، ولو لم يكن للشعب الكردي رمز يباهون فيه الأمم لأكتفوا بالقائد الكبير صلاح الدين الأيوبي محرر القدس و محطم الموجات الصليبية العنصرية الدموية؟، طبعا آراء ذلك الشيخ الذي مثل للأسف في البرلمان ذات يوم الشعب الكردي خاصة به و بجماعته و من يعتنق رؤيته من الشوفينيين و العنصريين، و أقواله تلك ليست سوى سيوف خشبية متآكلة لن تجعل الشعب الكردي و لا قياداته تعيش حال الإنعزال و التقوقع أو تمارس رد الفعل العنصري القبيح و المستهجن، التجربة الكردية الحرة و الناجحة مستمرة بقيادة رجالها الأحرار الذين يصنعون و يؤسسون اليوم قاعدة حضارية صلبة و متطورة ستتعزز و تتطور رغم مختلف التحديات و الموانع، ومن سيفشل في النهاية هم أهل الخرافة لأنهم ببساطة في عزلة عن الواقع وفي حالة تحدي فاشل لحتمية التاريخ المؤكدة على إنتصار الشعوب الحرة، أما أفكار أهل الكهف فمكانها في الحديقة الجوراسية فقط لاغير.

[email protected]