من القلب أتمنى، كما يتمنى كل المحبين للعراق، الشفاء العاجل للسيد رئيس الجمهورية العراقية، الأخ العزيز مام جلال.
إن أزمته الطارئة تأتي في وقت يحتاج فيه العراق، أكثر من أي وقت آخر، لحكمة الرئيس العراقي وصبره ومرونته السياسية، بأمل أن تلعب مساهمته دورا فعليا في حلحلة، ومن ثم، حل الأزمة السياسية العامة المستعصية، وخصوصا التوتر بين حكومة إقليم كردستان والمالكي، الذي ما انفك - مع زملائه الدعويين- يصعّد من عوامل التوتر، ويقترف مزيدا من الاستفزازات.
لقد لعب جلال طالباني دورا معروفا في صد نداءات سحب الثقة من المالكي، ولكن المصيبة أن الأخير، ربما بتشجيع وتحريض ممن حوله، لم يبرهن على حنكة سياسية في عراق ملبد بالغيوم، وفي منطقة تتفجر. وما موقفه في مجاراة إيران بدعم النظام السوري إلا المثال الصادم للعيون في كل يوم.
لقد تراكمت خبر سياسية طويلة ومعقدة عند مام جلال منذ دخوله معترك النضال القومي، مما يؤهله ليكون نوعا من صمام الأمان لعراق الأزمات، خصوصا وهو يتصرف كرئيس للعراقيين كلهم وليس كرئيس كردي وحسب. وبعبارة، أن يكون حكما بين المتنافسين والمتصارعين. ولكنه في الوقت نفسه لا يستطيع، ولا يجب، أن يجاري الخطأ الفادح والمخطئ، وان لا يقول بصراحة من هو- أو من هم- أسباب الأزمة وما وراءها من حسابات، لاسيما منذ اتفاقيات أربيل التي لم يلتزم بها السيد رئيس مجلس الوزراء.
لقد توجهت شخصيا منذ سقوط النظام البعثي بمذكرات عدة لمام جلال، كان منها ما يخص مشكلة كركوك والدعوة لحل يرضي الجميع والتحلي بالصبر والمرونة والحنكة. وقد أيدني في ذلك. ومنها انتقاد موقف التحالف الكردستاني كله في الأخذ بإستراتيجية ما سمي بquot;التحالف الكردي- الشيعيquot;، أي التحالف الإستراتيجي مع أحزاب الإسلام السياسي الشيعي الحاكم، من حيث أنها إستراتيجية توحي بتجاهل القوى والتيارات العلمانية والديمقراطية العربية وبقية مكونات الشعب العراقي. ومنها انتقاد تسرع تلك الأحزاب والمرجعية الدينية للمطالبة بانتخابات فورية بعد أسابيع من سقوط صدام، وممارسة الضغوط والتهديدات في وقت كان العراق لا يزال فيه قد خرج للتو من الهول.
خلال أواخر حياتي السياسية مرت فترة تشنج بين الحركة اليسارية التي كنت انتمي إلها وبين فريق مام جلال، ولكننا عندما التقينا في باريس قبيل الحرب، وجدت أمامي نفس جلال طالباني الذي كنت قد سهرت معه في أحد مقاهي براغ عام 1965، ألفة وحميمية وكأن غيمة ما لم تكن قد مرت على علاقاتنا السياسية. وتلك من صفات وفضائل مام جلال، الذي يتحلي بقدرة عجيبة على التسامي على ماض كئيب، بل ولعله الرئيس الوحيد الذي يردد علنا، وهو يبتسم، وبأريحية، ما يجري تداوله من نكات عنه شخصيا.
لقد فضل مام جلال الاستمرار، وعلى حساب صحته، في خدمة الشعب العراقي كله من خلال منصبه الرفيع والمضني، وعاد مؤخرا للعراق من المستشفيات بأمل نجاح جهوده لحل الأزمة العامة، والتي تهدد بأوخم العواقب وأكثرها إيلاما. راجيا مع كل المخلصين أن ينهض ثانية من سرير المستشفى ليمارس دوره البناء المطلوب، ووفقا لصلاحياته التي جرى التجاوز عليها أكثر من مرة من جانب السيد رئيس مجلس الوزراء، خلافا لما نص عليه الدستور. وألف تحية للأخ الغالي مام جلال...