بداية أحتاج للتنويه بأن اعتذار الظالمين الأقوياء عن ذنوبهم يعتبر مزيّة أخلاقية لا يتحلى بها إلا الشجعان، هذا على مستوى الأفراد، لكن الأمر يختلف بالنسبة للدول الإستعمارية، فهي لا تعتذر لضحاياها من الشعوب العربية وغيرها إلا حين تكون مضطرة، وتدرك أن خصومها القدماء يمكن أن يشكلوا قوة تؤثر في مصالحها الإقتصادية، أو أنهم يمتلكون تمثيلاً حقيقياً لشعوبهم. وفي حالات قليلة يكون الإعتذار نابعاً من ثقافة إجتماعية ذات إرث أخلاقي، كمثال اليابان.
موضوع الساعة في الجزائر وهي تستقبل الرئيس الفرنسي هولاند، هو مضمون خطابه، وهل سيستجيب لدعوات كثيرة صدرت عن سياسيين جزائريين، تطالب فرنسا بالإعتذار عن جرائمها. وكانت مجموعة من الأحزاب الجزائرية قد وجهت رسالة إلى إلى كل من هولاند، والحكومة الجزائرية، انطوت على الكثير من المبالغة في أهمية الإعتذار فقد جاء فيها: { إن زيارة هولاند لن يكون لها معنى إذا لم يقم بتقديم اعتذار رسمي عن جرائم بلاده خلال فترة الإستعمار}،كما ذهبت الرسالة إلى أبعد من ذلك بإشارتها إلى { أن أي مسعى لتطبيع العلاقات بين البلدين يمر حتماً عبر بوابة الإعتذار ..} وكأن العلاقات مقطوعة وتنتظر زيارة هولاند لتعود إلى طبيعتها، وبصرف النظر عن أهمية هذه الأحزاب ومدى مصداقيتها، والضجة التي أثارها سياسيون يزيحون صفتهم الرسمية حين يطالبون بحق الجزائر على فرنسا، فإن الرئيس الفرنسي عبّر في حديثه إلى البرلمانيين الجزائريين، عن انسجامه مع نفسه، فكان قد صرّح في العام 2006 عندما كان رئيسا للحزب الإشتراكي المعارض quot; إن فرنسا خسرت روحها في الحرب الجزائرية، وعلينا أن نقدم الإعتذار إلى الشعب الجزائري quot;، لقدعبّر عن احترامه للذاكرة، كل الذاكرة، وأكد على أن واجبه كرئيس لبلاده quot; أن يقول الحقيقة حول العنف والظلم والمجازر والتعذيب .. quot; وأشار بوضوح إلى أنه quot; .. خلال 132 سنة خضعت الجزائر لنظام جائر وعنيف ومدمرquot; ويضيف :quot; لا شيء يمكن أن يبرر الإعتداءات المرتكبة بحق الشعب الجزائري وإنكار هويته وتطلعه للعيش بحرية quot;. وذهب هولاند أبعد من ذلك حين قال بأن quot;فرنسا تخلت عن مبادئها quot; في إشارة إلى أحداث الثامن من أيار- مايو 1945، واعترف بما اقترفته قوات بلاده من مجازر في سطيف وقالمة وخراطة، مؤكداً إنها quot; تبقى راسخة في ذاكرة الجزائريين ووعيهم quot;. إذاً فقد صدر الإعتذار من رئيس فرنسا، فما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للشعب الجزائري ؟ في رأيي إنه لن يسهم في حل أزمات المجتمع، بل سيعود بمنفعة معنوية على الطبقة السياسية المتنفذة، كي تزداد قناعة بأن رياح التغيير بعيدة عنها، ما يعني الناس هو اعتذار حكامهم لهم عن إهمال مطالبهم في السكن وتحسين الرعاية الصحية، عن عدم احترام رأيهم وتهميشهم، التغاضي عن الفساد وسرقة المال العام، تزوير إرادتهم الإنتخابية، عدم الإعتراف بالمسؤولية عن الأخطاء. قائمة الإعتذار تطول، وتتضاءل أمامها أهمية اعتذار الغرباء. ومع أني لا أجد في اعتذار فرنسا، سواء تمثل بما قاله هولاند، أو ما يطالب به المزايدون من أن يكون بصيغة أكثر رسمية، لا أجد فيه مكسباً عظيماً يقلل من معاناة الشعب الجزائري، إلا أني أستغرب قول وزير الخارجية ، مراد مدلسي بأن
الدولة الجزائرية لم تطلب رسمياً من فرنسا الإعتذار!!، لماذا كان بحاجة لمثل هذا التصريح، ألم يكن السكوت أفضل ما دامت الجرأة غير متحققة للتقدم بهذا الطلب؟ هنا استدعي غضب الوزير الأول الأسبق أويحيى على أردوغان حين تحدث عن جرائم الإستعمار الفرنسي في الجزائر، فقد عبّر بشكل غير مباشر عن تعاطفه مع فرنسا، quot; نقول لأصدقائنا الأتراك لا تتاجروا بنا quot;، صحيح إن أردوغان يكثر من النفاق لكنه كان منطقياُ في مخاطبته لفرنسا. في ظني إن النظام الذي فقد التواصل مع شعبه لا يجد الشجاعة لطرح قضايا كبيرة حتى لو كانت رمزية، وبما أن أغلب حكامنا لا يتحلون بثقافة الإعتذار فإنهم يترددون في طلبه من الغير، ولنواجه أنفسنا بصراحة، هل نملك كعرب ومسلمين، تاريخياً مثل هذه الثقافة؟ هل اعتذر أسلافنا للأقوام التي غزوها وسبوا نساءها؟ هل اعتذروا ممن سلبوا أموالهم باسم الجزية على مر العصور؟ ألم يقايضوا الإسلام بدماء أبناء البلاد المستباحة؟ وأقرب من هذا، هل اعتذر صدام حسين عن جرائمه حتى بعد ان وقف في قفص الإتهام، وهل فعل ذلك حافظ الأسد والقذافي والبشير وعلي عبد الله صالح، وكثيرون غيرهم، وبعد هل يعتذر الآباء والأمهات لأبنائهم حين يضربونهم، وهل يتأسف المعلمون لتلاميذهم حين ينسون دورهم التربوي ويتحولون إلى جلاّدين، هل اعتذر مشرعونا للنساء حين وضعوا في القانون المدني مادة تقول إن ضرب الزوجة لا يعتبر جريمة، وإن قاتل المرأة قد يكون شريفاً يستحق الإعفاء من العقاب أو تخفيفه؟ أسئلة كثيرة مالم تجري الإجابة عليها، لامبرر لمطالبة الغير بالإعتذار.

bdourmohamed@ ymail.com