(أعلنت وزارة البيشمركة ، الثلاثاء ، عن إطلاق دفاعاتها الجوية النار على طائرة للجيش العراقي فى محافظة كركوك . وقال وكيل الوزارة انور حاج عثمان فى حديث صحفي : ان دفاعاتنا الجوية اطلقت اليوم النار على طائرة عراقية حلقت اكثر من مرة فى منطقة سيكانيان ضمن محافظة كركوك، مبينا أن quot;الطائرة العراقية أجبرت على الانسحاب بعد إطلاق النارquot;. ورجح عثمان أن quot;تكون مهمة هذه الطائرة التجسس على قوات البيشمركة المنتشرة فى تلك المناطقquot;). انتهى الخبر.

ل يمكن ان يحصل مثل هذا فى بلد غير العراق؟ وهل يمكن أن نقرأ يوما أن شرطة ولاية نيويورك الأمريكية أطلقت النار على طائرة امريكية لظنها أن الطائرة تتجسس عليها؟ أو نسمع بأن الشرطة الاسكوتلندية فى بريطانيا أطلقت النار على طائرة بريطانية بدعوى انها تتجسس عليها؟ العراق بلد الأعاجيب والمتناقضات والتصرفات اللاعقلانية ، وإلا فكيف نفسر مثل هذا الحدث الخطير ، بينما السيد مسعود البارزاني كثيرا مايؤكد وخاصة خلال الأشهر القليلة الماضية أن أقليمه جزء من العراق؟ لم يعد سرا أن حكومة الاقليم ماضية فى الاعداد للانفصال متى ما سمحت الأحوال بذلك ، مع علمها بانها لن تحصل على موافقة تركيا وايران على اقامة دولة كردية على حدودهما مع العراق . تقارب مسعود البارزاني من تركيا -أكبر أعداء الكورد- لا يعنى ان تركيا ستبارك قيام دولة كردية تجمع أجزاءا منها ومن ايران وسورية والعراق . والبارزانى يدرك جيدا أن تركيا تطمح الى ضم إقليمه اليها لتحصل على موارد الطاقة الموفورة فيه ، ولن تتردد فى ذبح معارضيها متى ما تمكنت من ذلك.

ما كان يُطلق عليها (المناطق المتنازع عليها) غيّرها البارزاني قبل يومين الى (المناطق الكردستانية خارج كردستان) فكيف تكون هذه المناطق كردستانية وهى خارج كردستان كما أقر البارزاني نفسه بهذه التسمية؟ إن ما يقوم به السيد مسعود هو استفزاز واضح للحكومة الاتحادية . فهو الذى احتضن المدان طارق الهاشمي قبل هروبه الى تركيا ، وهو الذى نشر قوات البيشمركة خارج الاقليم ، وهو الذى افشل صفقة الأسلحة الروسية لابقاء الجيش العراقي ضعيفا أمام قوات البيشمركة ، بينما هو يؤكد على ان (قوات دجلة) تعتزم مهاجمة الاقليم ، وها قد مضت اسابيع طويلة لم تتحرك قوات دجلة من مواقعها فما الذى يمنعها من الهجوم؟ لقد سبق للراحل الملا مصطفى البارزاني أن قال : ليس للأكراد أصدقاء حقيقيون . وبدلا من أن يتدارك ابنه مسعود ذلك فانه يتودد الى اعداء الكورد ويعادى أقرب الناس اليهم وهم عرب العراق.

لم أعثر على مصادر موثوقة لمجموع الضحايا لكلا الطرفين فى حروب الشمال منذ بدايتها فى العشرينات من القرن الماضى لغاية عام 2003 ، ولكن الدلائل تشير الى ان ما لا يقل عن مليون قتيل وثلاثة ملايين جريح ومعوق من الطرفين ، وربع مليون كوردي هاجروا الى خارج العراق ، وملايين لا تحصى من الدولارات كان المفروض ان تصرف على البناء صرفت على القتل والدمار . كل المعارك بدأها الكورد وانتهت باستسلامهم وهروب قادتهم الى روسيا وايران وأمريكا ، فلماذا الإصرار على القتال الذى كان يضر بالكورد أكثر من العرب؟ من يدقق فى تأريخ المنطقة يجد أنه فى كل فترة يبرز قائد كردي ينادى بالانفصال عن العراق ، ويتحمس الكورد وينخرطون فى صفوف المحاربين ولا يلبثوا إلا قليلا حكتى يندحرون . ويتبع الاندحار تشييع الجثث ودفنها وإقامة الفواتح ، وتتشرد العوائل بعد فقد شبابها ومعيليها .

وكتبت جريدة (قراءات) فى عددها الصادر فى 19/12/2012 :
((إتهم نائب عن القائمة العراقية اقليم كردستان بالتعامل مع الحكومة الاتحادية كدولة وليس كاقليم. وقال النائب عن القائمة كامل الدليمي quot;الاخبار والتصريحات المطلقة من الجانب الكردي تبين انهم يتعاملون كدولة وليس كاقليم، وان كانت هذه المزايدات الاعلامية لا تبنى عليها اسس عميقة، لكنها تعكس صورة للمتابع والقارئ بانهم ذاهبون نحو اعلان دولة كردستان، ولكن علينا ان نخفف منها في هذه المرحلة، حيث اخذت هذه التصريحات اكثر من حجمها وباتت تعطي صورة بان المسؤولين في الاقليم ذاهبون نحو دولة كردستانquot;. واضاف quot;أننا لا نعتقد ان الاقليم يتمدد على حساب المحافظات الاخرى، ولا نتصور تغيير اسماء المناطق العراقية الى مناطق كردستانية واخرى عربية، لان كردستان جزء من العراق، الا اذا قرر الاكراد غير ذلكquot;.)) انتهى.

ولنا ان نتساءل : من غير القائمة العراقية شجعت حكومة الاقليم على تصرفاتها العدائية ؟ هل نسينا رحلات زعيمها اياد علاوي المكوكية الى اربيل وانقرة وقطر؟ هل نسينا ان المدان طارق الهاشمي التجأ الى اربيل بحماية البارزاني وبعدها غادر الى انقرة؟ بدلا من أن تساند هذه القائمة الحكومة الشرعية فى بغداد ركزت كل جهودها على محاولة افشالها وعرقلة إعادة بناء البلد المخرب . وأغرب ما قرأت اليوم هو التهمة الجديدة التى وجهتها القائمة الى رئيس الوزراء بأنه هو الذى شجع قادة الاقليم على التمرد !!. وأغرب من ذلك يقولون أن سبب اصابة رئيس الجمهورية بجلطة فى الدماغ سببها جدل رئيس الحكومة معه عند زيارته للطالباني مما رفع ضغط الدم وتسبب الجلطة ، كما ذكرت (أنباء شط العرب)!!.

وقبل ان يتهمنى الأخوة الكورد بالشوفينية اقول لهم من يعرفنى جيدا يعرف انى أحب وأحترم الكورد وخاصة الفيلية منهم من الذين أعتز بصداقتهم منذ الدراسة الابتدائية حيث كنت أسكن فى دار فى ساحة النهضة (ساحة الوصي سابقا) بمحاذاة (عكد الكراد) فى الجانب الشرقي من بغداد ، ولم اشعر فى يوم من الأيام بتفوقى على أحد بسبب قوميتى العربية او غيرها . وفى بداية الأربعينات من القرن الماضى كنا نحن الأطفال نسمع عن حرب فى الشمال بين الجيش العراقي والكورد ولم نكن نبالى بذلك فقد كان اللعب هو شاغلنا الوحيد . وفى احد الأيام سمعنا صراخا وضجيجا علمنا فيما بعد أن جيرانا لنا قد فقدوا ولدا لهم فى المعارك فى الشمال ، وطار صواب والد الفقيد وأخوته وخرجوا من بيتهم يحملون السكاكين والهراوات للثأر لإبنهم من جيرانهم الكورد ، وأرعبنا منظرهم وصياحهم فوقفنا واجمين ، وأسرع والدى وبعض رجال المحلة وأقنعوا الغاضبين بأن الكورد الذين قتلوا ولدهم هم من الشمال ، بينما الجيران هم فيلية وليست هناك حربا بين عرب العراق والفيلية ، فهدأ أهل الفقيد واعتذروا من جيرانهم.

ومهما يكن من أمر فان العراقيين قد ملوا من تصرفات قادة الاقليم ، ولايخامرنى أي شك بأنه إذا ما إستُفتي الشعب العراقي اليوم فستصوت الغالبية على الانفصال . وكل الدلائل تشير الى استعداد البارزاني للهجوم ، فان لم يتفق الطرفان على حل سلمي دائم فستقوم حرب ضروس لم يشهد لها العراق مثيلا من قبل ، وتنتهى باستيلاء تركيا على الاقليم ، ويتم ذلك بمباركة اسرائيلية امريكية .